ملفات وتقارير

"الفصل العشائري" أداة للابتزاز في ظل ضعف القانون بالعراق

غياب سلطة القانون رغم الإجراءات الأمنية في بغداد - أرشيفية
تزايدت في الآونة الأخيرة، وعلى نحو متصاعد، ظاهرة لجوء الكثير من الأسر العراقية إلى تحكيم قانون العشيرة بدلا من سلطة القضاء لحل النزاعات التي تنشب بينهم، لتسويتها ضمن ما يُعرف بالفصل العشائري، الذي تحول إلى أداة ابتزاز تحت يافطة "أخذ حق المظلوم"، خاصة في مناطق وأحياء بغداد الشيعية والمحافظات الجنوبية من العراق.

طالب مهدي الكعبي (42 سنة)، يقطن منطقة شيعية تقع جنوبي بغداد يروي لـ"عربي21" في حديث خاص؛ كيف تم الزج به في قضية مع عائلة مجاورة له، لم يكن له صلة بها، فيما تطلب حل الإشكال وإنهاء النزاع العشائري بين الطرفين دفع مبالغ مالية طائلة بملايين الدنانير العراقية، بحسب قوله.

يقول الكعبي: "بعد الواحدة والنصف ليلا تقريبا طرق أشخاص باب بيتي الخارجي بقوة، هرعت مسرعا لمعرفة الطارق، وإذ بأحد الشباب يطلب النجدة لإنقاذ والده ونقله بأقصى سرعة ممكنة إلى أقرب مشفى قبل أن يفارق الحياة".

ويضيف: "لم أتوان للحظة عن تقدم المساعدة، فحملته بيدي ووضعته في داخل سيارتي، وتوجهت به إلى مستشفى العاصمة القريب. وفي تلك الأثناء وافته المنية ونحن على بعد أمتار قليلة من الطوارئ".

لكن الكعبي فوجئ، كما يقول، "بأحد أولاده وقد انهال عليّ ضربا، حيث ادعى أنني السبب بوفاة والده، والتهمة أنني لم أسرع وأبذل جهدا لإنقاذه من الموت، وكأني سيارة إسعاف"، وفق تعبيره.

ولم تقف القضية عند هذا الحد، فقد قدمت إليه مجموعة من الرجال ترتدي غالبيتهم الزي العربي، هددوه برفع دعوى قضائية ضده بتهمة القتل العمد، وأنهم سيودعونه في السجن إذا حاول التنصل من الفصل العشائري، وأعطوه مهلة لا تتجاوز عشرة أيام، تسمى بـ"العطوة"، وهي مدة زمنية لإحضار أعمامه وشيوخ عشيرته وحسم القضية، من خلال دفع فدية مالية تدعى بـ"فصلية الدية" لإسقاط القضية عنه.
وأكد الكعبي أنه اضطر لأن يخضع للأمر، خشية لجوئهم إلى قنوات قانونية عشائرية أكثر صرامة، حيث دفع مبلغ 50 مليون دينار عراقي (نحو 45 ألف دولار)، وهو مبلغ أشبه بالأتاوة، كما يقول.

من جهته، يقول يسر فاضل، وهو يعمل موظفا في شركة أهلية عراقية، إنه أُجبر على دفع فصل عشائري قدره ثلاثة ملايين دينار عراقي أيضا، عقب تعرض زوجته لتحرش من أحد الشبان المراهقين الشيعة ببغداد.

ويضيف: "بينما كنت أسير أنا وزجتي لشراء بعض الحاجيات من السوق، شاهدت شابا صغيرا يقترب منها بطريقة مستفزة لغيرتي، محاولا جذبها إليه تارة عبر لمس يدها، والتغزل بها تارة أخرى، وبعد تدخلي لمنعه وقع بيني وبينه مشادة كلامية، وسوء أخلاق الشاب أدت إلى تطور المشكلة، وانتهت باشتباك بالأيدي ضربته بعنف، سقط على الأرض وقد نزف دما".

وأوضح حسن، في حديث لـ"عربي21": "نتيجة ضعف القضاء العراقي وغياب دور الدولة الحقيقي كوني مواطنا تعرضت زوجته لانتهاك لكرامتها أمام المجتمع، فقد تم الزج بي خلف القضبان، وعوملت معاملة المجرمين. أما الشاب المتحرش فلجأ إلى سلطة العشيرة التي بدورها وفرت له الحماية، وطالبتني بتعويضه ماديا لما لحقه من أضرار جسدية وإهانة، باعتباري أنا المعتدي من خلال اصطحاب زوجتي وعرضها للعامة، فضلا عن التسبب بإثارة مشاعر الشبان الجنسية"، على حد قوله.
 
ويرى بعض العراقيين أن تنامي نفوذ سطوة العشيرة في حل الخلافات والإصلاح بين الناس، فسح المجال لبعض العاطلين عن العمل لاستغلال اسم القبيلة لجني الأموال دون مشقة، وهي حالة يدفع ضريبتها المواطنون المغلوب على أمرهم، وقد يصل الأمر إلى ترويعهم وتهديدهم.