بموازاة استمرار
تركيا في إغلاق معبر باب السلامة الحدودي، تكشف التصريحات الرسمية التركية عن السياسة المواربة التي تنتهجها أنقرة حيال التدفق الجديد للنازحين السوريين الفارين من القصف الروسي على ريف حلب الشمالي.
فمن جهة، لا تسطيع أنقرة التخلي عن مسؤولياتها الإنسانية على الأقل، تجاه المأساة الإنسانية على حدودها، ومن جهة أخرى يبدو أنها غير قادرة على تحمل تبعات استيعاب هذا الكم الضخم من النازحين منفردة. وبينما يحذر مسؤولون أتراك من تدفق مزيد من
اللاجئين مع استمرار القصف الروسي، مع البدء بإقامة مخيمات على الحدود داخل الأراضي السورية لإيوائهم، يلمحون إلى إمكانية فتح الحدود "إذا تطلب الأمر".
وفي هذا الصدد، يعتقد المعارض السوري وليد البني أن "تركيا تحاول من خلال إغلاق حدودها إيصال رسالة للمجتمع الدولي، مفادها أنها غير قادرة على استيعاب عدد أكبر من النازحين، وهي التي تستضيف حوالي 2.5 مليون لاجئ سوري"، مضيفا: "تركيا تريد القول للمجتمع الدولي أن عليه إيجاد حل".
ويرى البني، في حديث مع "عربي21"، أنه "في حال فتحت تركيا حدودها فهي بذلك ستفتح مجالا أكبر للروس للتصرف دون مسؤولية أخلاقية، عبر تصعيد القصف على المدنيين"، لافتا إلى أن "التقديرات تشير إلى أن هنالك حوالي 50 ألف نازح يقبعون على الحدود. فما هو الضامن أن يرتفع هذا العدد، في حال صعدت روسيا أكثر في حلب وإدلب أيضا؟".
واستطرد قائلا: "لا أعتقد أن تركيا قادرة على التنصل من واجبها الإنساني، وهي أمام خيارين، الأول: فتح الحدود وتحمل كل التبعات الاقتصادية والاجتماعية، أما الخيار الثاني، فهو ترك النازحين على الحدود، مع تحميل المجتمع الدولي مسؤولية ذلك".
وعما يثار عن رغبة تركية محاولة الاستفادة من المشهد التراجيدي الناجم عن تجمع النازحين على حدودها، بهدف الضغط على المجتمع الدولي؛ لإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، أعرب البني عن اعتقاده بأنه "لا تتوفر الإرادة الدولية لقيام هذه المنطقة، وحتى الحديث عن تدخل بري سعودي تركي في سوريا هو ليس أكثر من ضجة إعلامية، وهو حديث غير واقعي".
وفيما وصف البني التحالف السعودي التركي بأنه "ضروري ومرغوب" لإحداث توازن مقابل "التوحش" الروسي الإيراني، استبعد جدية هذا التدخل.
وردا على التقرير الذي أوردته "سي إن إن" السبت، نقلا عن مصدرين سعوديين قولهما إن عدد الجنود الذين سيقاتلون تنظيم الدولة في سوريا قد يصل إلى 150 ألف جندي، غالبيتهم من السعوديين"، قال البني: "هذه العملية رهينة بموافقة الولايات المتحدة.. لم تصدر، وليس متوقعا أن تصدر، والعميد العسيري قال بوضوح إن السعودية مستعدة للتدخل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وهذا يدلل على أن السعودية تطلب الإذن"، بحسب تعبيره.
من جانبه، يعزو الصحفي السوري عبد الوهاب عاصي عدم فتح تركيا الحدود أمام اللاجئين السوريين؛ إلى عدة تفسيرات، منها الخوف من زيادة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وهذا تهديد مباشر للاتفاق الأوروبي التركي القاضي بالحد من الهجرة غير الشرعية مقابل إعفاء المواطن التركي من تأشيرة "شنغن"، مشيرا إلى المقال الذي نشرته جريدة الغارديان للكاتبة الفرنسية نتالي نوغايريد، المعنون بـ"ما يحدث في حلب سيشكل مستقبل أوروبا".
ويضيف العاصي لـ"عربي21": "أما التفسير الثاني فيتمحور حول الضغوط الاقتصادية التي ستتعرض لها تركيا، في حال قررت السماح لهذه الجموع المؤلفة بالدخول إلى الأراضي التركية". وتابع: "الأهم من ذلك كله أن تركيا لا تريد إفراغ جيب الريف الشمالي من السكان، والذي تستند عليه أنقرة في دعم المعارضة السورية"، وفق تقديره.
وكان يوهانس هان، مفوض التوسع في الاتحاد الأوروبي، قد دعا أنقرة السبت، إلى الالتزام بالاتفاقات الدولية واستقبال آلاف اللاجئين السوريين العالقين على حدودها مع سوريا، بعد هربهم من هجوم لقوات النظام السوري وغارات الطيران الروسي.