(أؤكد أن وجيع الزمان الزفتاني ليس بحال من الأحوال سوداني، فصاحبكم زول غلبان، مثل ابن عبد البصير سرحان، فيا جماعة المخابرات، ميزوا بين الفسيخ والشربات، ولا تحملوني وزر هذه المقامات، التي يتطاول فيها الزفتاني على أصحاب المقامات).
حدثنا وجيع الزمان الزفتاني، قال: حدثني العلامة ناسف الرُّغفان، عن سيدي ابن تاجر آل جديان، عن شيخ عمود الهتِّيفة، أعلى الله قامته المنيفة، ورفع همته الضعيفة، قال: منذ انتسبت لهذا المكان الشريف، لطلب علم الدين الحنيف، وأسئلة تحوك في صدري، أبحث عن إجاباتها ولا أدري!
وكم من سلوكياتٍ بينهم منتشرة، تصادم الدين والفطرة، وتنصر الظالم وتعضده، وتقاوم الحق وتبدده، متدثرة بالسنة والكتاب، مؤثِّرة بلحن الخطاب، ترى من أصحابها فتنكر، وتتعجب وتحوقل وتكبر، فالحق عندهم باطلٌ والخير شر، والباطل حق يستوجب النصر، وبات الانحراف عند بعضهم فضيلة، والاستمساك بالدين أضحى رذيلة، فحار والله عقلي، وفقد دليله!
فتحركت لأشفي صدري، وأجد إجابات حار فيها أمري، واتجهت لمسؤول الأحقاف، فضيلة الشيخ طوبة الصواف، ليصحح فهمي ويسد خلله، ويزيل همي ويجيب عن الأسئلة، فقال: إننا عبيد السيد المأمور، ومن بيده كل الأمور، فطاعة أولي الأمر واجبة بنصوص الدين، وكل أفعالهم من الحق المبين!؟ وإن الشعوب لترضى هذا، ولا تناقش وتسأل: كيف ولماذا!
ثم اتجهت للمفتي صاحب الفضيلة، الذي به تحل كل معضلة جليلة، فوجدته جالسا في حضرة، وقد تحلق حوله المريدون، وبثوبه تعلق المتبركون، وهو ينظر لذا ويمسح شعره، ويومئ لذاك ويمس ظهره، وذا يحلِّق عليه، وذاك يبوس قدميه، وذلك يطلب المدد، ويبغي منه الغوث في الشِّدد!
ثم التفت للناس وقال: بأنفسكم لقد رأيتم، وبعيونكم عاينتم؛ فقد سألت سيدي المصطفى وكلمني، واستلهمته فألهمني، وقد ملأ جوفي حكمة، وأعطاني فصل الخطاب وعدل الكلمة، وصار عندي من العلم اللدني، ما لم يحزه قبل إنسي ولا جني، وقد ألبسني بيده الشريفة أمامكم خرقة الولاية النبوية، ووضع في قبضتي الحكمة المصطفوية.
فوافق الحضور وأيدوا، وزعقوا وتواجدوا، وأخذوا يترنحون ويصفقون، ويقولون: حي حي، ويكررون، وسقط بعضهم وأغمي عليه، وهرع آخرون وكبروا في أذنيه، والشيخ يشير إليهم، ويبرّك عليهم، ويهبهم من بركاته، ويفيض عليهم من تنزلاته!
ثم فجأة نهض، ووسط المكان انحنى وربض، وبدأ يهز رأسه ويجمجم، وأخذ يحمحم ويهمهم، وبدأ الصوت يرتفع، وهو يتمايل ويصفق ويقول والكل يستمع: سيدي البدوي.. حي حي
سيدي العدوي.. حي حي
ياااا حُوسين.. حي حي سدِّ الدين.. حي حي
يا حجاجي .. حي حي لازم هاجي.. حي حي
يا بو حصيرة.. حي حي هات لي فطيرة.. حي حي
يا علي كفتة.. حي حي فين الفتة.. حي حي
يا شمشائيل.. حي حي مهلائيل.. حي حي
يا نهنوهة.. حي حي يا مندوهة.. حي حي
يا شاذلية.. حي حي.. لقمة طرية.. حي حي
ياللا نشرب.. حي حي هذا المشرب.. حي حي
تيجانية.. حي حي يا عزمية.. حي حي
بقيت حتى هدأ، وأنهى ما بدأ، فاقتربت منه وألقيت السلام، وأبديت غاية الاهتمام، وسألته عما يجري، فهو ولا شك يدري، فنظر إليَّ نظرة غريبة، ملأى بالشك والريبة، وقال شكلك من الكفرة السلفيين، أو من إخوان الشياطين، هاتوه هاتوه، وبالنار أحرقوه، هذا السني النتن، المجرم العفن، لكم حذرت من هؤلاء الملاحدة، المتآمرين النماردة، الأخطر من بني صهيون، والأعدى من رمد العيون، احتسبوا بقتلهم، وخلصوا الأمة من شرهم، إنهم أعداء آل البيت البررة، وأولياء الله الطهَرَة، منكرو الكرامات، ورافضو الفيوضات والمنامات، ومسفِّهو الحضرات والنفحات، الذين يعادون ولي الأمر، وينسبونه للعمالة والشر، ويُبغضون العسكر، ويأتون في ناديهم المنكر، اقتلوهم قتل عاد وإرم، وطهروا منهم الحل والحرم، هؤلاء الحنابلة اللئام، والوهابية أبناء (...)، والإخوان الخراف، والمتسننة الأجلاف، ومعهم كل من يتستر بالإسلام، فدينهم غير ما نعلم، وليس من طريقنا المحكم!
هرع المساعير نحوي ففررت، ومن أظافرهم تحررت، واختفيت منهم في الدروب، وحماني ربي علام الغيوب!
دخلت على رئيس جامعة الإيمان، وهو أيضا عضو بالبرلمان، فوجدته في مؤتمر صحفي، وهو يشوِّح بيديه، وقد تطاير الشرر من عينيه، نحن وراءك يا فخامة الرئيس، وعنك ندافع بالنفس والنفيس، وهذه يدي تمتد بالبيعة، وسأعلنها أيضا على منبر الجمعة، نبايعك على الرئاسة مدى الحياة، فبدونك كيف يعيش عباد الله؟! أنت الملهم، أنت المكرم، أنت القائد، أنت الرائد، أنت البيبسي، أنت رئيسي!
آثرت ألا أقترب، وأن أبتعد بل أنسحب، فالجواب باد من عنوانه، و(القرع) نام قبل أوانه، والشيخ طامع في حتة، وهبرة كبيرة من الفتة!
وحين هممت بالخروج من المكان، اصطدمت بثور في ثوب إنسان، فأمسكني من قفاي، ولطمني لطمة أظلمت منها عيناي، فكأنما اصطدمت في جدار، أو ركلني في وجهي حمار،
فصرخت آآآآه.. يا الله.. وتملصت منه طلبا للنجاة!