تعد مشكلة ارتفاع نسب البطالة من المشاكل المزمنة بالاقتصاد المصري، نتيجة دخول أكثر من نصف مليون خريج سنويا إلى سوق العمل، بخلاف المتسربين من التعليم، بينما لا تستطيع جهات الإنتاج والخدمات استيعاب هذا العدد، مما ترتب عليه إضافة سنوية إلى الرصيد المتراكم من أعداد العاطلين.
وزادت حدة المشكلة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، مع تقلص فرص العمل التي تتيحها الأنشطة الاقتصادية، بينما استمرت الجامعات والمعاهد والمدارس الفنية في ضخ خريجيها لسوق العمل، إلى جانب تزايد المصانع المتعثرة، وزيادة الطاقات العاطلة بالشركات، مما أضاف أعدادا أخرى لطابور العاطلين.
وبعد استيلاء الجيش على السلطة في الثالث من يوليو 2003، وحالة الانفلات الأمني وإعلان حالة الطوارئ، وركود الاستثمارات المحلية والخارجية وتراجع السياحة، واستمرار ظاهرة المصانع المتعثرة دون حل، وتوجه البنوك لتمويل عجز الموازنة الحكومية على حساب تمويل الشركات، زادت حدة مشكلة البطالة.
ومع عدم كفاية الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعي، للاستهلاك المحلى اضطرت الحكومة لتوجيه معظم الغاز لتوليد الكهرباء بعد تكرر انقطاعها، مما قلل من توريد الغاز لشركات الأسمدة والحديد والأسمنت والسيراميك والطوب الطفلى وغيرها، مما أدى لتراجع الطاقة الإنتاجية للشركات، التي تعتمد على الغاز الطبيعي سواء كوقود أو كمادة خام.
وبتوقف المعونات الخليجية للنظام المصري مع بداية العام الماضي، ونقص العملات الأجنبية، زادت صعوبات حصول الشركات على المدخلات المستوردة اللازمة للإنتاج، فتراجعت الصادرات، وتراجعت السياحة بعد الاعتداء على السياح بالأقصر، ومقتل عدد منهم بقصف من الطائرات بالواحات، وسقوط الطائرة الروسية ومقتل ركابها من السياح.
وساهمت ورطة الموعد المحدد لانجاز تفريعة قناة السويس، بعد ظهور المياه الجوفية مبكرا، في المزيد من الاستعانة بكراكات من أنحاء العالم، حتى قالوا أنه تم تشغيل 75 % منها بالمشروع.
وقال محافظ البنك المركزي المستقيل أن المدفوعات للشركات الأجنبية، كانت سببا رئيسيا من أسباب نقص الدولار، ومن ناحية أخرى ساهم سحب معدات شركات المقاولات المحلية لمشروع التفريعة، في تعطل مشروعات أخرى .
وأصبحت معاناة المنتجين مركبة، ما بين عدم استطاعة استيراد المواد الخام والوسيطة، أو حتى الإفراج عن السلع التي وصلت الموانئ، سواء لنقص العملة، أو للتشدد في إجراءات الفحص خاصة للمنتجات الكيماوية، أو لمنع أوربا وأمريكا شحن البضائع لها على طائرات الركاب.
وهكذا تضافرت عوامل عديدة لتزيد من البطالة، حيث توقف الاستثمار الداخلي والخارجي، مع توسع الجيش في الأنشطة الاقتصادية على حساب القطاع الخاص، مما أدى لانخفاض نصيب القطاع الخاص من الناتج المحلى.
وعبر عن ذلك استمرار تراجع مؤشر ثقة الشركات بمصر، الذي يعده بنك الإمارات دبي الوطني، مؤكدا استمرار الانخفاض بالإنتاج والطلبات الجديدة والتوظيف، وتراجع حجم الأعمال الواردة من الخارج بوتيرة قوية، كما تسبب تزايد الدين العام في زيادة تكلفته، على حساب الاستثمارات الحكومية.
واستمر الركود في الأسواق التجارية،وفى نشاط التشييد والبناء، والتأثر السلبي لقطاع الطيران بتراجع السياحة، وكذلك تهجير سكان رفح وإغلاق الأنفاق التي كان يعمل بها الكثيرين، وسيول البحيرة التي أتلفت محاصيل 56 ألف فدان.
وساهمت عوامل أخرى في زيادة معدلات نقص فرص العمل، منها تباطىء التجارة الدولية، وتراجع أسعار البترول وانخفاض الواردات الخليجية، واستمرار الاضطرابات في دول اليمن وليبيا وسوريا والعراق مما قلل من صادراتنا أو عمالتنا لها، واستمرار التباطىء في أوربا الشريك التجاري الأول لمصر.
واقتصرت الجهود الرسمية لتقليل البطالة، على مشروع وزارة التموين لتمليك سيارات لبيع الخضر والسلع الغذائية، ومشروع صندوق تحيا مصر لتمليك ألف سيارة تاكسي، وهما مازالا تحت التشغيل، بعد فشل مشروع أيادي بوزارة التخطيط لتشغيل الشباب، الذي قالوا أنه سيشغل نصف مليون شاب، ولم يوفر فرصة واحدة.
وبعد كل ذلك يعلن جهاز الإحصاء التابع لوزارة التخطيط، عن تراجع معدل البطالة من 9ر12% عام 2014، إلى 8ر12% بنهاية العام الماضي، ليتغنى النظام باستطاعته مواجهة البطالة !
ويأتي إعلان جهاز الإحصاء بتراجع البطالة متسقا مع تصريحات مسؤولين آخرين، مثل تصريحات رأس النظام بأن الحريات الإعلامية مكفولة، وتصريحات الداخلية بأنه لا يوجد معتقل واحد بالسجون، وأن مصلح الاختفاء القسري قد انتهى منذ زمن، وأن حرية التظاهر مكفولة، وأن الداخلية لا تستخدم الرصاص مع المتظاهرين، وبعد، فمن صدق كل هذه التصريحات، عليه أن يصدق بتراجع البطالة.