لم تثن الأنباء التي تتحدث عن غرق الكثير من قوارب المهاجرين غير الشرعيين في عرض
البحر المتوسط، قبل وصولها إلى
أوروبا، الشاب السوري عوض (36 عاما)، عن قراره بخوض غمار هذه التجربة للوصول إلى القارة العجوز، معللا هذا التمسك بالهجرة؛ بأنه يحاول البحث عن وطن لطفليه يضمن لهما عيشا كريما.
يقول عوض لـ"عربي21": "كلما رأيت فقر الأفغان في تركيا، ازددت يقينا بأن هذا الوطن لن يعطينا أكثر مما أعطانا، وتترسخ لدي قناعة شبه كاملة بصواب فكرة البحث عن وطن" حسب تعبيره.
ويشير عوض في حديثه عن الأفغان، إلى
اللاجئين الذين قدموا من أفغانستان إلى الأراضي التركية خلال فترة الحرب عام 2001، وقد منحتهم السلطات الجنسية التركية، بما في ذلك منحهم حقوق المواطنة، فضلا عن ضمان السكن، حيث أقامت لهم السلطات التركية مجمعات سكنية خاصة بهم تعود ملكيتها للدولة.
وكان إقليم هاتاي، حيث يقيم عوض وأسرته المؤلفة من أربعة أفراد، أحد الأقاليم التركية التي تضم تجمعات لهؤلاء النازحين الأفغان المجنسين في تركيا، وتقتصر النشاطات التجارية لأغلب هؤلاء على الأعمال البسيطة، كبيع الألبسة على الأرصفة. ويعاني أغلبهم من فقر الحال.
يبتسم عوض بسخرية وهو يهز رأسه ويقول: "وكأني حين أشاهد فيها الأفغان وهم يفترشون الأرصفة ليعرضوا عليها بضائعهم الرخيصة، أشاهد لأطفالي مستقبلا مكانهم، ولذلك لا خيار لي إلا المجازفة، وسلك طريق
الهجرة غير الشرعية، إلى السويد أو غيرها من الدول الأوربية الأخرى".
ويتابع عوض قائلا بعد برهة من الصمت: "لن أترك عائلتي هنا، وسنسافر جميعا، وإن كان الموت مصيرنا فسوف نموت جميعا، لن أترك أولادي مشردين هنا".
ويضيف: "نصحني الجميع بأن أسافر منفردا، لما في الطريق من أخطار وصعاب قد لا يتحملها الأطفال، لكن إصرار زوجتي على مرافقتي، وخوفي على طفليّ من الضياع في حال حدث لي مكروه، دفعاني للسفر برفقتهم".
وبين فترة وأخرى يعود للحديث مجددا ثم يقول: "لا أعرف إن كان خياري هذا صحيحا، لكن هذا ما اتفقنا عليه". ويتابع بمرارة لا تخلو من سخرية واضحة: "صحيح أن التكلفة المالية سوف تكون مضاعفة، لكن لاحاجة لنا بالمال إن غرقنا".
وبينما يتجاذب عوض مع "عربي21" أطراف الحديث، يأتيه اتصال من أحد المهربين، على تنسيق متواصل معه، ليعلمه بأن موعد السفر بات قريبا، وليطلب منه إيداع الأموال المتفق عليها في مصرف مالي محدد.
وعن خط سير الرحلة أوضح أن المحطة الأولى سوف تكون مدينة مرسين التركية الساحلية، و منها إلى أحد الجزر اليونانية عبر قارب، ومن الأراضي اليونانية سوف يكون السفر عن طريق التعرف إلى مهربين جدد.
لربما حكاية عوض حكاية واحدة من آلاف الحكايات الأشبه بالأسطورية، ولربما الطريق الذي سوف يسلكه قد ينتهي به وبعائلته إلى الشواطئ الأوروبية جثامين ملفوفة بأكياس بلاستيكية سوداء، حينها ستقوم الجهات الدولية بتوثيق اسمه وأسماء أفراد عائلته في سجل الضحايا الذين لم يعودوا بحاجة إلى وطن.