ماذا يجري في تونس، وبالضبط في حزب " نداء تونس"؟. هل تؤشِّر الصراعات الداخلية المتصاعدة بين قيادييه وأنصارهم على احتمال حصول انشقاق وشيك ؟ أم أن الأمر يتعلق بقضايا خلافية تحدث عادة في كل الأحزاب والتنظيمات السياسية؟ وإذا كانت فرضيةُ الانشقاق قابلة للتحقق في ضوء ازدياد ممارسات العنف بين مناضلي الحزب، وعجز مؤسساته التنظيمية عن إدارة الاختلاف وترشيدها بُغية تجنيب الحزب آفة الانشقاق، فما هي التداعيات الممكن حدوثها، ليس بالنسبة لأكبر كتلة نيابية في البرلمان التونسي فحسب، بل بالنسبة لمسار التحول الديمقراطي والعملية السياسية في تونس عموما؟
لاشك أن ثمة أزمة داخل حزب نداء تونس، تبدو للمتابِع وكأنها خلافات شخصية بين محورين في القيادة: محور الأمين العام " محسن مرزوق" وأنصاره، ومحور " حافظ قائد السبسي"، نجل الرئيس المنتخب، مدعوما بمدير ديوان مؤسسة الرئاسة ورئيس الحزب " محمد الناصر" . وقد أثبت اجتماع " الحمامات" لفاتح نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وموجة العنف التي طالت أشغاله، أن لكل محور حاضِنتُه البشرية، تحميه بكل الوسائل، وإن اقتضى الأمر استعمال القوة والعنف. ولا شك أيضا أن السياق الذي واكب تأسيس حزب " نداء تونس"، ونوعية الشرائح التي ولجت عضويته، لم تكن تحمل مقومات التوافق والتجانس والانسجام لخلق حزب يحظى بالولاء من الجميع، بل يمكن الجزم أن تأسيسَه جاء نتيجة عملية قيصرية، وأن متناقضات عديدة كانت في أصل إنشائه، وهي التي تفعل الآن في جوهر تطوراته، وفي مقدمتها احتمالات الانشقاق. فالحزب ضمَّ في صفوفه خليطا من المنتسبين: دستوريون شغلوا مواقع متنوعة في النظام السابق وحزبه المهيمِن، وغاضبون من كل ألوان الطيف السياسي، يجمعهم طموحُ البحث عن فرص جديدة للترقي، وأشخاص رأوا في الحزب الجديد إطارا سياسيا قادرا على تحقيق نوع من التوازن داخل المشهد السياسي والحزبي التونسي. فنحن إذن أمام حزب بتركيبة بشرية هجينة، وخطورة هذا الأمر طبعا تكمن في صعوبة ولادة ولاء مشترك، قوي وقابل للاستمرار والديمومة، لاسيما عندما يشتد تنازع المصالح، وتتقوى نزعات البحث عن المواقع داخل مؤسسات الحزب، وبعدها وسط مدارج السلطة.
ما العمل إذن لتجاوز أزمة الحزب، وتحويل إرادات قيادييه وأنصاره من حال التصادم إلى وضع التوافق، لإبعادِه عن شبح الانشقاق، وتجنيب البلاد خسائر ما قد يترتب عن انفراط عقد أكبر كتلة نيابية، أي حزب " نداء تونس"؟.
لا شك أن لرئيس الجمهورية دورا مركزيا ينبغي القيام به، لأسباب كثيرة ، أولها تمتعه بسلطة معنوية حيال الحزب ومناضليه. فهو مؤسِّسُه، وأول أمين عام له، ومعنيّ بما قد ينجم عن الانشقاق -إن حصل- على أوضاع البلاد، بما فيها مؤسسة الرئاسة. ثم إنه -شاء أم لم يُرد- على خط الصراع المحتدّ داخل الحزب، حيث يقود نجلُه " حافظ قائد السبسي"، أحدَ محوري التقاطب المتصادِم في تونس، علما أن رئيس الجمهورية ما انفك ينأى بنفسه الدخول في هذه التوترات، وينزع عنه باستمرار تهمة "التوريث". بيد أن دور الرئيس، على أهميته، لا يكفي، بل يحتاج إلى هبّة وعي في صفوف قيادات الحزب، تنبِّهُهُم إلى خطورة ما يجري، وتلزمهم بالاحتكام إلى لغة العقل، والاعتدال، وبُعد النظر في إدارة الاختلاف، والحرص على المصالح العليا للبلاد، والأكثر من كل ذلك الوفاء لتطلعات الناخبين الذين صوتوا لصالحهم، ومنحوهُم شرعيةَ تمثيلهم، والعمل على الارتقاء بهم والسير بهم نحو الأفضل.
أما غير هذا، سيُفضي انشقاق حزب " نداء تونس" دون شك إلى نتائج وخيمة على مسار التحول الديمقراطي في تونس، وقد يُدخل البلاد في مسار جديد، يصعُب توقع تفاصيله على وجه الدقة.
فإذا تحقق الانشقاق، واستقال فعلا مُوقِّعُو عريضة الانسحاب من كتلة الحزب في البرلمان وعددهم ثلاثون عضوا، فإن الحزب يفقد صفة الأغلبية، ويصبح في وضع أقلية، ومعناه يغدو عاجزا عن قيادة العمل الحكومي، وغير فاعِل في الحياة البرلمانية، وهذا سيؤثر بكل المقاييس سلبا في الحياة السياسية التونسية، و يَضُر بسيرورة التحول الديمقراطي، التي انطلقت بشكل تراكمي منذ أربع سنوات. ثم إن الأضرار لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستخلق ديناميات سلبية على الاقتصاد التونسي المترنّح، وتدفع بوتيرة التجارة والاستثمار الأجنبي إلى التراجع والانكماش، وهو ما لا تستطيع تونس، دولة ومجتمعا، تحمّله والصمود في وجه ضغوطاته وإكراهاته.
لابد من النظر إلى ما يحصل بداخل حزب "نداء تونس" في علاقته بمحيطه الحزبي، وعلى وجه الخصوص في صلته بالمكونات القريبة منه من حيث الوزن السياسي، أي حزب النهضة، وما يمكن أن يترتب عن أفق الانشقاق من تغييرات في الخريطة الحزبية التونسية. فالظاهر يؤكد أن النهضة لا تأمل حصول الانشقاق، وتعتبر نفسها حليفا لحزب " نداء تونس" ويخدمها استمراره موحدا، على الأقل هذا ما صدر عن أمينها العام الشيخ " راشد الغنوشي". غير أن للسياسة اعتباراتها، ومصالحها، والمسكوت عنه في معجمها أكثر من المصرح به؛ لذلك، كل ضعف أو ترهل أو تراجع في القوة يطال نداء تونس سيصب في ميزان أرصدة قوة النهضة، وللقارئ اللبيب أن يتوقع ما سينجم عن ذلك من مضاعفات.
لاشك أن ثمة أزمة داخل حزب نداء تونس، تبدو للمتابِع وكأنها خلافات شخصية بين محورين في القيادة: محور الأمين العام " محسن مرزوق" وأنصاره، ومحور " حافظ قائد السبسي"، نجل الرئيس المنتخب، مدعوما بمدير ديوان مؤسسة الرئاسة ورئيس الحزب " محمد الناصر" . وقد أثبت اجتماع " الحمامات" لفاتح نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وموجة العنف التي طالت أشغاله، أن لكل محور حاضِنتُه البشرية، تحميه بكل الوسائل، وإن اقتضى الأمر استعمال القوة والعنف. ولا شك أيضا أن السياق الذي واكب تأسيس حزب " نداء تونس"، ونوعية الشرائح التي ولجت عضويته، لم تكن تحمل مقومات التوافق والتجانس والانسجام لخلق حزب يحظى بالولاء من الجميع، بل يمكن الجزم أن تأسيسَه جاء نتيجة عملية قيصرية، وأن متناقضات عديدة كانت في أصل إنشائه، وهي التي تفعل الآن في جوهر تطوراته، وفي مقدمتها احتمالات الانشقاق. فالحزب ضمَّ في صفوفه خليطا من المنتسبين: دستوريون شغلوا مواقع متنوعة في النظام السابق وحزبه المهيمِن، وغاضبون من كل ألوان الطيف السياسي، يجمعهم طموحُ البحث عن فرص جديدة للترقي، وأشخاص رأوا في الحزب الجديد إطارا سياسيا قادرا على تحقيق نوع من التوازن داخل المشهد السياسي والحزبي التونسي. فنحن إذن أمام حزب بتركيبة بشرية هجينة، وخطورة هذا الأمر طبعا تكمن في صعوبة ولادة ولاء مشترك، قوي وقابل للاستمرار والديمومة، لاسيما عندما يشتد تنازع المصالح، وتتقوى نزعات البحث عن المواقع داخل مؤسسات الحزب، وبعدها وسط مدارج السلطة.
ما العمل إذن لتجاوز أزمة الحزب، وتحويل إرادات قيادييه وأنصاره من حال التصادم إلى وضع التوافق، لإبعادِه عن شبح الانشقاق، وتجنيب البلاد خسائر ما قد يترتب عن انفراط عقد أكبر كتلة نيابية، أي حزب " نداء تونس"؟.
لا شك أن لرئيس الجمهورية دورا مركزيا ينبغي القيام به، لأسباب كثيرة ، أولها تمتعه بسلطة معنوية حيال الحزب ومناضليه. فهو مؤسِّسُه، وأول أمين عام له، ومعنيّ بما قد ينجم عن الانشقاق -إن حصل- على أوضاع البلاد، بما فيها مؤسسة الرئاسة. ثم إنه -شاء أم لم يُرد- على خط الصراع المحتدّ داخل الحزب، حيث يقود نجلُه " حافظ قائد السبسي"، أحدَ محوري التقاطب المتصادِم في تونس، علما أن رئيس الجمهورية ما انفك ينأى بنفسه الدخول في هذه التوترات، وينزع عنه باستمرار تهمة "التوريث". بيد أن دور الرئيس، على أهميته، لا يكفي، بل يحتاج إلى هبّة وعي في صفوف قيادات الحزب، تنبِّهُهُم إلى خطورة ما يجري، وتلزمهم بالاحتكام إلى لغة العقل، والاعتدال، وبُعد النظر في إدارة الاختلاف، والحرص على المصالح العليا للبلاد، والأكثر من كل ذلك الوفاء لتطلعات الناخبين الذين صوتوا لصالحهم، ومنحوهُم شرعيةَ تمثيلهم، والعمل على الارتقاء بهم والسير بهم نحو الأفضل.
أما غير هذا، سيُفضي انشقاق حزب " نداء تونس" دون شك إلى نتائج وخيمة على مسار التحول الديمقراطي في تونس، وقد يُدخل البلاد في مسار جديد، يصعُب توقع تفاصيله على وجه الدقة.
فإذا تحقق الانشقاق، واستقال فعلا مُوقِّعُو عريضة الانسحاب من كتلة الحزب في البرلمان وعددهم ثلاثون عضوا، فإن الحزب يفقد صفة الأغلبية، ويصبح في وضع أقلية، ومعناه يغدو عاجزا عن قيادة العمل الحكومي، وغير فاعِل في الحياة البرلمانية، وهذا سيؤثر بكل المقاييس سلبا في الحياة السياسية التونسية، و يَضُر بسيرورة التحول الديمقراطي، التي انطلقت بشكل تراكمي منذ أربع سنوات. ثم إن الأضرار لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستخلق ديناميات سلبية على الاقتصاد التونسي المترنّح، وتدفع بوتيرة التجارة والاستثمار الأجنبي إلى التراجع والانكماش، وهو ما لا تستطيع تونس، دولة ومجتمعا، تحمّله والصمود في وجه ضغوطاته وإكراهاته.
لابد من النظر إلى ما يحصل بداخل حزب "نداء تونس" في علاقته بمحيطه الحزبي، وعلى وجه الخصوص في صلته بالمكونات القريبة منه من حيث الوزن السياسي، أي حزب النهضة، وما يمكن أن يترتب عن أفق الانشقاق من تغييرات في الخريطة الحزبية التونسية. فالظاهر يؤكد أن النهضة لا تأمل حصول الانشقاق، وتعتبر نفسها حليفا لحزب " نداء تونس" ويخدمها استمراره موحدا، على الأقل هذا ما صدر عن أمينها العام الشيخ " راشد الغنوشي". غير أن للسياسة اعتباراتها، ومصالحها، والمسكوت عنه في معجمها أكثر من المصرح به؛ لذلك، كل ضعف أو ترهل أو تراجع في القوة يطال نداء تونس سيصب في ميزان أرصدة قوة النهضة، وللقارئ اللبيب أن يتوقع ما سينجم عن ذلك من مضاعفات.
شارك
المزيد من هذا الكاتب
