صحافة دولية

إيان بلاك: هل الازدحام هو سبب كارثة منى؟

الغارديان: مقتل 717 حاجا في الحج، يطرح أسئلة مثيرة للقلق - تويتر
علق إيان بلاك؛ محرر شوؤن الشرق الأوسط في صحيفة "الغارديان" البريطانية، على كارثة الحج، التي مات فيها أكثر من 700 حاج؛ نتيجة التدافع في أثناء رمي الجمرات، قائلا إن "مقتل 717 حاجا في الحج، يطرح أسئلة مثيرة للقلق، ولكنها عادية، حول قدرة المملكة على التنظيم وتوفير الأمن في أثناء الحج، الذي يعد مناسبة مهمة في التقويم الإسلامي السنوي".
 
ويضيف بلاك أن الحادث تعاظم أثره؛ لأنه جاء بعد انهيار الرافعة في الكعبة بداية الشهر. وقال: "بعدد يقدر بحوالي مليوني نسمة شاركوا في المناسبة السنوية (العدد يقترب من 4 ملايين- "عربي21")، فإنه لم يكن من المفاجئ أن يحدد الازدحام بوصفه عاملا رئيسيا تسبب بالموت".

ويواصل الكاتب قائلا إن "الأعداد الكبيرة والبناء المستمر في أقدم بقعة في الإسلام وخطط الطوارئ والتواصل غير المناسبة، هي عوامل ساهمت في الحادث، ويقول نقاد السعودية إن غياب الوعي المدني ومحاسبة المسؤولين ساهم أيضا في الكارثة".

وتنقل الصحيفة عن الباحث في العلوم الدينية إيان ريدر، قوله إن الحج هو "حالة مثيرة للدهشة عن ممارسة دينية قديمة، جرت عليها تحولات بفعل الحداثة". مشيرا إلى أنه في الأزمنة القديمة مات الكثير من المسلمين وهم في طريقهم لتأدية الركن الخامس في الإسلام، من المرض وسطو  العصابات عليهم والتعب، وهم يجتازون حدود الجزيرة. ولكنهم واجهوا خطر الموت في السنوات الأخيرة في أثناء تأديتهم الفريضة.

ويشير التقرير إلى زيادة عدد الذين صاروا يؤدون الحج بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، وزيادة أسعار النفط في ذلك العام. ويقول المسؤولون السعوديون إن العدد قد ارتفع من  58584 عام 1920 إلى 1.7 مليون عام 2012.

ويبين بلاك أن تذاكر السفر رخيصة الثمن على الطائرات هي العامل المهم في هذه الزيادة. حيث يستطيع الحجاج أن يسافروا مباشرة الآن إلى ميناء الحج الدولي في مطار جدة. وتواجه الحجاج مخاطر جديدة بدلا من مخاطر الرحلة القديمة، مثل الهجمات الإرهابية (لم تحدث هجمات إرهابية في الحج- "عربي21")، والازدحام في أنفاق الحج والممرات، وارتفاع درجات الحرارة، وانتشار الأمراض.

وتستدرك الصحيفة بأنه رغم ذلك، فإن الأعداد الكبيرة لا تفسر استمرار وقوع الحوادث في الحج. فقد تراجعت الأرقام هذا العام من سنة الذروة في عام 2013، حيث أدى مناسك الحج 3.1 مليون حاج، وتم اعتماد الكوتا لكل دولة في ذلك العام. ففي بعض المناطق مثل إندونيسيا يحتاج الحاج لانتظار 17 عاما حتى يأتي دوره، بحسب موقع متخصص.

ويجد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أنه لهذا السبب، فقد قامت الحكومة السعودية بسلسلة مشاريع بناء وشبكات من المواصلات السريعة؛ للتأكد من تسهيل حركة الحجاج في أثناء تأدية المناسك. ويقول ريدر: "لقد أسهمت عمليات التطوير بمساعدة السلطات لزيادة أعداد الحجاج، وتعزيز مساهمتهم في الاقتصاد السعودي".

ويلفت الكاتب إلى أن هناك من ينتقد المسؤولين السعوديين بعدم تحضير ما يكفي من فريق مدرب لمواجهة الأزمات. ويقول محام سعودي: "ليس الإهمال هو السبب، لكن إجراءات الطوارئ ليست مناسبة لمواجهة حادث على هذا المستوى، هم يحاولون جهدهم، لكنهم ليسوا مهنيين في أداء مهمتهم".

وتذكر الصحيفة أن السعوديين يشكون من عدم توفر الخدمات الأساسية. وكتب الصحفي السعودي خالد المعينا: "على الوزراء ومن هم تحت مسؤوليتهم تعزيز ثقافة جديدة في الحكومة، قائمة على تحسين الخدمات للسكان"، ودعا المعينا إلى تعزيز ثقافة المحاسبة في عهد الملك سلمان.

وينوه التقرير إلى أن النقد من غير السعوديين كان قاسيا، فقد كتب المعلق الكندي المسلم ظفر بانغاس: "التحدي الطبيعي للحج هو مشكلات إضافية مصنوعة، من عجز سعودي معروف مترافق مع غرورهم، ويمكن التسامح مع هذا كله، لو لم نتحدث عن الأسعار الباهظة التي يطلبونها من الحجاج الراغبين بتأدية واجباتهم الدينية". ويقول حجاج إن التجربة تفتقر للجانب الروحي، ويقول سعودي: "ليست هذه هي المرة الأولى التي أذهب فيها للحج، ولكنها ستكون الأخيرة"، حيث كتب ذلك بعد مشاهدته الكارثة.

ويورد بلاك أن مسلما بريطانيا قال: "كنت في مكة قبل عدة أسابيع وقد تحول المكان كله إلى موقع بناء، ولم تكن في الحقيقة تجربة روحية، فقد كانت رحلة صعبة ونصحت زملائي بعدم الذهاب". وتقول  سيدة سعودية إن "ضيوف الرحمن" من المفترض أنهم سواسية "كلنا حفاة، ونلبس ملابس الإحرام، ولكن هناك من يدفع ألف ريال في الفنادق باهظة الثمن، فيما يقيم آخرون في الخيام".

وتنقل الصحيفة عن الباحثة السعودية في مدرسة لندن للاقتصاد – جامعة لندن مضاوي الرشيد، قولها إن المأساة تشير إلى عدم قدرة السعوديين على التعامل مع أعداد كبيرة، وتعد ضربة لقيادة السعودية، وتضعف مزاعمها في خدمة الأماكن المقدسة.

ويفيد التقرير بأن السفير البريطاني لدى السعودية في الفترة ما بين 2007- 2010  ويليام باتي، ألقى اللوم على أعداد الحجاج في حدوث الكارثة لا على الحكومة، وقال:"لا يتعلق الأمر بنقص المال، فقد أنفقوا مليارات الدولارات على الحج".

وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول باتي: "صحيح أن السعودية ليست المكان الأفضل في التنسيق، لكنهم يركزون على هذا، ولا يقولون (هذا قدر)، وهم ليسوا كسالى، فهم يتصدون للمشكلات، ولم تتكرر الكارثة ذاتها مرتين، وهي مشكلة لوجيستية ضخمة، ومناسبة لا مثيل لها في العالم".