رأى مراقبون أن
روسيا تمارس ضغوطا سياسية لإبعاد المعارضة السورية ذات التوجه الإسلامي عن أي
مفاوضات مقبلة في مسار الحل السياسي للأزمة السورية، فيما عزا البعض هذا الإصرار الروسي إلى مخاوف لدى موسكو من وصول الإسلاميين إلى الحكم، ونقل المعارك إلى روسيا.
واتفق ممثلو عشرين دولة، من بينها أمريكا وروسيا والسعودية وتركيا وإيران يمثلون مجموعة الاتصال الدولية بشأن
سوريا، على تسريع الجهود لإنهاء الصراع ببدء مفاوضات بين حكومة الأسد والمعارضة في كانون الثاني/ يناير من العام المقبل، وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا، وذلك أثناء اجتماع الدول المذكورة في العاصمة النمساوية فيينا، أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، وبغياب ممثلي طرفي الصراع النظام السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
وسيتم تنفيذ وقف شامل للنار مع بداية المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة حول المرحلة الانتقالية تحت رعاية الأمم المتحدة على أساس بيان جنيف عام 2012.
وقالَ رئيس حزب العدالة والتنمية السوري، "عمر شحرور"، "إنّ جميع المسلمين يتفقون على ألاّ يحكم سوريا مستقبلا متزمت دينيا، أو إرهابي، أو متشدد".
وأكّدَ "شحرور" أنّ الفصائل المسلحة ستتحول إلى العمل السياسي، بما يجعلها تحظى "بثقل كبير وتقدير من الشعب السوري للتضحيات التي قدمتها في الثورة".
في جانب آخر، شدّد رئيس العدالة والتنمية السوري على "سلبية استبعاد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من المشاركة في تحديد القوى الفاعلة لتمثيل المعارضة، ورأى أنّ إناطة أمر كهذا بغير السوريين ستكونُ له تداعيات سلبية".
وربطَ "شحرور" بين إصرار روسيا على استبعاد الإسلاميين من أيّ دور في الحل السياسي و"تخوف روسيا من وصول الإسلاميين إلى الحكم، بما قد يؤدي إلى انتقال المعارك إلى أراضي الاتحاد الروسي"، واصفا حكم فلاديمير بوتين بالحكم "العسكري المستبد المعادي للإسلام والمسلمين، وأنّه يمثل امتدادا لقرون من ظلم واضطهاد المسلمين هناك".
وكانت روسيا قد مارست ضغوطا على الدول المشاركة لإدراج بند يقضي بحل سياسي يضمنُ علمانية الدولة السورية مستقبلا، وإقصاء القوى الإسلامية من الحل.
وأشار رئيس العدالة والتنمية السوري إلى بيانات أصدرتها معظم الفصائل وقيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، قال إنّها "تُفنّد مزاعم روسيا وكذبها فيما يتعلق بالتواصل مع الجيش الحر وممثليه".
وبعد إبداء تفاؤله بـ"الإصرار التركي السعودي على فرض حلّ سياسي مقبول من معظم القوى السياسية والعسكرية"، دعا شحرور باسم الحزب الذي يترأسه، حكومات تركيا وقطر والسعودية إلى لعبِ دور فاعل تجاه الدول الكبرى والمؤثرة للوقوف بوجه المحاولات الروسية "لإقصاء القوى الإسلامية وتصنيف فصائل المعارضة حسب ما يتفق مع السياسات الروسية، معبّرا عن خشيته من أنْ يؤدي هذا الإقصاء والتصنيف "إلى اقتتال داخلي في صفوف الثورة".
يُذكر أنّ الموقف السعودي يُصرُّ على ألاّ يكون هناك دور للأسد في المستقبل، وأنْ يشمل الحل السياسي الحفاظ على المؤسسات الحكومية والأمنية؛ لمنع الفوضى التي تؤدي إلى انتشار الإرهاب.
من جانب آخر، عبّر أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة دمشق سابقا، السوري وسام الدين العكلة، عن اعتقاده بأنّ "أيّ حلّ سياسي سيكونُ مصيره الفشل إنْ لمْ يتضمنْ صراحة جدولا زمنيا محددا وواضحا ومقبولا لرحيل الأسد".
واعتبر "العكلة"، أن "تحديد الشخصيات التي ستُمثل قوى المعارضة ووضع تصنيف بأسماء المنظمات "الإرهابية" في سوريا، كما صدر عن الاجتماع المصغّر لتسع دول الخميس 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، "من أهم العقبات وأكثرها صعوبة لتعارض وجهات النظر بين الأطراف الدولية".
ونفى أستاذ القانون الدولي ما وصفه بـ"الادعاءات" الروسية حول إجراء لقاءات حقيقية ومباشرة بين روسيا وبعض فصائل الجيش الحر؛ لكنّها (روسيا) أجرت بالفعل لقاءات مع مجموعات كردية مسلحة قريبة من النظام، وتعمل لأجندات خاصة بها بعيدة كلّ البعدِ عن توجهات الشعب السوري والجيش السوري الحر"، بحسب قوله.
واستبعد "العكلة" أيّ إمكانية لتوافق جميع الأطراف على تصنيف فصائل مثل "جيش الفتح وغيره من الفصائل التي تُصرّ كل من روسيا وإيران على إدراجها ضمن الجماعات الإرهابية، لإحراج التحالف الدولي، الذي يقتصر على استهداف جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية فقط".
في مقابل ذلك، يرى "العكلة"، أنّ دولا مثل "السعودية وقطر وتركيا ستتمسك بعدم إدراج تلك الفصائل الإسلامية على قائمة المنظمات الإرهابية الواجب استهدافها".
وتوقّع أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة دمشق سابقا، ما أسماه بـ"انعكاسات وارتدادات سلبية على مُجمل عملية التفاوض لحل الأزمة السورية سياسيا في حال إصرار روسيا على إقرار شكل الدولة قبل البدء بالمرحلة الانتقالية".
وشدّدَ على ضرورة "ترحيل جميع المسائل الخلافية لما بعد المرحلة الانتقالية، ليُقرر الشعب السوري شكل وهوية دولته؛ سواء كانت علمانية، أو إسلامية".
من ناحيته، استبعد الباحث في المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية، "عمرو السراج"، قدرة روسيا، خاصة بعد تدخلها العسكري، "على إلغاء أيّ تيار من المعارضة"، مؤكدا على فشل أيّ حل سياسي "يُقصي القوى الإسلامية التي فرضت نفسها بتأييدِ شرائحَ واسعة من السوريين"، بحسب تعبيره.
ورأى "أنّ على الفصائل الإسلامية الراغبة في الشراكة بالعملية السياسية، أنْ تؤمنَ بالديمقراطية، والحريات السياسية، وعلمانية الدولة، بمعنى تحيّيد المؤسسات عن الأيديولوجيات كافة".
ونوَّه السراج إلى ما أسماه "حساسية" المحور العربي من "مسألة تخويل الأردن لاقتراح أسماء فصائل سورية سيتمّ إدراجها على قائمة الفصائل الإرهابية، الأمر الذي قد يُثير خلافات داخل المحور العربي نفسه"، يمكن تجاوزها في "حال نجاح المساعي الحالية لتشكيل هيئة أركان واحدة تضم جميع الفصائل، وهو ما سيزيد من صعوبة اتهام جزء من الهيئة بالإرهاب".
ومع غياب بديل جاهز قادر على ضبط التركة الثقيلة لنظام بشار الأسد، فإنّ روسيا سوف تظل "متمسكة باستمرار النظام بمؤسساته الحالية"، كما يقول السراج، الذي أضافَ "أنّ روسيا تلعبُ على عامل الوقت، وعلى قدراتها، إما في إيجاد بديل عن الأسد ضامن لمصالحها، أو فرضه أمرا واقعا على القوى الدولية والسوريين".
وفي سياق ذي صلة بالموضوع، شخّصَ "السراج" واقع "المواقف السلبية لأصدقاء المعارضة السورية تجاه القوى الإسلامية، بما فيها المعتدلة"، مُستثنيا عددا محدود من الدول.
ورأى أنّ معظم دول أصدقاء سوريا لا ترى في القوى الإسلامية "شريكا، أو حليفا موثوقا"، وهذا يعكس، من وجهة نظر "السراج"، غياب المؤشرات على "جدّية المجتمع الدولي في إيجاد حل نهائي للأزمة السورية".
واشترط "السراج"، كمقدمة لحل سياسي ناجح "حدوث تغيير في الموازيين العسكرية على الأرض يفرضُ على الأطراف المتعنتة في مواقفها الرضوخ للقرارات الدولية المزمع اتخاذها".
بدوره، قالَ عضو إعلان دمشق المعارض، السوري "حافظ قرقوط"، إنّ وضع جميع الإسلاميين "تحت بند التطرف لا يعدو كونه محاولة لسلب مفهوم المواطنة منهم لصالح غير المتخفي بالعلمانية في وقت يمارسُ أشكال التعصب ضدّ الآخر".
وعبّرَ "قرقوط" عن يقينه من عدم خضوع "القوى الإسلامية بأجمعها للإملاءات الروسية"، مؤكدا على ثقته بأنّ القوى الإسلامية "لنْ تُعيقَ تشكيل دولة تضمن حقوق الجميع ويُقررُ فيها الشعب مَنْ يُمثّلهُ".
ورأى أنّ المحاولات الروسية لإقصاء الإسلاميين تشيرُ إلى "بداية غير موفقة للحل السياسي، وهي رسائلُ تؤكد على أنّ الشعب السوري كلّه مستهدف تحت عناوين خادعة"، بحسب تعبيره.
وعبّرَ عن استغرابه من "محاولات إدراج فصائل سورية تقاتل دفاعا عن النفس تحت لافتة الإرهاب، في الوقت الذي يتم التغاضي عن منظمات كـ"حزب الله" و"أبو الفضل العباس" وغيرها من المرتزقة، الذين يقتلون الشعب السوري على هويتهم الدينية في أرض ليست أرضهم"، بحسب تعبير عضو إعلان دمشق، السوري حافظ قرقوط.