«إن إحدى مهام
المثقف هي بذل الجهد لتهشيم الآراء المقولبة والمقولات التصغيرية، التي تحدّ كثيرا من الفكر الإنساني والاتصال الفكري»/ إدوارد سعيد.
جاء في المعجم الوسيط ما يفيد أن كلمة المثقف والثقافة محدثتان في اللغة العربية، بما يعني أن العرب والمسلمين لم يبتكروا، لا بل ولم يعرفوا مطلقا هذين المصطلحين رغم اهتمامهم بمكونات "
الثقافة" ومن ينتجها في بعض الأحقاب من تاريخهم، باعتبارها عصب الحياة، ومرتكزا أساسيا للوعي، وعمادا لا غنى عنه لوجود وتنمية الأفراد و تطوير المجتمعات وتربية وتهذيب الذوق.
لذلك فقد غابت -بداهة- كلمة ثقافة في الشعر الجاهلي، وهو
ديوان العرب، كما غابت كذلك في القرآن الكريم، وهو دستور المسلمين، رغم ورودها في صيغة مشتقة في قوله تعالى:«فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» (الانفال /57).
ولكن المجال هنا لا يسمح بالتوسع في ذلك، و ما يهمنا فقط في هذه العجالة، إنما هو طرح مجرد ملامح لوجوه مفهوم المثقف الحق، الذي ظهر كمصطلح في أوروبا الشرقية قبل أوروبا الغربية، وذلك وفق تعريفات بعض مفكري وفلاسفة الغرب ومن حذا حذوهم من المثقفين العرب.
ورغم حداثة مصطلح الثقافة بما هي «نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة المتعلقة بالكون والسلوك الإنسانى» وفق تعريف "غوستاف فون غرونيوم "و حداثة مصطلح من ينتجها عموما(أي المثقف)حتى في أوروبا، فإن الكتب التي حاولت تعريف مفهوم المثقف وتحديد وظيفته تعد كثيرة بل كثيرة جدا.
ولكن رغم ذلك، فلا أحد من المفكرين بإمكانه الإدعاء -ضمن هذا الركام الهائل من المفاهيم- بأنه حدد مفهوما دقيقا ونهائيا للمثقف، إذ ليس للمثقف تعريف واحد حوله إجماع، فكل التعريفات -أكاد أقول أنّها- لا تزال مثار جدل دائم لأنها ضبابية، غائمة وهلامية.
ولأنها تعريفات متحركة في الزمان والمكان، هذا بصرف النظر عما إذا كان المثقف هو فقط الممارس للفعل الثقافي والفكري كمنتج للأفكار ولضروب الثقافة عموما، المتمّز بنزعته العقلانية النقدية الإحتجاجيّة، والمنحاز إلى الجماهير والميال إلى الاستقلالية في اتخاذ المواقف، أم هو المتعلّم المستهلك للثقافة أم هو ذلك المشتغل في المجال الثقافي الواسع، الذي يمتد من حماية التراث إلى الإنتاج الفني والفكري وصولا إلى نشره وتوزيعه وتوثيقه ونحو ذلك.
ضمن هذا الإطار المفاهيمي الفسيفسائي، فإن المثقف من منظور الفيلسوف "جان بول سارتر" (Jean-Paul Sartre)، إنما هو ذلك «الذي يدسّ أنفه في ما لا يعنيه»(quelqu'un qui se mêle de ce qui ne le regarde pas).
و بهذا المعنى فإن اعتمدنا الحديث النبوي القائل «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» الذي يتعارض تماما وصراحة مع هذا المفهوم، فإن المسلم لا يمكن مطلقا أن يكون مثقفا.
وهذا غير واقعي ولا مستساغ، ثم إن سارتر- من باب الإنصاف للرجل، وحتى لا يفهم على غير مقصده ويحمل على غير محمله - رغم وجوديته الملحدة، ورغم أنه لا يرى المثقف إلّا يساريا ، فإنه لم يذهب في مقولته إلى ما قصده الحديث الشريف، بل إنه –باعتباره لا يرى المثقف إلا ملتزما بالضرورة - قصد أن المثقّف معني بالمساهمة الفاعلة في معالجة كبريات قضايا المجتمع الجذريّة و محاولة إصلاحها، بما يفيد هذا المجتمع ويدفعه نحو التغيير إلى الأفضل.
وبهذا المنحى، أنهي سارتر التقليد الفلسفي المتبع آنذاك في فرنسا وألمانيا زمن النازيّة ، والذي يجعل المثقف محايدا لا صانع مواقف، علما وأن مهمة التغيير لا يمكن إنجازها إلا من قبل المجموعة المتعلمة، الواعية جيدا أين تكمن مصلحة المجتمع، مع سعيها إلى أن تنقل أفكارها من التجريد النظري إلى التجسيد العملي عبر اقتراح حلول لقضايا الناس الواقعية.
وهذه المجموعة ليست سوى ما اصطلح على تسميته ب"الإنتلجنسيا"(Intelligentsia) في روسيا القيصرية ثمّ في كامل أوروبا الشرقية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، باعتبارها طبقة المجتمع الممتهنة للنشاط الذهني و المتميزة بتطلعاتها الثوريّة و بإدراكها لمشاكل المجتمع الحقيقيّة.
أّما في فرنسا فقد اصطلح على تسمية هذه الطبقة بال(Les Intellectuels /المثقّفون)، للإشارة إلى من يمارس نشاط ذهني، وينخرط في الحياة العامة، معبرا عن تحليلاته للأوضاع وطارحا لمقترحات وحلول لها، علاوة على دفاعه عن القيم الخالدة للحقيقة والعدالة والحريّة، باعتباره حارسا للقيم الكونيّة الثابتة.
وقد أصطلح على ذلك تحديدا، بعد ظهور ما سمّي بقضية الضابط '' ألفريد دريفوس" (Alfred Dreyfus) المتهم ظلما بالخيانة الوطنيّة وتسريب وثائق سرّيّة للإمبراطوريّة الألمانية أنذاك، و بعد التزام كلّ من "إميل زولا"(Émile Zola) و"أوكتافميربو" (Octave Mirbeau) بالدفاع عنه، دون تردد أو خوف، لقناعتهما ببراءته.
ليصبح المثقّف ليس مجرد «مبدع أفكار» و«متفرّج ملتزم» كما يقول "ريمون أرون" (Raymond Aron) بل صوتا للمظلومين والمهمّشين، يتوفّر على حسّ إنساني عالي المستوى يسمح له أن يكون صوت الحقيقة وليس صوتا للسلطة وبوقا لها، ولا مجرّد مثقّف صالونات مغلقة، أسيرا لبرجه العاجي كرمز للجمود، و منغلقا على ذاته المهزوزة والمنهزمة ثقافيا.
وهو فعلا ما عبّر عنه الموقف الثوري المتمرّد على الواقع لتصحيحه، الذي ترجمه مقال "إميل زولا" الشهير في جريدة (L'Aurore) في جانفي1898 بعنوان "أتّهم" (J'accuse) . وكان في شكل رسالة مفتوحة موجّهة إلى Félix Faure رئيس الجمهورية الثالثة لفرنسا، في تحد شجاع لقرار المحكمة العسكريّة، باسم القيم الكونيّة. وفيها يقول "زولا" «والفعل الذي إنجزه هنا، ليس سوى وسيلة ثورية لتسريع إنفجار الحق والعدالة». ولا يخفى على القارئ أنّ عبارة "وسيلة ثوريّة" دالة على التغيير. لأن الفعل الثوري، في نهاية التحليل، ليس إلّا فعل تغيير، لارتباط الثورة بالضرورة بالتغيير الجذريفي أكثر من مجال، ورغم أنّ "إميل زولا " تعرض إلى المحاكمة ، إلّا أنّه نجح لاحقا، في جعل المحكمة العسكريّة تقرّ ببراءة ''دريفوس".
ولعل هذا الانتصار إلى الحق الذي أفضى إلى الإنتصار على الباطل، بعد نضال ومعاناة، يذكّرنا بدفاع "فولتير" (voltaire) المستميت في ما سمّي قبل ذلك بأكثر من قرن من الزمن بقضيّة مصرع "جان كالاس" (Jean Calas) ، المنتمي إلى مذهب الأقلّية البروتستانتية ،آنذاك، والمضاد لمذهب الأغلبية الكاثوليكية في فرنسا، إثر حكم ظالم ضده بالإعدام، ونجاح "فولتير" في إقرار براءته ورد الإعتبار له، ولو بعد موته(à titreposthume).
وقد كتب فولتير حول ذلك كتابا قيّما أسماه "رسالة في التسامح" (1763)، جاءت فيه قولته الشهيرة «قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأن أموت دفاعاً عن رأيك»، دعا في فصله ال23 وعنوانه "صلاة إلى الله" (Prière à Dieu) - تماما مثلما دعا "مونتسكيو" (Montesquieu)من قبله في كتابه " روح القوانين"(1748) - إلى تعدّد وتعايش المعتقدات، وإلى محاربة التعصّب وتشجيع الحوار بين الثقافات المختلفة.
وأما من منظور سجين موسيلليني -دكتاتور إيطاليا- وهو المفكر والقائد السياسي الماركسي "أنطونيو غرامشي" Antonio Gramsci القائل «كلّ الناس مثقفون، لكن ليس لكل إنسان وظيفة المثقف في المجتمع»،فإنّ المثقّف نوعان ، أحدهما "المثقّف التقليدي" الذي يمثّل الفكر المحافظ والمنبطح أبدا للسلطة الحاكمة، والذي يقول غرامشي، في شأن أمثاله، في كتابه "من دفاتر السجن" «ليس المثقفون أكثر من موظّفين لدى الجماعة المسيطرة، وخبراء في إضفاء الشرعيّة على الكتلة الحاكمة ».
والمثقفون بهذا المعنى، لا يخرجون عن كونهم أجراء في حالة تبعيّة للدولة تجعلهم، مُستلَبين بالمعنى الفلسفي ومرتزقة عند الحكام يجملون صورتهم ويضفون عليهم شرعيّة لا يستحقّونها، بل خونة كما جاء في كتاب" خيانة المثقّفين" للروائي الفرنسي جوليان بندا (Julien Benda) أو"كلاب حراسة" كما سمّاهم "بول نيزان" (Paul Nizan)، صديق سارتر، الفيلسوف الذي رفض قبول أوسمة عديدة، لا بل و رفض قبول "جائزة نوبل" في الأدب، لأنه اعتبر هذه التكريمات، إنّما هي شكل من أشكال التقييد لحرّيته يفقده استقلاله عن السلطة السياسية.
وأما النوع الثاني من المثقفين، وفق تقسيم غرامشي، فيمثله "المثقف العضوي" الممارس للفعل الإجتماعي، القريب من الجماهير، بل المتماهي معها، بحكم تبنّيه لقضاياها اليوميّة كما المصيريّة، والساعي دوما إلى إحداث التغيير والتحسين المستمر بهدف«الإصلاح الثقافي والأخلاقي» وتحقيق«الهيمنة الثقافيّة»التي يفترض أن تكون«بديلة عن الهيمنة البرجوازيّة». ولعلّ أفضل من يمثّل مفهوم المثقّف العضوي، قبل وبعد تبلور هذا المفهوم، إنما هم المفكّرون، "ليون تروتسكي" (Léon Trotski) منظّر الحزب الشيوعي السوفياتي، و "انطونيو غرامشي" الفيلسوف الشيوعي الشهير الذي شغل خطّة كاتب عام للحزب الشيوعي الإيطالي، و "جان بول سارتر" الفيلسوف الوجودي الذي قال بتهكم، في خضم الاحتجاجات الطلابية الباريسية القويّة في ماي 1968«لقد شاهدت فرنسا بأكملها شارل ديغول عاريا، ولن نعيد له ملابسه إّلا إذا قبل بالإحتجاجات».
وما يمكن لفت النظر إليه في هذا السياق، أن فكر غرامشي لا يمكن تمثّله واستيعابه بموضوعيّة ، دون استحضار أحداث التاريخ الإيطالي ما بين الحربين العالميتين اللتين حملتا تساؤلات مقلقة على المستويين السياسي والإنساني، عندما كانت مقولة المثقّف الكوني الذي يستعمل عقله بحرية من أجل نشر الوعي بين الناس فحسب، هي السائدة، وذلك لوضع الفكر الغرامشي في سياقه التاريخي والجغرافي الموضوعيين.
إن اللافت قطعا في التعريفين السابقين لكل من سارتر وغرامشي إنما هو تأكيدهما على ضرورة أن ينخرط المثقف وبفاعليّة في تغيير وجه الحياة، لا فقط عن طريق إبداع أفكار وقيم جديدة لها تأثيرها بالتأكيد على سلوك الناس، بل وكذلك –وهو الأهم- عن طريق المشاركة النوعية في خدمة الشأن العام بما يتماهى مع ماهية الثقافة وفق من عرّفها على أنّها«الجهد المبذول لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية في مجرى حياتها».
ويمكن القول -دون السقوط في الخطأ- إن أول من أشار إلى ذلك إنما هو الفيلسوف والمنظر السياسي"كارل ماركس" (Karl Marx) صاحب كتاب "رأس المال"، عندما حثّ الفلاسفة- وهم طليعة المثقّفين- على الثورة، بما هي فعل تغيير مستمرّ، قائلا في كتابه " أطروحات حول فيورباخ"(Des Thèsessur Feuerbach): «لم يفعل الفلاسفة إلى حدّ الآن غير تفسير العالم، آن الأوان لتغييره».
وعموما، فلا يكون المثقف جديرا بهذه الصفة، إلا إذا كان علاوة على دوره التنويري، حاملا لمشروع ورؤية إصلاحيّة للمجتمع، إنسجاما مع هذا المفهوم فإن المفكر الفلسطيني البارز"إدوارد سعيد" ينظر إلى المثقف في كتاب "الآلهة التي تفشل دائما" على أنّه "شخص نخبوي".
لأن عامة النّاس ليس لهم وعي المثقف و رؤيته النافذة للمشكلات القائمة، و لا يملكون بالضرورة مشاريعا لاستنهاض المجتمعات التي ينتمون إليها. ولا هم يدافعون عن قضايا المعدمين والمضطهدين، الذين سمّاهم طه حسين "المعذّبون في الأرض"، ولأنّ غير المثقفين غالبا ما تعوزهم قوّة الأفكار وعمقها.وهذا ما يتّفق مع تعريف "جوليان بندا" للمثقفين من أنّهم«عصبة صغيرة من الملوك والفلاسفة، الذين يتحلّون بالموهبة الاستثنائية ، وبالحس الأخلاقي الفذّ ، ويُشكّلون ضمير البشرية». ولعلّه من منطلق الوفاء لمشروعه يصبح المثقّف«مؤلف لغة تحاول أن تقول الحقيقة للسلطة » وفق تعبير" إدوارد سعيد" كما يصبح هو«من يحمل الحقيقة في وجه القوة» وفق تعبير "نعوم تشومسكي" أشهر المثقفين، راهنا، وأكثرهم إستقلالا عن سلطة بلاده.
وقد سبقه في ذلك "فريديريك نيتشة" (Friedrich Nietzsche) عند استنكاره للهجوم الألماني الوحشي على فرنسا، وكذا فعل جان بول سارتر الذي عارض بلاده واتّخذ عبر مجلّته الشهيرة "الأزمنه الحديثة" (Les Temps modernes) موقفا معاديا لحرب فرنسا على الفيتنام و لفكرة جزائر فرنسية، متبنّيا رغبة الشعب الجزائرى في الاستقلال، ومطالبا بحريّة الشعوب في تقرير مصائرها.
وقد دفع سارتر ضريبة هذا الموقف بالتعرّض، لا فقط إلى الإعتداء على منزله في مناسبتين، بل وكذلك إلى الإستيلاء على مجلّة "Les Temps modernes" في خمس مناسبات.
وهكذا يتبدى لكل ذي عقل راجح، أنه لا معنى لمثقف فاقد للروح النضاليّة ومواقفه متخاذلة أو لمثقّف محايد لا يتّخذ المواقف المشرّفة، في القضايا الجذريّة الكبرى المطروحة، لفائدة الأفراد والشعوب، لا سيما وأن «السياسة في كل مكان ولا يمكن للمثقّف أن يفلت منها» كما يقول "إدوارد سعيد".
ومن هذا المنطلق، فقد شجب كلّ من "جان بول سارتر" و"بيار فيدال ناكي "( Pierre Vidal- Naquet) عمليّات التعذيب في
الجزائر زمن الإستعمار، كما استمات كلّ من ، "بيار بورديو (Pierre Bourdieu) من أجل الدفاع عن العاطلين عن العمل، و أفرام نعوم تشومسكي ( Noam Chomsky (Avram من أجل انتقاد السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكيّة بشراسة منقطعة النظير، و "ميشال فوكو" (Michel Foucault) من أجل إدانة وضع المهمّشين، كالمصابين بالأمراض العقليّة والمثليين و الدفاع عن الحقوق المهضومة للسجناء.
لذلك خلد هؤلاء ذكراهم كجهابذة للفكر الحرّ وكقامات ثقافيّة سامقة، لقدرتهم ليس فقط، على طرح الأسئلة العميقة والمربكة على السلطة و الاعتراض علانيّة و مهاجمة الأفكار المبتذلة بخطاب غير متحفيّ ولا محنّط، بل وكذلك و خاصة، لدأبهم على التفكير في الغير وتفانيهم في خدمته والإحساس به أينما كان.
دون أن تحدّهم في هذا المسعى ، لا الأطر العرقية والطائفية و لا الأطر القومية والإقليمية التى يأسر المثقّف المزيّف نفسه داخلها فيغدو مدجّنا. وهو واقع الحال مع الفيلسوف السياسي"ألكسي دو تكفيل" (Alexis de Tocqueville) ، الذي استنكر تصرفات أمريكا المناهضة للعدالة و الإنسانية، وغض النظرعما ترتكبه بلاده فرنسا من مجازر في الجزائر.
وبديهي، أن المثقف بهذا المعنى النبيل، يجسد، لا بل يتماهى مع مقولة «عندما يعيش الانسان لنفسه فقط، فإنه يعيش ويموت صغيرا مهما كبر، وعندما يعيش لغيره، فإنّه يعيش ويموت عظيما مهما صغر » وينطبق عليه وعلى أفكاره كما أفعاله ما جاء في الأثر من أنّ «أَفضل الْجهاد كَلمة حق عند سلطَان جائر».
والشطر الثاني من قوله تعالى: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ». فيما ينطبق على مثقف السلطة وبوقها الشطر الأول من الآية و بيت المتنبّي القائل: إذا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ سَيفاً لِدَوْلَةٍ *** فَفِي النَّاسِ بُوقَاتٌ لَهَا وَطُبُولُ، ولكن شتّان بين الثرى والثرية و البعرة والبعير، وهذا المثقف وذاك.