تستند السياسة الحالية لـ"أوبك" فيما أطلق عليه استراتيجية الحفاظ على الحصص، إلى ما حدث في سوق النفط العالمية في الثمانينيات، الذي ترتب عليه خسارة "أوبك" جانبا كبيرا من حصتها السوقية، بعد محاولاتها السيطرة على العرض في السوق والحفاظ على استقرار الأسعار. فماذا حدث في الثمانينيات؟
في البداية يجب التأكيد على أن أوبك هي اتحاد للمنتجين Cartel يفترض أن هدفه الأساسي هو ضبط توازن السوق للحفاظ على الأسعار عند مستويات عادلة للمنتجين، أخذا في الاعتبار طبيعة التوازنات في السوق وحالة الاقتصاد العالمي. كي ينجح اتحاد المنتجين لا بد أن يلتزم أعضاؤه باستراتيجيات توزيع الحصص على النحو الذي لا يهدد بتراجع الأسعار، خصوصا في حالة توافر فائض في العرض، ففي الحالات التي يرتفع فيها الطلب تقل أهمية الالتزام بالحصص؛ نظرا لأن الطلب يستوعب إنتاج الجميع، الخطورة الأساسية تكمن في الأوقات التي تواجه فيها السوق فائض عرض، إما بسبب زيادة الإنتاج، وإما بتراجع الطلب.
هذا هو الدرس المدرسي الذي دائما ما نردده للطلبة في قاعات المحاضرات في الجامعة، بأن اتحاد المنتجين يكون قويا عندما يكون الطلب مرتفعا، ولكن عندما يواجه الاتحاد تخمة عرض فإنه عادة ما يكون عرضة للتفكك.
في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي أخذت الضغوط على أسعار النفط تشتد مع تزايد الإنتاج من خارج أوبك بمعدلات مرتفعة جدا نظرا لتسارع معدلات الاكتشافات الجديدة، لدرجة أنه في 1981 تخطى الإنتاج من خارج أوبك إنتاج المنظمة لأول مرة. كرد فعل لذلك قامت "أوبك" عبر السنوات من 1980 إلى 1985 بخفض إنتاجها عدة مرات بهدف الحفاظ على الأسعار المرتفعة التي سادت للنفط بنهاية السبعينيات.
تخفيض إنتاج النفط في الثمانينيات تحملته بصفة أساسية المملكة، من خلال ما يمكن أن نطلق عليه سياسة المنتج المتمم Swing Producer. المنتج المتمم سياسة بمقتضاها يقوم المنتج المتمم بالاستجابة لأوضاع السوق بهدف الحفاظ على استقرار الأسعار، فيقوم بخفض إنتاجه أو رفعه وفقا لظروف الطلب في السوق، وفي حالة اتحاد المنتجين هو الحالة التي يتم فيها تخصيص حصة محددة لباقي الأعضاء، على أن يتولى المنتج المتمم تحديد الكمية التي ينتجها وفقا لأوضاع السوق، فإذا انخفض الطلب فإنه يقوم بخفض الكمية التي ينتجها مع استمرار الأعضاء الآخرين على حصصهم، أما إذا ارتفع الطلب في السوق فإن فجوة الطلب يتم استيفاؤها من جانب المنتج المتمم وحده.
الاستراتيجية على ما يبدو تضمن استقرار السوق طالما أن أعضاء الاتحاد ملتزمون بالوفاء بالتزاماتهم. الخطأ يأتي عندما يقوم المنتج المتمم بخفض إنتاجه استجابة لأوضاع الطلب في السوق، فيقوم الأعضاء الآخرون بزيادة حصصهم، فيتم إغراق السوق ولا تتحقق أهداف المنتج المتمم، الاستجابة الطبيعية في هذه الحالة من المنتج المتمم هي أن يقوم بزيادة الإنتاج؛ لمعاقبة باقي الأعضاء الذين لم يلتزموا بحصصهم المقررة. هنا يخسر الجميع، حتى يجدوا أنفسهم مجبرين للجلوس على الطاولة مرة أخرى، أو أن تتعدل أوضاع السوق، بحيث يكون هناك طلب يكفي لامتصاص الكمية المعروضة من الجميع.
هذا بالضبط ما حدث في الثمانينيات، في أثناء قيام المملكة بممارسة دور المنتج المتمم بخفض إنتاجها لتوائم بين العرض من النفط والطلب عليه، كان بعض الأعضاء الآخرين يعمد إلى نفخ أرقام احتياطياته بهدف زيادة حصته، بينما اتبع البعض الآخر أسلوب الغش في الكمية الحقيقية التي يقوم بإنتاجها مقارنة بالحصة المخصصة له، في الوقت الذي رفض فيه البعض الآخر الالتزام بحصته المخصصة له من جانب "أوبك"، وكأنه ليس عضوا فيها.
لسوء الحظ أيضا عندما لعبت المملكة دور المنتج المتمم كانت الأوضاع السياسية في المنطقة في حالة سيئة بعد اندلاع الحرب بين العراق وإيران، والاثنان عضوان في "أوبك"، وهي أوضاع تشابه ما يحدث حاليا في المنطقة، مع اختلاف اللاعبين إلى حد ما.
عن صحيفة الاقتصادية السعودية