قضايا وآراء

سرت الليبية في قبضة تنظيم الدولة

1300x600
تعتبر الآن مدينة سرت بوسط ليبيا وكافة ضواحيها خاضعة بالكامل لسيطرة تنظيم الدولة، ويمكن القول إن المدينة أضحت الآن المعقل الرئيسي للتنظيم، وكانت كتيبة أنصار الشريعة هي النواة لتنظيم الدولة في سرت.

فقد نشأت هذه الكتيبة في بداية أمرها في مدينة مصراتة بغرب البلاد في العام 2012 ولكن يبدو أنها لم تلق قبولا بين أهالي مصراتة حينها مما اضطر مؤسسها "أحمد التير" المكنى "أبو علي" إلى الانتقال بها إلى سرت، وهي المدينة التي تلي مصراتة من ناحية شرقها، وقتل "أبو علي" في مواجهة مع كتيبة من الجيش الليبي كانت تتمركز في سرت أعلنت ولاءها في وقت لاحق من العام 2014 للواء المتقاعد خليفة حفتر.

وفي بداية العام 2015 بايعت كتيبة أنصار الشريعة تنظيم الدولة، بعد أن قضت قرابة الأعوام الثلاثة في التجهيز والإعداد واستقبال مقاتلين غير ليبيين يصفهم التنظيم بالمهاجرين، وقد توج التنظيم سيطرته على سرت وكافة نطاقها الإداري أواخر الشهر الماضي عقب هجوم مفاجئ وصف بالكاسح على إحدى غرف العمليات الرئيسية بالمحطة البخارية لتوليد الكهرباء غرب سرت، حيث كان يتمركز فيها اللواء 166 التابع لرئاسة أركان الجيش الليبي المنبثق من المؤتمر الوطني العام.

وقد قالت مصادر عسكرية من مصراتة إن تنظيم الدولة استعمل في هذا الهجوم أسلحة يبدو أنها متطورة إلى حد كبير، وثمة معلومات تؤكد أن التنظيم بدأ حملة داخل مدينة سرت تمهد لفرض أحكامه داخلها وافتتاح محكمة إسلامية ومراكز شرطة إسلامية.
 
والآن هناك تخوفات كبيرة جدا - بحسب المصادر - لدى أهالي مصراتة من زحف التنظيم نحو المدينة بعد تنفيذه في وقت سابق عمليات تفجير انتحارية استهدفت أربع بوابات تفتيش مؤدية إلى المدينة، ثلاث منها في مداخل مصراتة من ناحية شرقها وهي بوابات السدادة والستين وأبوقرين، والرابع استهدف بوابة الدافنية غرب المدينة في الطريق إلى طرابلس، وجميع هذه العمليات نفذها مسلحون من التنظيم غير ليبيين.

وهناك ما يمكن أن نسميه امتدادات للتنظيم في شرق ليبيا وتحديدا في مدينتي درنة وبنغازي ، ففي درنة أعلن التنظيم عن نفسه بشكل صريح وهزم في مواجهات مسلحة لعدة أيام على يد مقاتلي مجلس شورى مجاهدي درنة ومن دعمهم من أهالي المدينة ممن ضاقوا ذرعا بمسلحي التنظيم، أما في بنغازي فلم يعلن عن نفسه بشكل رسمي ولكن مسلحيه مستمرون إلى جانب مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي في قتال قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

المعلومات الواردة من سرت تقول إن هناك العشرات من الأجانب والعرب موجودين داخل المدينة ممن ينتمون للتنظيم وقد قتل بعضهم في المواجهات مع اللواء 166، فخلال الأشهر السابقة من العام الحالي حاصر مقاتلو اللواء 166 التنظيم داخل سرت من أربعة  محاور (الغرب، والجنوب، والجنوب الغربي، والجنوب الشرقي)، حيث شكلوا ما يشبه الطوق على مسلحي التنظيم داخل المدينة وخاضوا معهم عدة مرات معارك ومواجهات مسلحة اتسمت بالعنف الشديد في معظمها، وساندت طائرات حربية اللواء 166 خلال هذه المواجهات، وحاول مقاتلو اللواء 166 خلال هذه  الاشتباكات دخول سرت واقتحامها عدة مرات ولكنهم لم يفلحوا في ذلك بسبب ما وصفت بشراسة مسلحي التنظيم في الدفاع عن مواقعهم وتمركزاتهم داخلها.

وإلى جانب ذلك فإن خط إمداد التنظيم يمتد عبر الطريق الصحراوي الذي يشق ليبيا نصفين حيث يتحرك مسلحو التنظيم خلال هذا الخط بحرية انطلاقا من سرت باتجاه أفقي إلى جنوبها ثم إلى جنوب ليبيا حيث يعتقد أن هناك إمدادا من القوة البشرية والسلاح يأتي عبر هذا الطريق.

وتقول بعض المصادر داخل مدينة سرت إن مسلحي التنظيم بالمدينة يتحدثون عن هجوم وشيك قد يشنونه الفترة المقبلة على مدينتي ترهونة وبني وليد وهما من أبرز المدن في المنطقة الغربية، وتبعد إحداهما وهي ترهونة عن العاصمة طرابلس مسافة تقدر بثمانين كيومترا من ناحية الجنوب الشرقي، أما الآن فقد تراجعت القوات العسكرية التابعة لرئاسة أركان الجيش المنبثقة من المؤتمر الوطني العام من مشارف سرت ومحيطها إلى مشارف مصراتة، ويأتي تراجعها بشكل سريع جدا عقب تلقيها ضربات مفاجئة من تنظيم الدولة.

وثمة تخوفات كبيرة جدا لدى المجلس البلدي لمدينة مصراتة الذي عبر عدة مرات عن قلقه وتخوفاته من عدم اكتفاء التنظيم بتوجيه ضربات إلى بوابات المدينة ومداخلها، بل يمتد الخوف أيضا من أن يتمدد التنظيم إلى داخل المدينة، وفي عمقها عبر عمليات تفجير وتفخيخ قد تستهدف المدنيين أو مقارا أمنية أو قضائية أومباني النيابات والمحاكم، حيث يمكن القول إن المدينة أضحت الآن في فوهة مدفع المواجهة مع تنظيم الدولة.
 
مدينة سرت تقع تماما في منطقة وسط ليبيا، وتعتبر المدينة الأهم في هذه المنطقة حيث أن من يسيطر عليها يمكه التحرك نحو شرق ليبيا أو غربها فالطريق نحو الاتجاهين أضحت مكشوفة، وثمة شيء يمكن وصفه بالخطير جدا، وهو قرب المدينة من موانئ النفط الرئيسية الثلاث في ليبيا، وهي (البريقة ورأس لانوف و السدرة)، وقربها كذلك من عدد من حقول النفط، ومنابعه وخصوصا الواقعة جنوب شرق المدينة حيث سبق وأن هاجم التنظيم عدة حقول نفطية ودمرها وقتل من وجده فيها، وخصوصا من العاملين الأجانب، ما كبد الدولة الليبية خسائر فادحة في إنتاج النفط وتصديره تقدر بأكثر من سبعين ألف برميل يوميا.

 وإضافة إلى ذلك هناك من يقول إن تنظيم الدولة في سرت يحظى بدعم كبير من موالي النظام السابق، وأن عددا كبيرا من العسكريين الذين كانوا أفرادا في كتائب النظام السابق انضموا إلى التنظيم، وأضحوا مقاتلين في صفوفه، وعزز ذلك تصريح أدلى به أحمد قذاف الدم ابن عم القذافي أثنى فيه على التنظيم، وقال إن أفراده (شباب أنقياء )، وهو ما جعل كثيرين يعتقدون أن عناصر عسكرية ومدنية موالية للنظام السابق، لا سيما من القبائل القاطنة بسرت تتسرب إلى التنظيم وتخترقه لتصفية حساباتها بأسلحة التنظيم ورايته مع من ناهضوا النظام السابق وثاروا عليه في العام 2011 إبان ثورة السابع عشر من شباط/ فبراير.