تزايدت الحالات الموثقة لعمليات الخطف التي يتعرض لها السوريون المقيمون على الأراضي التركية في الآونة الأخيرة، ولا يكاد ملف يطوى حتى يفتح غيره، وعلى امتداد المدن التركية، خاصة الجنوبية منها والمحاذية للحدود.
وتسجلُ مدن غازي عنتاب ومرسين وإسطنبول النسبة الأكبر لعمليات الخطف، التي تتراوح بين الانتقام السياسي من أشخاص معنيين بذاتهم، أو الابتزاز الجنائي التقليدي، أو حتى ردة فعل من اليسار التركي الذي يخوض معركة طويلة منذ زمن طويل مع حزب الحرية والعدالة، الذي كان يقوده رئيس البلاد رجب طيب أردوغان.
واستطاعت "عربي21" أن تلتقي عددا من السوريين الذي تعرضوا للخطف وتم تحريرهم، واختطفوا على خلفيات جنائية، لا علاقة لها بالعلاقات المتوترة بين النظام السوري والحكومة التركية.
ويقول "عبدو" أحد المحرَّرين لـ"عربي21": خرجت في منتصف الليل من عملي في أحد المطاعم السورية متوجها إلى منزلي في مدينة غازي عنتاب، لأفاجأ بسيارة مركونة على الطريق، حيث أشار السائق فيها لي، وطلب مني ولاعة سجائر".
وتابع: "ما إن اقتربت منه وأشعلت له السيجارة، حتى أمسك بي من كلتا يديّ، ساعده في ذلك شخص آخر جاء من خلفي، لأكتشف أن العملية برمتها مخططة من قبل خمسة شبان أتراك.
وأضاف عبدو: "وضعوني في المقعد الخلفي، وجلس بجواري شخص من اليمين وشخص من الشمال، وثالث في الأمام والسائق، وعندما حاولت المقاومة، وضربت أحدهم، محاولا الوصول للباب، استشعرت كعب المسدس الذي هوى على رأسي، حيث ضربني الآخر دون أن أفقد وعيي، لكنه صوّب المسدس إلى خاصرتي، وقال ما معناه أني ميت إذا حاولت المقاومة".
وأشار عبدو إلى أن السيارة مضت بسرعة، بعد أن رفع السائق صوت الأغاني من مسجل السيارة، ومضت حوالي ساعة ونصف، حتى استقرت خارج المدينة في منطقة نائية على إحدى الطرق بجانب مقبرة. وهناك طلب الخاطفون من عبدو كل ما يملك من مال، بالإضافة إلى جهاز الموبايل، ثم رموه في منتصف الطريق، قبل أن يلوذوا بالفرار.
وبعد ذلك استطاع عبدو المسير نحو ساعة باتجاه المدينة، قبل أن يقع نظره على نقطة شرطية، فيها شرطي واحد، استطاع أن يبلغه بما حدث معه، ليعرف لاحقا أن المنطقة التي كان فيها شهدت العديد من حوادث الخطف، انتهت معظمها بقتل المخطوف.
وتتعدد العوامل التي يتعرض السوريون للخطف بسببها في
تركيا، فالأخيرة باتت من أوائل الدول التي تحوي سوريين فاق عددهم المليونين، وهي خزان كبير للمعارضة السورية التي تعرض العديد من شخصياتها لعمليات خطف اتهم فيها النظام السوري، ولعل أبرز تلك الحوادث هي حادثة
اختطاف المقدم حسين الهرموش، وهو من أوائل المنشقين عن قوات النظام السوري، ثم نقله إلى
سوريا، كما تعرض العديد من العاملين المنضوين تحت الائتلاف الوطني، أو أجسام سياسية أخرى لمواقف مماثلة في وقت سابق.
ويأتي صراع يسار المعارضة التركية مع الحكومة التركية ليكون أحد أبرز الأسباب لاستهداف السوريين، فقد شهدت المدن التي تكتظ بالسوريين جرائم عدة كان أبطالها سوريين وأتراكا، لعل أبرزها حادثة مقتل المواطن التركي "خضر تشالار" الذي قتله سوري بعدما أراد اغتصاب زوجته، في مدينة غازي عنتاب التركية الصيف الماضي، الأمر الذي تطور إلى مظاهرات كبيرة عمت البلاد وطالبت بخروج السوريين من تركيا.
كما تعرض سوريون لاعتداءات متكررة، كانت معظمها بالسيناريو ذاته (يطلب الخاطف قداحة في الليل وما أن يدرك أن الهدف سوري، حتى يتم الاعتداء عليه) وهذا ما حدث مع الشاعر السوري عبود السعيد العام الماضي، كما تعرض موظف في الحكومة المؤقتة للمصير ذاته، قبل أن تتكتم الحكومة على الخبر.
ويختلف التعامل من قبل الشرطة التركية مع تلك الحالات من حالة لأخرى، ومن مدينة لأخرى، في سلوك محيّر لا يستقر، حيث قامت الشرطة في حالات عديدة بالاستنفار والاهتمام الجاد بالموضوع، ووصلت إلى نتائج إيجابية، وفي حالات أخرى تتجاهل الأمر، خاصة إذا كان الطرفان (الخاطف والمخطوف) سوريين.
وتابعت "عربي 21" قضية سرقة واعتداء قام بها سوريون ضد سوريين في مدينة غازي عنتاب، حيث قام أحدهم بالإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن رغبته ببيع عفش بيته، ليتواصل معه شخص سوري، ويأتي إلى منزله لمعاينة العفش، ليفاجأ بعصابة قامت بالاعتداء عليه بالسلاح الأبيض.
واستطاع شقيقه المتواجد معه في الشقة ذاتها أن يقاوم أحد المعتدين، ويحبسه في أحد الغرف ويقفل الباب عليه، ويبلغ الشرطة، التي قدمت بدورها، وألقت القبض على الجميع، لتخلي سبيلهم بعد ساعات فقط، بشكل مثير للاستغراب.
ولعل الشرطة التركية لا تود الانخراط بمشاكل مع السوريين، خاصة عندما تكون المشكلة مع طرفين سوريَين، إلا أن ذلك يفاقم الوضع أكثر، خاصة أن صفوف المعارضة المسلحة، وكذلك قوات النظام في سوريا، تشهد بين فترة وأخرى عمليات تصفية، لعل أهمها اختطاف قيادي في جبهة ثوار سوريا، كان متواجدا في مدينة مرسين في أيلول/ سبتمبر الماضي، قبل أن يقتل في ظروف غامضة، كما اختطف طفل سوري يدعى محمد خالد منلا، وطلب الخاطفون من أهله فدية مقدارها ثلاثة ملايين دولار، دون أن يعرف مصير الطفل حتى الآن.
وفي الأسبوع الماضي تعرض الصحفي أسعد حنا للطعن بأداة حادة، بعدما طرق مجهولون باب بيته في إسطنبول، حيث تلقى أربع طعنات في خاصرته، قبل أن يلوذ المهاجمون بالفرار.