مرة أخرى نسأل: هل تشارك مصر في "عاصفة الحزم"؟!
المؤكد أنه في الأيام الأولى للعاصفة لم تشارك مصر، وكان واضحاً أن أحداً لم يستشر عبد الفتاح السيسي في الموضوع، وكانت إشارة من المملكة العربية السعودية أنها قادرة على الدفاع عن أمنها القومي بدون أن تخضع لرجل صار شعاره بحسب التسريبات: "هات خد"، وهو عندما تحدث عن "مسافة السكة"، كان يقدم نفسه باعتباره حامي الحمى، ومقابل ذلك يصبح من حقه أن يفرض إتاوة على الدول التي تحتاج لمساعدته، وفق القواعد الجديدة التي هبطت بالمليار دولار ليصبح مجرد "حباية أرز"!.
جماعة السيسي سعوا في البداية للإيحاء بأنه "بطل العاصفة"، لكن التصريحات السعودية نفت أن تكون مصر قد شاركت فيها. رغم أن دولاً أخرى غير خليجية كانت على خط النار، وهو أمر لا تخفي العين دلالته، وبشكل يؤكد أن السعودية قادرة على الفعل دون أن تجد نفسها مضطرة لأن تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وتصبح عرضة لابتزاز مالي، تبين أنه لم يذهب للشعب المصري، وإنما أودع في حسابات خاصة، ممن شعارهم "حسنة وأنا سيدك"، فالخليج مهما دفع هو عندهم مجرد "أنصاف دول"، كما جاء في التسريبات!
لكن هل تشارك مصر الآن في "عاصفة الحزم"، بعد الضربات الأولية، وبعد قرار وزراء الخارجية العرب بتشكيل قوة عسكرية موحدة، وهو ما أقره مؤتمر القمة؟!
معلوماتي قبل أن أستمع للإعلامي "إياه"، الذي يأنس له عبد الفتاح السيسي، أنها لم تشارك بعد، لكن "إياه" أعلن أن مصر ستسحب قواتها من "عاصفة الحزم" بعد ثلاثة أيام أو أربعة بسبب ما وصفه بتدهوره. والهاء هنا ضمير عائد على "العاصفة"!.
اللافت، أن إرسال قوات مصرية للخارج، ليس عملاً سرياً، اللهم إلا إذا كانت مصر تدار الآن من خلال تنظيم سري، استولى على الحكم وقرر الاستمرار في السرية، لأنه وبنص دستور الانقلاب ذاته، وفي غيبة البرلمان، فإن السلطة ليست مطلقة لرئيس الجمهورية، في إرسال قوات قتالية للخارج، وإنما ينبغي أخذ رأي مجلس الوزراء، ومجلس الدفاع الوطني، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإذا كانت موافقة هؤلاء جميعاً في "جيب عبد الفتاح السيسي"، فإن مقتضى الحال يشير إلى أن القرار ينبغي أن ينشر في الجريدة الرسمية!.
لحظة كتابة هذه السطور، كان آخر عدد صدر من الجريدة الرسمية، هو العدد الصادر بتاريخ 26 مارس، ولا "وجود لهذا القرار به" أو في الأعداد السابقة، كما لم يتصل علمنا بأن مجلس الوزراء، أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو مجلس الدفاع الوطني، قد عقدوا اجتماعاتهم لمناقشة أمر إرسال قوات قتالية للمشاركة في "عاصفة الحزم"!.
فهل الانسحاب الذي يتحدث عنه إياه "جليس عبد الفتاح السيسي"، سيكون قبل المشاركة؟.. وماذا في ما يختص بقرار الجامعة العربية، بتشكيل قوة عسكرية موحدة، سيكون بطبيعة الحال موضوع التدخل في اليمن على رأس أوليات هذه القوة؟!
لا يخفى على لبيب، أن جماعة الانقلاب في مصر الآن، في "حيص بيص"، كناية عن الارتباك، فقد كانت النية منعقدة على تحويل القمة العربية، إلى مهرجان راقص، تبدو فيه الرئاسة التقليدية للسيسي لدورة انعقادها، على أنها تأكيد لزعامته للعالم العربي، وهي القمة التي كان منوط بها أن تتخذ القرار بالتدخل العسكري في اليمن، لإلزام جماعة الحوثي بجادة الصواب، وعندها فإن السيسي كان سيتم تقديمه على أنه حامي الحمى وقائد الجيوش!.
بيد أن بدء "عاصفة الحزم" قبل انعقاد القمة، جعلها منزوعة الدسم، صحيح أن الأذرع الإعلامية قامت بالنفخ فيها، بالحديث عن زعامة السيسي، والبعض لم يجد ما يقوله، فتحدث عن شياكته ووسامته، وكيف أنه كان "عريس القمة"، ثم توقف الحديث سريعاً لأنه نفخ كان في رماد، فإذا صح اللقب: "العريس"، لكان "عريس الغفلة"، الذي لم يكتشف أن القمة فُضت بكارتها قبل "ليلة الدخلة"وكان التوقف عن هذا الابتذال، مرده إلى أن حملة الدعاية التي كان مرتباً لها، قد فقدت جاذبيتها، وصار كلام الأذرع الإعلامية باهتاً، فكل "المعازيم" كانوا يعلمون أن "العروس" ليست عذراء!.
فقد كان الأمر روتيناً، حيث جرى تسليم رئاسة القمة من رئيس إلى رئيس، وإن كانت هناك زعامة لأحد فهي لمن اتخذ قرار "عاصفة الحزم"، لوقف التوحش الإيراني في المنطقة، وإن كان ثمة نجم في القمة، فهو صاحب الكلمة الأكثر وضوحاً، وهو الأمير القطري، عندما تحدث عن حصار غزة، وأعلن بصراحة ما كان يلف البعض حوله ويدورون، من أن الرئيس اليمني المخلوع هو محرض على ما جرى. وفي الملف السوري قال بأنه لا يمكن اعتبار بشار الأسد جزءاً من الحل. وفي الملف الليبي رفض التدخل العسكري!.
ولأن القوم على رؤوسهم بطحة، فقد تحسسوها، فكانت وصلة الردح الإعلامية ضده!.
لقد بددت القمة، ما حصده السيسي من خلال الحفل الغنائي الساهر في شرم الشيخ، فيما سمي بالمؤتمر الاقتصادي، فترك القادة أماكنهم وغادروا بينما هو يترأس الجلسة، على نحو مثل عدم اكتراث به، وكأنهم جاءوا لعيادة مريض عندها يكون الشعار المعتمد: " يا بخت من زار وخفف"!.
فالقمة، التي يترأسها لم تتخذ قرار الحرب ضد الانقلابيين في اليمن، وعندما جاء السيسي يتلو خطاب الرئيس الروسي، إذا بوزير الخارجية السعودي، وبناء على أوامر خادم الحرمين الشريفين، يقاطعه معلناً أن بوتين هو جزء من الأزمة السورية. فلم يمكن السيسي بالتالي من أن يمكن المذكور من الحصول على زعامة في القمة العربية، وكل بثمنه!.
هذا فضلاً، عن أن التمثيل الإماراتي المنخفض كاشف عن أن الإمارات ليست متناغمة مع التوجه السعودي الجديد، فيحضر أمير قطر ويختفي محمد بن زايد، الذي كان تحالفه مع المملكة السعودية أحد عوامل نجاح الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب في مصر، إن لم يكن العامل الأهم!.
سواء شارك السيسي في "عاصفة الحزم" أم لم يشارك، فليس من شارك "قبل الفتح" كمن شارك "بعد الفتح"، فالمشاركة الآن لن تمكنه من الحصول على "الرز المتلتل" وعلى القاعدة التي أرساها له سكرتيره عباس: "هات خد"!.
فلم يعد هناك "رز"، إنما توجد "كبسة".. ومثل "الكبسة" كمثل "الكشري" تأكل منها فتملأ بطنك دون أن تعرف إن كنت قد شبعت أم لا؟!
"الكبسة" تجعلك كما نقول في مصر "مكلوم"، ولا أراكم الله مكروها في "رز" لديكم!.
"تأخذ كبسة"؟!.
azouz1966@gmail.com