أسبوعاً بعد أسبوع يتضح أن العدوان الروسي على سوريا لن يأتي بالنتائج التي يتوخاها الرئيس فلاديمير بوتين. فلا بشار بقواته المتهالكة قابل للإنقاذ ثم التعويم، ولا المدد الإيراني بالضباط ورجال الميليشيات الطائفية على غرار "حزب الله" قادر على تغيير المعادلة على الأرض في شكل دراماتيكي، والأهم انه بعد غارات كثيفة ومركزة للطيران الروسي على مواقع المعارضة السورية لم يحدث أي تغيير جوهري على الأرض، سوى تمكن تنظيم "داعش" من التقدم على جبهات الوسط بين حمص والقلمون.
وبالتالي فإن المسافة بين "البروباغاندا" الروسية التي زعمت أن الهدف من التدخل العسكري هو محاربة الإرهاب ولا سيما "داعش"، وبين الحقيقة على الأرض هي مسافة كبيرة جداً. فقد انكشف هدف موسكو منذ الأيام الأولى للعدوان، وما من جهة عربية أو دولية مقتنعة بأن بوتين تدخل في سوريا لمحاربة الإرهاب، بل إن المجتمع الدولي بما فيه الدول العربية المعنية مقتنع بأن روسيا تحاول أن تلعب في المساحة الفارغة التي تركتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، عبر إنقاذ بشار ومحاولة تعويمه في الميدان تمهيداً لتعويمه على طاولة المفاوضات للحل السياسي، ومن خلال ذلك ترسخ موسكو حضوراً في الشرق الأوسط، وتجبر الجميع على التعامل معها بوصفها شريكة الند للند لأميركا في المنطقة.
المشكلة أن حسابات بوتين بدأت بالتخلخل. أولاً بعدما تبين أن النظام والإيرانيين وميليشياتهم، ورغم الغارات الروسية، غير قادرين على تحقيق نصر حاسم في أي منطقة من المناطق التي تشهد مواجهات كبيرة. ثانياً إن موسكو حشرت نفسها في زاوية صعبة في الميدان، وجلبت لنفسها عداوة مع سنة العالم. أكثر من ذلك، وإذا صحت التقديرات الغربية، بأن سبب تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء قبل أيام عائد إلى انفجار عبوة ناسفة في الطائرة فإن فاتورة العدوان الروسي تكون ارتفعت في شكل كبير، وعلى بوتين تالياً أن يتوقع أعمالاً معادية في أكثر من مكان تطاول رعاياه ومصالح بلاده في أكثر من دولة.
خلاصة القول، أنه لا يمكن لروسيا أن تدعي لنفسها دوراً موازياً لأميركا أو بحجم دورها في المنطقة أو في أي بقعة من العالم. لقد ذهب الاتحاد السوفياتي إلى غير رجعة، وروسيا اليوم أضعف وأفقر من أن تطمح إلى دور متقدم في الشرق الأوسط، في ظل عزلتها، وقلة حماسة العرب للتعامل معها. ويذهب مسؤولون عرب في دولة معنية بالصراع في سوريا إلى القول أن موازين القوى التي تحاول موسكو أن تقلبها لمصلحة بشار الأسد والإيرانيين في سوريا، حدودها شحنة من مئة قاعدة إطلاق صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات مع عدد كاف من الصواريخ.
بالطبع لم تصل الأمور إلى هذا المستوى من الصراع. فالغرب الذي يطير بدوره في سماء العراق وسوريا لا يريد الدخول في مبارزة من هذا النوع مع روسيا. بعيداً من ذلك يبقى أن بوتين بدأ يسير على رمال سوريا المتحركة.
(النهار اللبنانية)