فيه ما يكفي من الصدقية، تحميل القادة الأتراك، منظومة بشار الأسد المسؤولية المباشرة عن التفجير الإرهابي في أنقرة. وذلك قول لا يجافي منطق الأمور الذي يذهب إلى أبعد من أنقرة ويصل إلى باريس مثلا والى المسؤولية المدعاة لـ«داعش» عن الإرهاب الأسود الذي ضربها في 13 تشرين الثاني الماضي وأودى بحياة نحو 130 شخصا!
تفاصيل كثيرة ومرعبة تؤكد الصلة الحميمة والتنظيمية (بكل مترتباتها) التي تجمع بين السلطة الأسدية والجماعات التي اعتمدت الإرهاب سلاحا أساسيا في عملها، بل كعنوان وحيد لمجمل حيثياتها من الأساس... وتلك التفاصيل يعرفها العامة والخاصة. من يشتغل في السياسة ومن يشتغل في الأمن. ومن يتابع المشاهدات الحاصلة ويربط بينها، ومن يتابع الكلام الذي يُرمى باعتباره معلومات خاصة آتية من «مصادر ديبلوماسية عليمة» أو واسعة العلم!
وبالتالي، لا جديد يفاجئ أحدا. ولا صدمات تُصدم، ومنذ أيام بعيدة، سبقت بكثير ثورة السوريين على الطاغية المتحكم بأمورهم ومصائرهم وبلدهم وكل من عليه! وليس أكثر من لبنان وأهله دراية بهذا المعطى سوى العراق وأهله، خصوصا غداة حرب «أم الحواسم» في العام 2003، والويلات التي تزاحمت وتراكمت على مدى أعوام «الاحتلال الأميركي».
جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 كانت واحدة من أبرز عيّنات الأسلوب الأسدي في الإرهاب واستخداماته.. لكنها لا تختصر كل ذلك الأسلوب. بل الأصح أخذ التفجيرات التي سجلت في العراق (وخصوصا الانتحارية) منها، كمثال عن ذلك الترابط المحكم بين أجهزة الأسد والجماعات الإرهابية، وعن كيفية توظيف هذا المعطى العبثي والمدمّر في خدمة الهدف السياسي المطلوب آنذاك، والذي لم يتوقف عند قصة استنزاف الأميركيين وإشغالهم عن التفكير بما هو أبعد من العراق ومصير صدام حسين، بل ذهب إلى توسل الفتنة المذهبية بكل طقوسها الدموية، من أجل إبقاء العيون «المتآمرة» بعيدة عن المشهد السوري، أو المشهد الإيراني.
وشهود عراقيون كثر لا يزالون أحياء يرزقون، يؤكدون على سبيل المثال وليس الحصر، أن الأصابع الأسدية (وغير الأسدية!) لم تكن بعيدة عن تفجير المراقد الدينية في سامراء عام 2006، والتي أطلقت شرارة مذبحة فتنوية لم يسبق لها مثيل حتى بالقياسات العراقية! كما أن شهودا كثرا (وبينهم نوري المالكي شخصيا بالمناسبة) يعرفون أن تلك الأصابع أرسلت شاحنة مفخخة إلى كربلاء أمكن في اللحظة الأخيرة كشفها واعتقال سائقها وتسجيل اعترافاته بالصوت والصورة.. عدا تحضير التفجير الأكبر الذي دمّر وزارة الخارجية في المنطقة الخضراء، في 19 آب 2009 بعد يوم واحد، من عودة المالكي من زيارة إلى دمشق أطلع فيها الأسد على ما لديه من معطيات ومعلومات واعترافات وأدلة تثبت تورطه وأجهزته في ذلك الإرهاب!!
وقصة ميشال سماحة في لبنان لا تُروى وحدها، من دون اعترافات نعيم عباس الشهيرة في الآونة الأخيرة التي اشتملت على طلب الأجهزة الأسدية من «كتائب عبدالله عزام» اغتيال أو استهداف الزعيم وليد جنبلاط.. ولا من دون التفجيرات الدموية التي استهدفت مدينة طرابلس في صيف العام 2013، ولا من غيرها الكثير الذي يدل في زبدته وخلاصته وفحواه، على أن تلك المنظومة التي حوّلت بلادها إلى رماد وألحقت بالسوريين نكبة العصر، لا تتورع عن شيء، أيا يكن، سوداويا ووحشيا ومدمرا وعبثيا، من أجل غاياتها وخلاصها!
وربما كان «داعش» أبرز وأخطر ارتكاباتها راهنا، لكنه لا يغطي على تاريخها الحافل، في العراق ولبنان سابقا، ولا في باريس وإسطنبول ثم أنقرة لاحقا. لكن الغريب والمستهجن في الواقع، هو أن المعنيين الغربيين عموما والأميركيين خصوصا بما يُسمى «الحرب على الإرهاب»، يعرفون ذلك كله وما هو أكبر وأخطر وأدسم منه بما لا يُقاس، وبرغم ذلك يغيب رد الفعل المناسب من قبلهم، بل يُطمر تحت حسابات كثيرة أغرب ما فيها أنها تدّعي شن «حرب عالمية على الإرهاب»!
عن صحيفة المستقبل اللبنانية