كتاب عربي 21

مصر بين مشروعين: مشروع قناة السويس أنموذجا

1300x600
أسوأ ما فعله نظام الانقلاب هو حالة الانشقاق المجتمعي التي زكاها إما باستخدام الآلة الإعلامية التي أرادت شيطنة وتشويه خصوم نظام الانقلاب السياسيين، وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين، وإما باستخدامه آلة القمع والبطش. ولعل هذا الملف هو أصعب الملفات التي تقتضي المعالجة بعد سقوط الانقلاب الذي سيسقط يقينا بعون الله. وظهرت حالة الانشقاق هذه في موضوعات وقضايا مختلفة؛ منها مشروع تنمية محور قناة السويس، أو ما أطلقت عليه سلطة الانقلاب مشروع قناة السويس الجديدة.

لو أن نظام الانقلاب أراد أن يتصرف بما لديه من مال أو بقرابة الخمسين مليار دولار من المنح والهبات من الدول الداعمة لما كان هناك مشكلة بقدر ما هي عليه الآن، إذ اختار رأس الانقلاب أن يستنزف 64 مليار جنيه (8 مليارات دولار) من أموال المكتتبين في شهادات استثمار القناة، وعليه أن يسدد لهم أصل المبلغ بعد خمس سنوات، وخلال هذه السنوات الخمس سيصل إجمالي الفوائد على هذه الأموال 38 مليار ونصف المليار جنيه (حوالي 5 مليارات دولار). إذن إجمالي ما يجب على الدولة إعادته للمكتتبين هو 102 مليار جنيه (13 مليار دولار) وإذا فشلت القناة أو التفريعة الجديدة (سمها كما أردت) في أن تدر هذه الأرباح التي دفعتها هيئة قناة السويس من أصل الخمس مليارات دولار العائد السنوي للقناة. 

وعلى سبيل المثال إذا صدقت أرقام البيان المالي لعام 2015-2016 الذي قدر زيادة دخل القناة بنصف مليار جنيه (حوالي 70 مليون دولار) فهذا معناه أن كل عام من الآن فصاعدا ستدفع هيئة قناة السويس أكثر من 7 مليارات جنيه من عائدها فقط لدفع الفائدة السنوية للمودعين، وبذلك يقل عائد القناة من 5 مليارات دولار إلى 4.2 مليار دولار فقط. وبعد خمس سنوات -ومع أخذ المودعين أصل أموالهم- ستقترض قناة السويس 8 مليارات دولار من خزينة الدولة (والتي عليها ديون محلية بما يزيد عن 2 تريليون جنيه، ونحو 50 مليار دولار دين خارجي) لسداد أصل مبالغ المودعين، بمعنى أن القناة أو التفريعة الجديدة طبقا لأرقام موازنة هذا العام، وإن استمرت بدون زيادة (والزيادة لابد أن يكون مرجعها التفريعة الجديدة في هذه الحالة، وليس زيادة طبيعية في حجم التجارة) تكون قد كلفت الدولة 13 مليار دولار، وبهذا سيتحقق استرداد رأس المال للدولة بعد 128 عام إذا كان تأثير القناة أو التفريعة الجديدة زيادة نصف مليار جنيه سنويا فقط (70 مليون دولار) طبقا لتقديرات البيان المالي لعام 2015/2016. 

ولهذا فالأمر يعني كل مصري.. المؤيد لنظام الانقلاب والمعارض له.. لأن من سيدفع هذه الأموال في آخر الأمر هو المواطن، أما بضرائب إضافية أو خصما من دعم كان يحصل عليه، وبما أنه لم (وأغلب الظن لن) تخرج دراسة جدوى محترمة تحدث الجميع لماذا أقبل نظام الانقلاب على هذا المشروع، كان لزاما على الجميع حتى من سيفرح لهذا الإنجاز إن -اعتبره إنجازا - أو من سيحزن على ما آل إليه عقول البعض من تصديق وهم وكذب، كان لزاما على الجميع أن يترقب يوما بعد يوم فور الافتتاح لهذه القناة أو التفريعة الأرقام الحقيقية، التي وإن كنت على يقين أنها لن تأتي بعيدا عن وصفها بمشروع أساء استخدام أموال الشعب في مشروع سياسي وإعلامي غير اقتصادي، إلا أن الطرف المعارض المقاوم لسلطة الانقلاب غاية أمله أيضا أن يرى خيرا لبلده، وهو يقاوم إذ يقاوم الاحتلال العسكري لئلا نرى مزيدا من الخداع والقمع لعقود أخرى، وعلى كل حال سنرى يوميا إذا كانت القناة الجديدة فتحت الخير لمصر أم أنها تفريعة أغرقت فيها 13 مليار دولار من أموال الشعب.

وإذا كان حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين تبنوا اسما مشابها لمشروع مختلف، وهو مشروع (تنمية محور قناة السويس) فهو لايماثل ما هو معروض من نظام الانقلاب إلا في جزء من اسمه، ومن باب تبيان ما كان مخططا لمشروع حقيقي أريد به لمصر أول ما أريد أن تحقق حالة التحرر وامتلاك الإرادة الحقيقية، كان لابد أن نتناول بعضا من ملامح المشروع القديم الذي أنا على يقين أن المصريين سينجزونه بعد سقوط هذا الانقلاب، حتى وإن أغضب أصحاب مشاريع مشابهة يرون فيه تهديدا لهم إما اقتصاديا أو سياسيا أو أمنيا، خاصة وأن الخلط المتعمد باختيار اسم مشابه ربما أراد أن يخفي الملامح الحقيقية لمشروع كاد أن يحقق لمصر استقلالها، وينقذها من التبعية لعقود والارتهان للغير. 

أراد المشروع الأصلي أن يكون لمحور قناة السويس الريادة العالمية في صناعة النقل البحري واللوجيستيات، وأن تكون مركزا صناعيا وتجاريا وسياحيا عالميا. فالعائد الحالي للقناة من الحاوية الواحدة يبلغ من 75 إلى210 دولار فقط. وإذا زاد هذا النشاط ليشمل تفريغ الحاويات والبترول والسيارات، وباقى المنتجات في الموانئ المحورية المصرية مثل بورسعيد، وتخزن ثم يتم توزيعها كما هي، ولكن لاماكن متعددة فنكون بذلك قد أنشأنا مركز توزيع عالمي، ويكون العائد من 200 إلى 300 دولار للحاوية المكافئة الواحدة. وإذا أضفنا عليه تنفيذ بعض أنشطة اللوجستيات كقيمة مضافة؛ مثل التجميع والتعبئه والتغليف والاختبار فنؤسس مراكز لوجستية عالمية يكون العائد منها بين 1000 و2000 دولار للحاوية المكافئة الواحدة. وإذا تم تفريغ هذه البضاعة في الموانئ المحورية المصرية بكل أنواعها، وتم نقلها إلى المناطق اللوجستية والصناعية لتصنيعها في الظهير الصناعي للميناء، وإعادة تصديرها فنكون بذلك أنشأنا مركزا لوجيستيا وصناعيا عالميا، ويكون العائد من 2000 إلى 3000 دولار للحاوية المكافئة الواحدة، وهذا هو هدف المشروع وجوهر فكرته، ولم تتضمن إنشاء تفريعة جديدة لأن القناة الآن لا يتعدى استخدامها 50% من طاقتها فقط (متوسط 48 سفينة يوميا). 

لعل أهم أهداف مشروع (تنمية محور قناة السويس) ليس الدخل المالي الكبير، ولكن التعمير الحقيقي لسيناء وتشغيل ما يقارب من مليوني مواطن مصري بشكل مباشر وغير مباشر، وللأسف لا تتضمن التفريعة الحالية التي أنفق عليها 8 مليارات دولار أي زيادة في التوظيف لأنها لم تعمل أي عمل لخلق قيمة مضافة حقيقية. 

ويتضمن مشروع تنمية محور قناة السويس الأصلي عدة مراحل:  

* ميناء شرق بورسعيد والمنطقه الصناعية خلفه، وميناء غرب بورسعيد، وميناء العين السخنه والمنطقه الصناعية بشمال غرب خليج السويس وميناء الأدبيه وميناء السويس والأدبيه والزيتيات، ومنطقة رأس الأدبية بالسويس و وادي التكنولوجيا والقنطرة شرق وضاحية الأمل بالإسماعيلية. 

* تركز شرق بورسعيد على أسواق أوروبا والبحر الأسود والساحل الشرقي الأمريكي. 

* يركز شمال غرب خليج السويس والعين السخنه والادبيه على اسواق افريقيا ودول المشرق العربى وحتى جنوب شرق آسيا ويعتبر السوق الاول لكل قطب هو السوق الثانوى للقطب الآخر. 

*تعتمد الصناعات في شرق بورسعيد على صناعة الأغذية والمنسوجات والمنتجات الكيماوية والبلاستيك والأدوية والزجاج والاسمنت والرخام والمنتجات المعدنية والالكترونيات والسيارات. 

* يتركز في وادي التكنولوجيا صناعة الطاقة المتجددة والصناعات الطبية والبرمجيات والتصميم والاليكترونيات والميكروإلكترونيات والاتصالات والتكنولوجية الحيوية والآلات الدقيقة والتحكم والميكنة وتكنولوجيا الفضاء وصناعات حماية البيئة بالاضافه الى الصناعات التكاملية. 

* تركز منطقة شمال غرب خليج السويس على الصناعات الهندسية مثل المعدات وآلات صيد وبناء سفن صغيرة ولنشات وآلات ومعدات وهياكل ومستلزمات انتاج سيارات وجرارات وأجهزة كهربائية معمرة وآلات صناعية والصناعات الكيماوية والبتروكيماوية مثل الأسمدة ومستلزمات وألياف سجاد وغزل ونسيج ومشتقات البترول ووقود طائرات وسفن ومركبات واطارات مركبات ومواد لاصقة كذلك صناعة التشييد والبناء وتجهيز الخامات المعدنية مثل السيراميك وأدوات صحية وتقطيع وصقل وتجهيز الرخام والأسمنت و تجهيز ومعالجة وفصل خامات تعدينية وخزف صيني والزجاج والبللور والحوائط سابقة التجهيز بالاضافه الى الصناعات المعدنية مثل منتجات الحديد والصلب والألومنيوم والخلايا الشمسية ومستلزمات انتاج الأجهزة الالكترونية. 

* الخدمات البحريه و اللوجستية والموانئ المحورية التي سيقدمها ميناءا شرق بورسعيد والعين السخنة. 

* صيانة واصلاح وبناء السفن في منطقة رأس الادبيه. 

* بورصة عالمية للحبوب في شرق بورسعيد. 

* أربعة مدن سكنية في شرق بورسعيد ووادي التكنولوجيا والقنطره شرق وشمال غرب خليج السويس. 
 
ولابد أن نشير الى أولويات مشروع تنمية محور قناة السويس.

* المراكز التنمويه الرئيسيه التي تتوفر بها اساسيات البنيه التحتية والمشروعات مما يؤهلها للبدء السريع في المشروع وجذب الاستثمارات، حيث أن هذه المراكز التنمويه بها اساسيات البنيه التحتيه المطلوب استكمالها ولها مخططات تنمويه تفصيليه تم اعدادها والبدء في تنفيذها بالفعل. 

* ميناء شرق بورسعيد. 

* ميناء العين السخنة. 

* ميناء الادبية. 

* ميناء غرب بورسعيد. 

* المنطقه الاولى من القنطره شرق. 

* ستة كم2 من منطقة شمال غرب خليج السويس. 

ومما سبق يتضح الفرق بين مشروع كان من الممكن أن ينعش الاقتصاد، وبين المشروع الحالي الذي أهدر للأسف بكل ما تعني الكلمة ما يقارب 8 مليارات دولار غير فائدة المودعين بعدما أهدر ما قيمته 50 مليار دولار اجمالي المنح والهبات التي قدمها رعاة الانقلاب للسيسي. 

وللأسف ألغت سلطة الانقلاب الخطوات التي تمت في تطبيق المشروع الأصلي ومنها الغاء عملية طرح محطة الحاويات الثانية في ميناء شرق بورسعيد والمناطق الثلاث اللوجيستية في ميناء شرق بورسعيد والطرح الذي تم لمحطة حبوب لميناء شرق بورسعيد.
 
وأخيرا اذا كنا نتحدث أن المشروع الأصلي كان سيدر ما يقارب 100 مليار دولار فكان توزيعها كالآتي:


هذا هو الفارق بين مشروع جاء من نظام ديموقراطي منتخب من الشعب همه رفعة شعبه ورخاء وطنه ومشروع لَقيط لنظام  ديكتاتوري فاشي قمعي همه شخص الحاكم وإرضاء جنونه وإشباع نزواته لا يزيد شعبه الا فقرا وبؤسا ومهانة. ولكن التاريخ يعلمنا ان هكذا أنظمة ما عادت قابلة للحياة سواء ظهرت بلباس العسكر او حاولت التخفي بلباس مدني،أيامهم معدودة ونهايتهم قريبة مهما تفرعنوا وبطشوا وتجبروا.

=============================== 
* يحيى حامد - وزير الاستثمار المصري في حكومة د.هشام قنديل.