ما يمكن قوله بارتياح، أن الثورة في يناير خرجت لأجل الأحوال المعيشية بشكل رئيسي، ولم تكن السياسة بمعناها الضيق -وما زالت- غير قادرة على إخراج المجتمع لإحداث تغيير، حتى ما حدث من سخط في يونيو 2013 تم تدعيمه بأزمات معيشية لضمان سخط أكبر قدر ممكن؛ لزيادة الحشود.
عقب التغيير القسري والإطاحة بأول رئيس مدني تم رفع سقف آمال التغيير والطفرة
الاقتصادية للمجتمع، وخرج النبيه الممسك بالحكم الآن ليخبرنا قبيل انتخابه أنه سيقوم بعمل آليات موازية للأسواق إن لم يتم الالتفات للفقراء، وبعد شهر من تنصيبه رفعَ الدعم عن البنزين ليُستأنف مسلسل الإفقار بشكل أكثر فجاجة من قبل.
عندما خرجت تسريبات السيسي أثناء قيادته للجيش كان منها قوله: "أنا معرفش حاجة اسمها ببلاش، ولازم يا مسريين تتعودوا وانتوا تبدؤوا يا جيش، تاخد خدمة تدفع ثمنها"، والواقع بعد ما يقرب من سنتين ونصف، أن الجزء الصادق في كلامه متعلق بالمصريين دون الجيش وأذرع السيسي، فكل من أُجبر على أداء الخدمة العسكرية يعلم جيدا أن الكهرباء والمياه والهواتف وتراخيص البناء وغير ذلك من الخدمات التي يستفيد منها الجيش لا يقوم بدفع ثمنها، بل تُقدّم مجانا، وأيضا دون رقيب أو ترشيد لحصرها في مهمات أداء الخدمة الوطنية، لنجد زيادة الامتيازات هناك ويئن كاهل الدولة بتلك المصاريف في المقابل، ثم بعد ذلك إذا نوقش أحدهم في ميزانية المؤسسة قال بصلف: المؤسسة تُنفق على نفسها.
ذلك الذي يدعو دائما محكوميه للتقشف ومراعاة الوضع العصيب للوطن، لم يتورع يوما عن الاستخدام غير الرشيد للمال في تحركاته واحتفالاته، وأذرعه التي كانت تصرخ لأجل التأمينات بعهد مرسي تتعامى عن بذخ السيد الحالي، بدءا من حفل تنصيبه مرورا بكل مناسبة يخرج فيها، انتهاء بحفل افتتاح التفريعة "متناقصة الإيرادات" الذي كلف عشرات الملايين، وعقب كل إخفاق وفشل نجده يدعو للتقشف ثم يقوم بزيادة مالية لأحد دعائم حكمه، أو يتعامى عن فرض قانون عليهم كالحد الأقصى للأجور.
في إحدى المكالمات قال "الاقتصادي البارع" في حواره مع مدير مكتبه أن إجمالي ما وصل للدولة يقارب 200 مليار جنيه، وذلك في أقل من سنة تقريبا، وهو رقم كان يكفي لدفع الاقتصاد بدرجة كبيرة جدا، لكن يبدو أن المبالغ لم توجه لدفع الاقتصاد
المصري بل لبعض المصريين، كما بالحسابات الخارجية التي تحدث عنها النبيه.
بخلاف ما دخل من مليارات أخرى كمليارات حفر التفريعة وما قيل عن مليارات المؤتمر الاقتصادي، ومليارات العوائد من القناة عقب شق "القناة الجديدة"، ومليارات أخرى من حقل الغاز، والآن يحدثوننا عن مليارات جديدة في مؤتمر محافظة مرسى مطروح "12 مليار دولار"، فإن هناك ما يتم إنتاجه محليا ويصب في خزانة الدولة، وكذلك الضرائب والجمارك وغير ذلك من المصادر المختلفة، وهي على ضعفها تعد إسهامات أخرى في خزينة الدولة، وكذلك رفع الدعم عن الوقود مع انخفاض سعره عالميا بشكل غير مسبوق مما يشكّل خفضا آخر غير مقصود للدعم، ورغم كل تلك التدفقات "الحقيقية والمزعومة" فحالة الاقتصاد المصري أصبحت أكثر قتامة.
• وصل الدولار إلى 7.93 جنيها عقب عدة عمليات لخفض قيمة
الجنيه، مع توقعات ببلوغه 8 جنيهات "رسميا"، وساهمت تصريحات وزير الاستثمار أشرف سلمان بضرورة خفض قيمة الجنيه في انحدار قيمته، فحدث طلب "مصطنع" على الدولار واكتناز له لأجل الاستفادة من الأسعار الجديدة، كما ساهم مشروع شق التفريعة "وفقا لمحافظ البنك المركزي المُقال" في استنزاف العملة الأجنبية نظير دفع مستحقات الشركات الأجنبية المشاركة في الحفر.
• ارتفعت الديون الخارجية لأعلى مستوى لها منذ 24 عاما وبلغت بنهاية يونيو الماضي أكثر من 48 مليار دولار.
• انخفض احتياطي النقد الأجنبي للمرة الثالثة على التوالي في الأشهر الأخيرة لتغطي ما يوازي 2.7 شهر من الواردات خلال 2015 /2016 في حين أن الحد الآمن الذي حدده صندوق النقد الدولي 3 أشهر، ويشير الانخفاض إلى استمرار اعتماد النظام على الدعم الخارجي.
• تراجعت إيرادات القناة بمقدار عشرات الملايين من "الدولارات" عقب افتتاح "القناة الجديدة" مقارنة بنفس الفترات في العام السابق.
• توجهت مصر بطلب قرض قيمته 3 مليارات دولار من البنك الدولي على مدار 3 سنوات بخلاف تصريحات رئيس الوزراء، بسعي مصر لجمع 4 مليارات دولار قبل نهاية العام: 1.5 مليار دولار من قرض البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، وطرح أراض للمصريين بالخارج بقيمة 2.5 مليار دولار.
• قرابة 50% من مصانع الغزل والنسيج توقفت نهائيا عن العمل، وتشرّد 150 ألف عامل نتيجة لذلك، وفقا لرئيس النقابة العامة للغزل والنسيج في تصريحات لليوم السابع بتاريخ 14/10/2015.
• تقف العديد من المنتجات والسلع بالموانئ، ولا يمكن دخولها البلاد نظرا لعدم توافر العملة الأجنبية، مما يفاقم الأزمة بنقص المعروض من السلع ويرفع الأسعار التي بلغت نسبة زيادتها منذ توليه الحكم 23% خاصة في السلع الغذائية الاستراتيجية، وفقا لتقرير بموقع "swissinfo".
في ظل تلك الحالة شديدة التردي للاقتصاد، يفسر القائمون على الحكم بأن سبب الأزمة الخانقة للدولار جماعة الإخوان، خاصة حسن مالك، الأمر الأمر الذي يطرح التساؤل عن مدى قوة الإخوان، وجدارتهم بالعودة للحكم، وربما فاجأنا قيام إحدى شركات الصرافة المملوكة لأحد المقبوض عليهم مع "مالك" بمساهمتها بنصف مليون جنيه في حفل افتتاح تفريعة القناة.
إن ما ينبغي الالتفات إليه أن الخروج بيناير كان اقتصاديا بشكل رئيسي، وأي تغافل عن تلك الحقيقة عبث، كما أن التمسح بباقي شعارات الثورة كعوامل رئيسية عبث كذلك؛ فالكل على هامش الاقتصاد يقف، وما ينبغي الالتفات إليه كذلك ما أشارت إليه "الإيكونوميست" كبرى المجلات الاقتصادية بالعالم بأن "الحقيقة بسيطة وأُثبتت مرات عديدة، وهي أن الجنرالات غير جيدين في إدارة الحكومات، وإلى الآن السيسي ليس استثناء".