كتب عثمان ميرغني: هناك جوانب في حرب الإرهاب، أصبحت جزءا من المشكلة وليس الحل. أخطر هذه الجوانب وأكثرها ضررا هو الخلط والربط المستمر بين الإسلام كدين والإرهاب كظاهرة تتداخل فيها عوامل كثيرة، وما يتبع ذلك من خلق صورة نمطية توسع دائرة الكراهية والعداء والشك إزاء كل ما هو إسلامي وكل من هو مسلم. كثير من استطلاعات الرأي في الغرب تؤكد تزايد مشاعر العداء والشك، وتعكس ترسخ المشاعر السلبية إزاء المسلمين. في الجانب المقابل يشعر كثير من المسلمين بأنهم يوضعون في دائرة الشك ويعاملون وكأنهم إرهابيون إلى أن يثبتوا العكس لمجرد أنهم مسلمون. مزايدات السياسيين تسهم في تعميق هذه المشاعر السلبية، مثلما تفعل التغطية الإعلامية التي تتعمد أو تستسهل التعبيرات النمطية مثل تعبير "الإرهاب الإسلامي"، أو "الإرهابيين المسلمين".
يجادل البعض بأن معظم الجرائم الإرهابية اليوم يرتكبها متطرفون مسلمون، وهو أمر صحيح، لكنه بالتأكيد لا يعني أن هؤلاء يعبرون عن أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، أو أن فهمهم المنحرف للدين يمثل التيار الغالب وسط المسلمين. الإرهاب بالتأكيد ليس "ظاهرة إسلامية" محضة، أو أمرا لم تعرفه أي ديانة أخرى غير الإسلام، لكننا لم نسمع بتعميم أو توصيف مثل "الإرهاب المسيحي" أو "اليهودي"، ولم نرَ ترسيخ ا لصور نمطية تربط ديانات كبرى بتصرفات قلة جانحة.
هناك مشكلة أخرى في التعريف أو التوصيف "الديني" للإرهاب، ذلك أنه يسقط عوامل واعتبارات أخرى سياسية أو اجتماعية أو نفسية قد تدفع بعض الناس للالتحاق بتنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش". بعض الشباب الغربيين الذين التحقوا بمثل هذه التنظيمات أو قاموا بعمليات إرهابية باسمها، لا يفقهون كثير ا من أمور الدين حتى يعتبروا ممثلين للإسلام أو متحدثين باسمه. كما أن هؤلاء الشباب درسوا في مدارس الغرب، ومن مناهجه، وليس في مدارس بيشاور مثلا. هناك استغلال بالتأكيد للدين، وتغرير ببعض الشباب من قبل شيوخ الإرهاب ومنظريه، لكن تعميم ممارسات هؤلاء على الإسلام كله فيه تجن حقيقي على هذا الدين وعلى الغالبية العظمى من معتنقيه. هذا الأمر لا يخدم في النهاية سوى المتطرفين وشيوخ الإرهاب الذين يستخدمونه في خطبهم لنشر الكراهية واستقطاب الشباب للانخراط في منظمات الإرهاب.
هناك من يدركون خطر المعالجة الراهنة لمسألة الإرهاب وإشكالية التعميم المخل الذي يولد صورة نمطية تربط كل ما هو إسلامي بالإرهاب، وتجعل كل مسلم يشعر بالتمييز ونظرة الشك والريبة تجاهه بسبب ديانته. لهذا تسمع عقلاء في الغرب يدافعون عن الإسلام ويرفضون الربط بينه وبين الإرهاب، متصدين للتعميم الذي يضع المسلمين كلهم في دائرة الشك والكراهية. في المقابل، هناك من يستغلون الأمر فيركبون موجة الهجوم على الإسلام بهدف الكسب السياسي، واستقطاب الاهتمام الإعلامي بالتصريحات المثيرة والمواقف الجانحة. المرشح في انتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب صعّد في الآونة الأخيرة هجومه على الإسلام، وبالغ في حدة مواقفه إزاء المسلمين، لأسباب ليست بعيدة عن الانتهازية السياسية في إطار الحملة الانتخابية. رئيس وزراء أستراليا توني آبوت شارك في حملات الجدل عندما قال أخير ا إن "الإسلام لديه مشكلة كبرى ويجب إصلاحه".
قبل أيام استمعت إلى توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، يتحدث في مقابلة مع الخدمة العالمية لـ"بي بي سي" عنوانها الأساسي "كيف تهزم أيديولوجية؟"، وموضوعها يتركز على الإرهاب وكيفية محاربته واجتثاثه، وكذلك كيفية التعامل مع الأزمة السورية وغيرها من أزمات المنطقة التي وفرت بيئة خصبة للإرهابيين. بلير سياسي ماهر ومحام بليغ، استخدم خبراته وفصاحته لتجنب المطبات في موضوعات شائكة يتهمه كثيرون بأنه يتحمل مسؤولية فيها، كدوره في غزو العراق وحرب أفغانستان وحرب الإرهاب. بدأ حديثه بالقول: "إن هناك مشكلة داخل الإسلام، وهذا مختلف عن القول إن الإسلام ذاته لديه مشكلة، فهو دين مسالم". لكنه مضى ليتحدث عن مشكلة في العقيدة أو التعاليم الدينية التي تولد التطرف، مطالب ا العالم الإسلامي بفعل المزيد في مواجهة الفكر المتطرف، ولإصلاح مناهج التعليم. كذلك نادى باجتثاث "التطرف الإسلامي" وبـ"هزيمة الأيديولوجية وليس فقط هزيمة التطرف والعنف".
هذا الكلام فيه ما يمكن الاتفاق معه أو الاختلاف حوله، لكنه يعكس في النهاية إشكالية التشخيص الديني المحض لقضية الإرهاب، الذي يضع الإسلام كله في موضع الاتهام والمحاكمة. فهذا التشخيص يسقط تمام ا عوامل أخرى يجب ألا تغيب عن سياسيين مثل بلير، لأنها أسهمت بشكل كبير في ظاهرة الإرهاب التي يعاني منها العالم أجمع والمسلمون بشكل خاص. العالم الإسلامي مطالب بلا شك بالتصدي للتطرف الديني ولمروجي الإرهاب وشيوخه، لكن ماذا عن مسؤولية الغرب في خلق بؤر القلاقل والأزمات التي أفرزت إرهابيين ومتطرفين؟ وماذا عن المظالم المتراكمة التي وفرت بيئة يتغذى منها الإحباط والعنف والتطرف؟
الإرهاب لن يهزم ما لم تعالج كل مسبباته بعمق وشمولية.. ومسؤولية.
(عن الشرق الأوسط ـ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2015)