نشر موقع "ميدل إيست آي" تحليلا للصحفية لورين ويليامز، التي تعمل من بيروت، حول جبهة
النصرة بعد تحقيقها مع تحالف من قوى المعارضة تقدما كبيرا في جبهات القتال، وتعقد مقارنة بين
تنظيم الدولة وجبهة النصرة، مشيرة إلى أنه بينما يعتمد تنظيم الدولة على المقاتلين الأجانب في الغالب، فإن جبهة النصرة تعتمد على المقاتلين السوريين.
وتقول ويليامز إن جبهة النصرة لطالما أدت دورا مركزيا في الحرب الأهلية السورية، ولكنها حظيت بتغطية إعلامية قليلة مقارنة بتنظيم الدولة، أو القوات الحكومية التي تقاتلها، لكن النجاحات التي حققتها الجبهة في الفترة الأخيرة جعلت المحللين يتوقعون بقاءها لمدة أطول من تنظيم الدولة ومن القوات الحكومية، أو على الأقل أن تكون أسست لنفسها دورا إقليميا لسنوات عديدة قادمة.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن جبهة النصرة قامت بتعزيز مكانتها في شمال وجنوب
سوريا، وحصلت على تأييد ميداني، وحققت مكاسب جغرافية.
وترى الكاتبة أن الانتصار الذي حققته الجبهة في إدلب الشهر الماضي، كان له أهمية خاصة، حيث تمت السيطرة على المدينة من تحالف من المقاتلين، وعلى رأسهم جبهة النصرة، وضم التحالف أيضا جند الأقصى ولواء الحق وأجناد الشام وفيلق الشام. ومعا استطاعوا نزع المدينة من قبضة قوات الحكومة بعد أشهر من القتال.
ويذكر الموقع أنه في الوقت الذي يحارب فيه التحالف بقيادة جبهة النصرة قوات
الأسد، فإنه استطاع أن يخرج فصائل أخرى من الثوار يقاتلون مع حركة حزم، وهو ما يسمى فصيلا معارضا معتدلا. وجاء هذا بعد أن تمكنت جبهة النصرة من هزيمة تحالف معتدل آخر، وهو الجبهة الثورية السورية في الإقليم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي. وفي الأسبوع الماضي استطاع التحالف مد سيطرته إلى جسر الشغور في إقليم إدلب أيضا بعد هزيمة القوات الحكومية.
ويلفت التقرير إلى أن هذا الانتصار الذي حققه التحالف لم يعد عليه بالسيطرة على الإقليم الذي يمتد إلى حدود تركيا فقط، بل قربه أيضا من مناطق تأييد النظام العلوية في اللاذقية.
وتجد ويليامز أن سلسلة الإنجازات هذه عززت من مكانة جبهة النصرة العسكرية وإمكانيتها لاستيعاب الفصائل الإسلامية المقاتلة الأخرى، كما أن هناك أخبارا بأن شبابا يسعون إلى الانضمام لجبهة النصرة.
وينقل التقرير عن يزيد صايغ، وهو من كبار المنتسبين لمعهد كارنيغي (مركز الشرق الأوسط في بيروت) قوله: "واضح أنه في الوقت الذي يقوم به الثوار بالتنسيق والتخطيط فإنهم يحصلون على مثل هذه النتائج.. وأثبتت جبهة النصرة دائما أنها أفضل في التخطيط وإدارة المعارك"، وأضاف أن النجاح الذي حققه الثوار في إدلب "كان بسبب استعدادهم للعمل مع جبهة النصرة، التي كانت العمود الفقري في هذا كله".
تنظيم الدولة وجبهة النصرة
وتذكر الكاتبة أنه كان ينظر إلى جبهة النصرة دائما على أنها الأكثر تنظيما من بين الفصائل في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، التي دخلت عامها الخامس. وظهر تنظيم الدولة منافسا لها في نيسان/ أبريل 2013، عندما انفصل عن تنظيم
القاعدة الأم.
وتتابع ويليامز بأنه منذ ذلك الحين، حيث سيطر تنظيم الدولة على شرق سوريا والمناطق المحاذية للعراق وجبهة النصرة، فإن جبهة النصرة تقوم بمحاولة توسيع الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها، وأن تزيد من مؤيديها. وامتدت هذه الرقعة في شرق وسط الريف في إقليم إدلب، وتمتد جنوبا إلى ريف حمص وحماة، حتى درعا على الحدود الأردنية والجولان.
ويلفت التقرير إلى أن تنظيم الدولة لا يزال يسيطر على المناطق الغنية بالنفط على الحدود العراقية. ولكن مركز جبهة النصرة الرئيس في إدلب، وتسيطر على ممر ذي أهمية استراتيجية للأراضي التي تربط سوريا من الشمال إلى الجنوب.
ويستدرك الموقع بأنه مع أن جبهة النصرة وتنظيم الدولة يشتركان في هدف إقامة إمارة، ولكن المقابلات مع المقاتلين والمحللين والمواطنين السوريين، تشير إلى أن جبهة النصرة لها مميزات تتفوق فيها على منافسيها.
وتبين الكاتبة أنه بخلاف تنظيم الدولة فإن معظم المقاتلين في جبهة النصرة هم من السوريين وليسوا من الأجانب، وهذا أعطى النصرة ميزة استراتيجية جعلتها قادرة على الحصول على تأييد المدنيين والثوار. وقامت جبهة النصرة في حمص وغيرها بتوفير الخبز وتقديم الخدمات الإدارية، وخاصة في المناطق التي تستهدفها قوات الحكومة.
ويقول الصايغ للموقع:"إن لدى جبهة النصرة سجلا حافلا بتقديم الخدمات الأساسية والإدارية والحكم منذ المراحل الأولى".
وتوضح ويليامز أن هذه الحقيقة وحقيقة أن الجبهة جعلت من الأسد الخصم الأساسي لها، نتجت عنهما درجة أعلى من التأييد بين المدنيين ومجموعات الثوار على حد سواء.
ويشير التقرير إلى أنه على مر السنوات كانت هناك شكاوى من المدنيين في حمص وإدلب وحلب ضد الثوار المدعومين من الغرب، ومن الجيش السوري الحر، الذي يتهمونه بالفساد.
وينقل الموقع عن الناشط الإعلامي جمعة القاسم من إدلب، قوله: "جبهة النصرة من ناحية عسكرية هي الأفضل في الوسط. فهم الأفضل بين النظام وتنظيم الدولة والجيش السوري الحر الفاسد، الذي تم حله".
كما وصف الصايغ الجبهة بأنها: "منظمة سورية تحمل الهم السوري.. على الأقل هذا التصور لدى مجموعات الثوار الأخرى".
وتنوه ويليامز إلى أنه بينما اتبع تنظيم الدولة نهج التغيير من الأعلى إلى الأسفل في إقامة الخلافة، فأعلنها وحارب أي مقاومة لها، فإن جبهة النصرة تبنت نهج العمل من أسفل إلى أعلى.
وبحسب المعلقين، فقد تم اعتماد اللامركزية في جبهة النصرة إلى حد كبير، ما ساعدها على تطوير نهج أكثر براغماتية ومرونة، وجعل هذه المجموعة تبدي تسامحا أكثر في بعض المناطق، ولكنها تطبق معتقداتها بشدة أكثر في المناطق التي تحكم عليها السيطرة.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه بينما تبنى تنظيم الدولة تفسيرا صارما للحدود، بما في ذلك الإعدام وقطع الأيدي منذ البداية، فإن جبهة النصرة تبنت نهجا أكثر تساهلا، متبعة مبدأ إسلاميا يقضي بعدم تطبيق الحدود خلال الحروب، وهذا الأمر أكسبها شعبية أكثر بين مسلمي سوريا الأكثر اعتدالا.
ويتساءل الموقع هل سيستمر هذا الحل الوسط؟ بحسب الصايغ فإن جبهة النصرة وحلفاءها سيضطرون لمواجهة تحدي تطبيق نظام ثابت من الحكم الإسلامي كلما تمددت سيطرة الجبهة جغرافيا، وبالذات في مناطق المدن.
وتورد الكاتبة أن اللوحات التي تدعو إلى الالتزام بالتعاليم الإسلامية في إدلب تملأ الشوارع، وهناك تقارير متزايدة عن تطبيق عقوبات شديدة في المحاكم الشرعية، بما في ذلك عقوبة الإعدام وقطع الأيدي، وفي إحدى الحالات تم رمي امرأة بالرصاص بتهمة الزنا، كما أن هناك تقارير تشير إلى وجود عمليات إكراه للمواطنين الدروز في إدلب لدخول الإسلام، بالإضافة إلى تطبيق عمليات صلب.
وينقل التقرير عن الزميل في منتدى الشرق الأوسط، الذي يركز على الجماعات المتطرفة أيمن التميمي، قوله: "قاموا كذلك بتطبيق الحدود في مناطق أخرى، حيث سيطروا على لجان المحاكم الشرعية.. وحتى لو كانت جبهة النصرة تتبع قاعدة عدم تطبيق الحدود في وقت الحرب، فإن ذلك لا يعني أن القاعدة ستطبق في كل مكان تسيطر عليه الجبهة. ويجب تذكر أن الإمارة لم تعلن بعد، ولكن هذا هو الهدف، وهذا ما يظهر في الواقع في إقليم إدلب".
وتبين الكاتبة أنه قد تضطر جبهة النصرة لمواجهة تنظيم الدولة وجها لوجه في مرحلة ما لإثبات وجودها، ولكن مع انشغال تنظيم الدولة مع القوات الغربية والشيعية والكردية، فإن الطرفين سيتجنبان مواجهة مباشرة على المدى القصير.
ويرجح الموقع أن تستفيد جبهة النصرة أيضا من الغارات الجوية الأمريكية ضد تنظيم الدولة. وكانت أمريكا قد أدرجت جبهة النصرة على قائمة الإرهاب في كانون الأول/ ديسمبر 2012، قبل أن ينشأ تنظيم الدولة، ولكن حرب أمريكا الآن مركزة ضد تنظيم الدولة، مع أن غارات التحالف استهدفت أيضا قواعد لجبهة النصرة.
ويجد التقرير أنه إذا عانى تنظيم الدولة من تراجع كبير بسبب الحملة التي يقودها الغرب ضده، أو بسبب ثورة الشعب عليه، فإن جبهة النصرة هي المرشحة لسد الفراغ في شمال ووسط وشرق سوريا.
وتذكر ويليامز أن جبهة النصرة تسيطر على المناطق الجنوبية المحاذية للأردن والجولان، حيث يحاول تنظيم الدولة التمدد إلى الضواحي الجنوبية لدمشق.
ويشير التقرير إلى أن جبهة النصرة أبرزت نفسها على أنها مستعدة للتعاون مع الأطراف الدولية، حيث عملت العام الماضي مع قطر خلال التفاوض على إطلاق سراح 45 جنديا فيجيا من قوات حفظ السلام الدولية، الذين تم أخذهم رهائن في الجولان في أيلول/ سبتمبر الماضي.
وترى الكاتبة أن مثل هذه التناقضات في جبهة النصرة تشير إلى أنها ليست متماسكة تماما، وأن هناك فروقا أيديولوجية بين فصائلها في الشمال والجنوب. كما أن هناك إشاعات عن انقسام داخل الجبهة حول مدى فائدة الارتباط بتنظيم القاعدة.
ويعتقد الصايغ أنه ما دام هناك صراع في سوريا فإن جبهة النصرة ستستمر، ولكنه يرجح أنه في حال انهيار الحكومة فإن جبهة النصرة ستحاول تكييف نموذجها الأيديولوجي ليستوعب البنية الاجتماعية والعسكرية المتباينة في سوريا، إن هي سعت للعمل في السياسة، بحسب الموقع.
ويقول الصايغ للموقع: "في الوقت الذي نتحدث فيه عن المدن فستجد جبهة النصرة أنه ليست لديها قاعدة أساسية، وإن كانت ترغب في تنفيذ خطة سياسية داخل نظام تعددي فإن ارتباطها بتنظيم القاعدة سيشكل عائقا".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى اعتقاد القاسم بأن رفض الشعب السوري لتنظيم الدولة سيدفع المعارضة لتبني جبهة النصرة، ويقول: "إن رفض تنظيم الدولة أكبر بكثير من رفض النصرة". وفي أي اتفاقية مع مظلة للمعارضة تتضمن ممثلين عن الإسلاميين، فغالبا ما ستكون جبهة النصرة في وضع أفضل من غيرها لملء الفراغ.