(نبيع العفش ولا لأ)، تلك رسالة مكتوبة من زوجة معتقل في مصر، حيل بينها وبين الحديث المباشر معه، فأحبت في جلسة من جلسات المحاكمة أن تأخذ رأيه في هذا القرار الذي ألجأتها إليه ظروف المعيشة، في ظل غياب عائل الأسرة، وغلاء فاحش يقصم ظهر الرجال الذين يعملون عملا طبيعيا، فما بالكم بأسرة غيب عائلها، وتقطعت بهم سبل الحياة عن مورد كريم للرزق.
صورة مؤلمة موجعة، تضاف لكثير من الصور التي نراها، ونسمع بها ممن يثقون فينا، فيحكون لنا آلامهم، كتبت من قبل عن فتاوى السجون المؤلمة، ورأينا صور السجون المؤلمة، لنرى صور البيوت التي أوقفتنا أمام اختبار كبير: أين نحن من هؤلاء؟ وأين نحن من صبرهم وثباتهم؟ كم من صورة حركت ضمائر، وكم من صورة غيرت الواقع المرير؟
لقد كان الإخوان يبيعون العفش من قبل، ولكن ليس للإنفاق على أنفسهم، بل للإنفاق على غيرهم من المحتاجين من أبناء الأمة، حتى لو كانوا مختلفين معهم فكريا أو سياسيا، فقد اقتطع حسن البنا رحمه الله من ماله ومال الإخوان الذي يجمع من جيوب الأفراد البسطاء، ليساعد كل من يحتاج للمساعدة، فعندما فصل الرئيس الراحل محمد أنور السادات من عمله بالجيش المصري؛ لقيامه بعملية اغتيال أمين عثمان، كان يرسل البنا بالمال لأسرته، وهو ما شهد به السادات في مذكراته، وكذلك زوجته جيهان السادات.
وباع عبد المنعم عبد الرؤوف أحد قيادات الإخوان ذهب زوجته، وليس عفشها، والناس تعلم قيمة ذهب الزواج عند المرأة، واعتزازها به، أمر عبد المنعم زوجته أن تخلع ذهبها، وأعطاه بيده للسادات، وظل عبد المنعم هاربا طوال حكم عبد الناصر، وعندما حكم السادات أسقط عنه حكم الإعدام.
وحكى لي الحاج وهبة حسن وهبة صاحب مكتبة وهبة رحمه الله، عندما سألته: لماذا سجنت؟ فقال: لأني كنت أساعد أسر المعتقلين، يقول: سألني القاضي في المحكمة: لماذا فعلت هذه الجريمة حسب القانون؟ فقال له: يا سيادة القاضي لو كانت هذه أختك، ومرت بظروفها، هل كنت تقبل مني أن أكون عديم المروءة ولا أمد يد المساعدة لها؟ يقول: فبكى القاضي في المحكمة، وأعطاني حكما مخففا.
أما العلامة الشيخ محمد الغزالي، فرغم أنه فصل من جماعة الإخوان، وجاءت محنتهم القاسية، يقول: رصد موظفو الاستعلامات العامة عدد زوار وزارة الأوقاف من المواطنين، فكان معظمهم يريد لقاء الغزالي، وكان جلهم لطلب المساعدة، ويقول الشيخ الغزالي: وكان جلهم من إخواني من جماعة الإخوان، ومن زوجاتهم؛ لأنهم علموا أن الرجل لن تحكمه إلا مروءته كعالم، ولن يجعل خلافه معهم حائلا دون الموقف الإنساني.
رأيت منذ فترة قصيرة صورة لأحد المعتقلين، من أكارم الناس وخيارهم ليس من الإخوان، وقد نحف بدنه، وظهر عليه أثر الاعتقال المجرم، وتذكرت كيف كان هذا الرجل العظيم يعطيني الصدقات لأسر الشهداء، ويقول لي: إنني أعطيك لأني أعلم أنك لا تتعصب في هذا الأمر الإنساني للإخوان، قلت له: نحن في الإخوان نبدأ بمن خارجنا أولا، لأن من بداخل الإخوان سيجد من إخوانه من يرعاه، أما من وثقوا فينا، ومشوا معنا في قضية لا ربح فيها لهم، إلا الأجر من الله، فهؤلاء أحق وأولى بالتقديم.
كانت الزوجة المصرية تخرج بذهبها -وليس عفش بيتها- تتبرع به لأهل البوسنة، وأهل فلسطين، تجود به طائعة، راغبة في الأجر من الله، اليوم ينقلب الحال ابتلاء في سبيل الله، لنجد من تكتب هذه اللافتة: نبيع العفش ولا لأ؟
ألا يوحدنا ملف المعتقلين وآلامهم، وحاجات أسرهم، لنكون يدا واحدة فيه، لمواجهة هذا الاستبداد، والعمل على لملمة جروح أهلنا، قبل أن يبيعوا العفش، أم أن الوقت سيمضي، فنجد العفش قد بيع، وانتهى الأمر؟!!
Essamt74@hotmail.com