كتب باراك أوباما: لقد كان من أهم أولوياتي كرئيس، تنمية
الاقتصاد والرفع من مستوى شريحة الطبقة الوسطى. وعندما عزمت على دخول البيت الأبيض، كانت أميركا تعاني من أسوأ حالة ركود منذ "الانهيار الاقتصادي الأعظم". لكن، وبفضل العمل المضني والاستجابة الواسعة للشعب الأميركي، تمكن قطاع العمل والتجارة من خلق 13.5 مليون منصب جديد خلال الأشهر الثمانية والستين الماضية، أو ما يمثل أطول دورة لزيادة مناصب العمل في القطاع الخاص عبر التاريخ. وانخفض معدل البطالة إلى النصف تقريبا. وتجاوزنا مرحلة الركود الاقتصادي على نحو أعمق وأكثر سرعة مما حدث في أية دولة متقدمة أخرى.
إنه بحق تطور عظيم. لكن بقي أمامنا الكثير مما يتحتم علينا فعله وإنجازه. وهذا بالضبط ما يدفعني للاقتناع بأن "شراكة الهادئ" على مثل هذه الدرجة من الأهمية التي نراها. وهي الصفقة التجارية التي يمكن أن تساعد الأسر العاملة على الارتقاء.
وبينما يعيش أكثر من 95% من زبائننا المهمين خارج حدود وطننا، تأتي هذه الاتفاقية لتفتتح أسواقا جديدة لبضائعنا وخدماتنا الموسومة بعبارة "صنع في أميركا". واليوم، أصبح قطاع الصادرات يستوعب 11.7 مليون منصب عمل في أميركا. ووجدت الشركات الأميركية التي تبيع السلع والخدمات في العالم نفسها وهي تنمو بسرعة أكبر، وباتت تمتلك القدرة على توظيف عدد أكبر من العمال والموظفين وأن تدفع لهم رواتب أعلى من تلك التي تروّج منتجاتها على المستوى الوطني. وفي المتوسط، أصبحت الشركات المعنيّة بترقية الصادرات الأميركية تدفع لموظفيها أجورا تزيد بنحو 18% على تلك التي تُعنى بصناعة السلع والخدمات غير المخصصة للتصدير. كما ستؤدي الاتفاقية إلى زيادة أعداد هؤلاء الموظفين الذين نتحدث عنهم. وسوف تضمن الاتفاقية إلغاء 18 ألف ضريبة متنوعة مفروضة على المنتجات التي تحمل عبارة "صنع في أميركا" في العديد من دول العالم. وعلى سبيل المثال، خلال العام الماضي، صدّرنا بما قيمته 89 مليار دولار من السيارات وملحقاتها إلى شركائنا التجاريين في دول الهادئ، وكان معظمها يصطدم بأعباء ضريبية مرتفعة تصل 70% من قيمتها السوقية أحيانا لمجرد كونها موسومة بعبارة "صنع في أميركا". وكان مزارعونا الذين يصدّرون نحو 20% من أصل القيمة الإجمالية لمداخيل المزارع، يعانون من هذا الارتفاع الكبير في الأعباء الضريبية المفروضة على صادراتهم. وبفضل "اتفاقية الشراكة التجارية عبر الهادئ"، سوف تنخفض هذه الضرائب بشكل كبير. وبعبارة أخرى فإننا كلما عززنا من دعمنا للصادرات الأميركية، زادت قدرتنا على رفع الرواتب في الولايات المتحدة.
وبينما كان عمالنا وموظفونا يمارسون عملهم في بيئة تفتقر للعدل والإنصاف، تأتي هذه الاتفاقية متضمِّنة مستوى من معايير وشروط العمالة العادلة أعلى من أية اتفاقية تجارية عبر التاريخ. وتضمنت من أحكام منع تشغيل الأطفال ما يضمن لنا إنجاز الأعمال خارج حدودنا وفقا للضوابط والأحكام القانونية ذاتها المعتمدة لدينا. وهذه الأحكام والنصوص تضمن أيضا حماية البيئة ومنع الاتجار غير القانوني بالحياة البرية، بما يحمي صحّة كوكبنا الذي نعتبره وطننا. وإلى ذلك فإن هذه الالتزامات قابلة للتطوير، أي أنه بوسعنا إجبار الدول الأخرى على الالتزام بها من خلال التلويح بمعاقبتها إن لم تفعل ذلك. ولهذا السبب يكون بوسعنا القول: إن العمال الأميركيين، عندما تتحقق لهم الفرصة العادلة للتنافس، سيفوزون في كل جولات التنافس وفي كل الأوقات.
لقد قلت مرارا: إن "الشراكة التجارية عبر الهادئ" تمثل المبادرة الصحيحة لترقية اقتصادنا، وهي تصبّ في مصلحة عمالنا وموظفينا، ولفائدة طبقتنا الوسطى. ولا أطلب منكم أخذ كلامي هذا على عواهنه، بل سارعت إلى نشر النص الكامل للاتفاقية على شبكة الإنترنت. وسبق أن قلت إنك عندما تصنع السيارات في مكان ما مثل ديترويت، فسترى بنفسك كيف يمكن لمنتجاتك أن تخترق الأسواق البعيدة عندما تراها وهي تجوب الطرق في أماكن مثل اليابان. ولو كنت فلاحا أو مزارعا، فسوف ترى إنتاجك وهو يواجه مستوى أقل من عوائق الاستيراد في الخارج، ولو كنت صاحب شركة صغيرة، فلابد أن تلاحظ كيف ستحقق لك هذه الاتفاقية عوائد أعلى بمجهود أقل.
وإلى جانب نص الاتفاقية، نشرنا عرضا مفصلا للمراجع والمصادر التي يمكنها أن تساعدك على تفسير أحكامها وبنودها، وهذا مستوى غير مسبوق من الشفافية، وهو الشيء الصحيح الذي يتحتم علينا فعله. ونعلم أنه قد لا تحظى هذه الاتفاقية بدعم الأميركيين جميعا، ولا بتأييد كل نواب الكونجرس، لكني أعتقد جازما أن الشعب الأميركي كله سوف يتأكد من أنها ستأتي لفائدة عمالنا وشركاتنا وعائلاتنا في الطبقة الوسطى، وأتوقع أن يصادق الكونجرس عليها بعد أن تتسنى للشعب الأميركي ونوابه فرصة مراجعتها والتركيز على بنودها خلال الأشهر المقبلة، وسوف تتسنى لي أيضا بعد ذلك فرصة المصادقة عليها وإجازتها حتى تصبح نافذة المفعول.
ويدا بيد، تمكنّا من تجاوز الكثير من الصعاب والعراقيل خلال السنوات السبع الماضية. ولقد بدأنا عهدنا في البيت الأبيض باقتصاد كان يعاني من حالة سقوط حرّ، لكننا أعدناه إلى سكة النمو المتواصل، وتمكنّا من زيادة فرص العمل. وبهذا أصبحنا في وضع يضمن تحقيق الطموح الأميركي ليس الآن فحسب، بل خلال العقود المقبلة أيضا. وهذا ما أجزم بأن الاتفاقية ستساعدنا على تحقيقه.
(خدمة واشنطن بوست وبلومبيرغ نيوز سيرفس- عن صحيفة الاتحاد الإماراتية- 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)