نشرت صحيفة
الغارديان تقريرا لجون روبرتس، قال فيه إن "
بريطانيا أغلقت أخيرا أحد آخر معاقلها في لبنان، وهي كلية
الجواسيس التي كان يلتقي فيها الدبلوماسيون والجواسيس ورجال الأعمال بعد أكثر من 80 عام على إنشائها".
ولكن يعرف الدبلوماسيون والطلاب والسكان المحليون بأن هذه نهاية الكلية والتي كانت الفكرة منها تدريس اللغة العربية والدراسات العربية في بيئة عربية.
وكان لكلية ميكاس، التي أطلق عليها السياسي اليساري اللبناني السابق كمال جنبلاط "مدرسة الجواسيس البريطانية"، تاريخ ملون. وتم نقلها مرة وإخلاؤها أربع مرات.
والرواية الرسمية هي أنه سيتم نقل مركز دراسات
الشرق الأوسط للدراسات العربية (ميكاس) إلى لندن هروبا من الاضطرابات في لبنان.
وانطلق خريجوها لتكوين سمعة لهم كل في مجاله ومنهم جورج بليك، الجاسوس، وروس ستينتون، مدير الشركة البريطانية للطيران والعديد من السفراء ومسؤولو وزارة الخارجية.
وفي عام 1950 اتخذت الكلية من قرية شملان الجبلية مقرا لها وكانت وظيفتها الرئيسية تدريب الدبلوماسيين البريطانيين للخدمة في العالم العربي من خلال مجموعة كورسات مركزة ولكنها خلال تلك العملية أوجدت مجموعة نخبة لدرجة أن قال أحد الدبلوماسيين البريطانيين إن "خدمات وزارة الخارجية يديرها خريجو شملان".
وقبلت كلية ميكاس ابتداء طلاب الجيش وبعض رجال الأعمال، ولكن مع توسعها أخذت طلابا من الكمونويلث القديم والجديد بالإضافة لأعداد لا بأس بها من الدبلوماسيين اليابانيين ورجال الأعمال الأمريكيين.
وأنشئت أصلا في عام 1945 في القدس عندما كانت فلسطين لا تزال تحت الحكم البريطاني ولكن مع الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وقيام إسرائيل تم نقل الكلية للأردن وبعد ذلك بعام إلى شملان.
وكان أول مدير لها هو برتان ثوماس والذي اشتهر عنه رحلاته الاستكشافية على الجمل في السعودية والتي تضمنت أول عبور معروف للربع الخالي (وبذلك أبطل مقترح لورنس أن يستخدم سلاح الجو البريطاني المنطاد لاجتياز الصحراء الجنوب شرقية العظيمة).
ومن المفارقات أن يعطي الجاسوس كيم فيلبي وهو ابن مستكشف مستعرب آخر وهو هاري سان جون فيلبي لكلية ميكاس سمعة مدرسة الجواسيس في أوائل الستينيات. ومع أن فيلبي كان صحفيا في بيروت وليس مرتبطا بالمدرسة نفسها إلا أنه اجتذب إلى مدار ميكاس هو وعدد من المغتربين (البريطانيين) الذين حضروا الحفلات والمحاضرات في الكلية.
وشك مكتب الاستخبارات العسكرية اللبناني بالكلية خلال دراسة جون بليك فيها حيث شعروا بأنه ليس دبلوماسيا بريطانيا عاديا يتعلم العربية.
وسمعة الكلية في هذا الإتجاه جعلت كمال جنبلاط ينادي بإغلاقها وهو طلب قاومته كل من الحكومتين اللبنانية والبريطانية بنجاح.
والآن يطالب سكان شملان الحكومة اللبنانية على إبقاء الكلية مفتوحة لأن إغلاقها سيعني خسارة لمؤجري السكن للطلاب وخسارة للضرائب التي كانت تدفعها الكلية.
وتم اتخاذ قرار الإغلاق تحت ضغط من وزارة الخارجية حيث اضطرت الكلية لتخفيض عدد الطلاب من 60 إلى 33 بسبب الأوضاع الأمنية وبعض طلاب الكورسات العليا والذين قضوا أكثر من 14 شهرا هنا وجدوا من الصعب العمل تحت الظروف الحالية في لبنان.
ويقول السفير البريطاني في بيروت، السير بيتر ويكفيلد: "هناك شعور بالإحباط لدى الطلاب الممنوعون من التحرك بحرية في البلد"، وإغلاق المدرسة سيكون المهمة الأخيرة للسفير في نهاية الثلاث سنوات من الخدمة في بيروت.
والسير بيتر من خريجي الكلية وتعرف على زوجته فيها في خمسينيات القرن الماضي ولا يزال له بيت في شملان.