كتب عبد القادر سلفي: انتهى اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، برئاسة أردوغان، حيث إن ثقل الاجتماع كان متركزا على المجريات الأخيرة على حدودها مع سوريا، وإنشاء المنطقة الآمنة في الداخل السوري. ومن خلال الاتصالات الدبلوماسية التي أجراها وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، فقد قدم لمجلس الأمن القومي آخر المستجدات السياسية.
رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، الذي يتابع الملف السوري قدّم عرضا موسّعا عن التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا. ومن المعلومات التي قدمها، مواقع المنظمات الإرهابية، والتهديدات المتوقعة وحركة النزوح المحتملة. كان واضحا أنه يعلم تضاريس الأرض السورية ككف راحته.
أما بالنسبة للجيش، فقد تم تأجيل فقرة أخذ قرار إنشاء المنطقة الآمنة بعد قمتين لمجلس الأمن القومي. وفي الحقيقة، إن التهديدات التي تمس الأمن القومي التركي، تجبرها على إقامة المنطقة الآمنة، وتقترب نحو إنشائها خطوة كل يوم.
قدّمت تركيا فكرة إنشاء منطقة عازلة في سوريا، وتباحثت في ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية، عندما بدأت حالات النزوح الجماعية، وتجاوزت مئات الآلاف وبدء التحالف الدولي بضرب مواقع تنظيم داعش. والمنطقة العازلة هذه كانت ستتم حمايتها عن طريق حظر الطيران فوقها.
والمنطقة العازلة تم تطبيقها في العراق بعد حرب الخليج الأولى. بعد تلك المنطقة العازلة لم تتشكّل أي موجة نزوح إلى تركيا إلا عندما ضرب صدام حسين حلبجة بالمواد الكيميائية. واليوم لا ندري لماذا لا تريد أمريكا إنشاء المنطقة العازلة في سوريا. بل بالعكس، ساهمت في نقل براثين الحرب إلى دول الجوار لسوريا وخاصة تركيا. وبعد فشل تركيا في إقناع حلفائها بتشكيل المنطقة العازلة في سوريا، فقد قرّرت أن تشكّل منطقة آمنة وحدها.
أعطى البرلمان التركي تفويضا للحكومة بالتدخّل العسكري في سوريا سابقا، إن اضطر إلى ذلك. لكن الجيش طلب توجيهات جديدة من الحكومة اليوم، وتجديد توجيهات الحكومة، بسبب دخول أنشطة تنظيم داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي على الميدان السوري. وعلى الفور، أصدر رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، أمرا خطّيا وجّهه إلى الجيش التركي بضرورة تحرك الجيش لإنشاء المنطقة الآمنة في سوريا. وبعد أوامر الحكومة، فقد بدأت رئاسة الأركان التركية بإعادة الخطط المطروحة لإنشاء المنطقة الآمنة.
وفي الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي، قدّمت رئاسة الأركان عرضا مفصّلا عن خطتها في إنشاء تلك المنطقة.
ونحن بانتظار دخول القوات التركية إلى سوريا، فقد خرج مجلس الأمن القومي التركي بتصريحات، طغت عليها لغة السكينة والهدوء. هذه الحركة الحكيمة من تركيا كانت بغاية العقلانية، فتركيا بلد كبير، وليست دولة على الهامش. ولا تتحرك بشكل عشوائي وفجائي. خاصة ونحن ندخل مرحلة نحتاج فيها إلى برود الأعصاب. وبرود الأعصاب التركية، كان نتيجة المتغيرات الداخلية السورية، حيث إن نظام الأسد أوقف غاراته على إدلب، ووجّه غاراته إلى اللاذقية، واللاذقية هي آخر ملجأ يلجأ إليه. كما أن الحزم التركي بالدخول في سوريا كان له تأثير مباشر على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
حدّد الجيش التركي مسافة توغّل دخول الجيش إلى داخل الأراضي السورية، في العرض الذي قدّمه لمجلس الأمن القومي. وخلال عرض الجيش، فإنه شرح لمجلس الأمن القومي، إمكانية توغل الجيش مسافة خمسة كيلومترات في الداخل السوري، وحدد أعداد المدرعات التي يحتاجها. وأضاف السيناريو نفسه وحدد عدد الجند والمدرعات في حال وجود نية في دخول الجيش بعمق 15 كيلومترا. وكل هذا جرى فوق خريطة تبرز تضاريس مناطق العملية للجيش التركي.
وحدات الجيش التركي التي ستتواجد ضمن المنطقة الآمنة، ستكون بموضع المراقب، وقوة نارية في الوقت نفسه. وفي حال تشكّل أي خطر على الجيش التركي في المنطقة الآمنة، فإن القوات الجوية التركية ستحمي تلك الوحدات على الأرض، بالإضافة إلى تدخل المدرعات التركية من البر.
المنطقة الآمنة ستتشكّل في منطقة جرابلس بطول 110 كيلو مترات، بين عين العرب (كوباني) وعفرين، حيث إن تلك المنطقة بيد تنظيم داعش. ويخطط الجيش التركي بالتوغل بعمق 15 كيلومترا حاليا فقط من أصل 33 كيلومترا.
في اجتماع مجلس الأمن القومي، أشار المجلس إلى "الخطوط الحمراء" التي لا يمكن لتركيا أن تتنازل عنها. واليوم هناك خطان أحمران بالنسبة لتركيا:
أولا: امتداد حزب الاتحاد الديمقراطي من عين العرب نحو جرابلس وعبوره إلى غرب نهر الفرات. في هذه الحال فإنه سيكون قد استولى على جرابلس ليبسط يده على المسافة الواقعة بين عين العرب وعفرين، وهذا يتيح له التمدد أكثر إلى أن يصل إلى ميناء اللاذقية في البحر الأبيض المتوسط.
ثانيا: قيام تنظيم داعش بمجازر كبيرة، ما يشكّل موجة نزوح أكبر إلى تركيا.
وقمت بإضافة خط أحمر ثالث من خلال ملاحظاتي الشخصية، وهي أنه في حال سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على جرابلس، فإن خط التجارة التركية سيتوقف داخل سوريا، ومنها سيتوقف خط التجارة التركية في الشرق الأوسط. ورغم الحرب المستمرة في سوريا، فإن تركيا تمتلك بوابتين حدوديتين فعالتين إلى اليوم.
تسعى تركيا إلى عدم سقوط المنطقة الواقعة بين عين العرب وعفرين بيد حزب الاتحاد الديمقراطي، لأن نظام الأسد وتنظيم داعش ومعهما حزب الاتحاد الديمقراطي، يقومون بتحركات خطيرة، لا سيما بعد اكتشاف الاستخبارات التركية اللقاء السري الذي جمع بين قادة النظام السوري وتنظيم داعش في الحسكة.
انتهى اجتماع الأمن القومي، وبحثت فيه خطة تحرك الجيش، وأُبرزت الخطوط الحمراء لتركيا. ودخلت تركيا بمرحلة التحضيرات الديبلوماسية والعسكرية، وانتقل الأمر الآن إلى وحدات الجيش التركي، الذي سيحدد من هي الجهة التي تهدد أمن تركيا. ولا شك أن هذه المرحلة ستكون مرحلة صعبة.
وإذا ما عدنا للسؤال الأول، هل ستدخل تركيا حربا مع سوريا؟ لا لن تدخل تركيا أي حرب ما لم يُهدَّد أمنها. وهذا أمر قطعي.
(صحيفة يني شفق)