ملفات وتقارير

تنظيم الدولة في ليبيا (إطار)

سيطر تنظيم الدولة على إذاعة في سرت - تويتر
سعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى تثبيت أركانه في ليبيا، عن طريق نشر فكرته بين مجموعات شبابية بعضها كان ينتمي لتنظيم القاعدة في ليبيا، والعائدين من مالي والجزائر وسوريا، إضافة إلى استقطاب شباب جدد لفكرة التنظيم المركزية، التي يدين فيها الأتباع بالولاء المطلق لـ "الخليفة" أبوبكر البغدادي.

انعكست الخلافات بين تنظيم "الدولة الإسلامية في الشام والعراق" المشهور بـ "تنظيم الدولة" وبين تنظيم جبهة النصرة الذي يدين بالولاء لتنظيم "القاعدة" في سوريا على المشهد الليبي، إذ إن تنظيم "أنصار الشريعة" في ليبيا المصنف إرهابيا في الولايات المتحدة الأمريكية، والموضوع على القائمة السوداء لمجلس الأمن الدولي بناء على طلب أمريكي؛ فرنسي، إنجليزي، يختلف مع تنظيم الدولة الإسلامية داخل ليبيا في أن الجهاد يجب أن يكون للأمة من خلال حاضنة شعبية، بينما "الدولة" ترى بقتال كل من يخالفها، وتكفر كل من لم يكن معها.

كما أن ولاء أنصار الشريعة في ليبيا لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بينما ولاء تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا ولاؤه لرأس التنظيم في العراق والشام.

وثمة خلاف آخر بينهما، في أن القاعدة ترى بولاية "الملا عمر"، لأنه هو من سبق، في حين أن تنظيم الدولة ينظر إلى أن الملا عمر حصر خلافته في رقعة جغرافية محدودة وهي أفغانستان.

تنظيم الدولة في درنة

منذ بداية الثورة الليبية، حرص الشباب السلفي الجهادي على توحيد الصف، واستغلال فرصة الفراغ الأمني، لجمع السلاح، والإعداد والتدريب، وتزويد الجبهات الخارجية بالعدة والسلاح.

ففي مدينة درنة، وفي ثاني يوم من ثورة فبراير (الجمعة 18 فبراير) بدا واضحا انتشار مجموعات للشباب السلفي الجهادي، وجمعها للسلاح، ورغم أن كل تلك المجموعات كانت تعمل بشكل منفصل إلا أن الظروف أوجدت لها التوحد.

أبرز تحول في مدينة درنة، حدث عندما دعي الشباب السلفي الجهادي بمختلف انتماءاته إلى اجتماع كبير، عقد في مسجد عمر المختار بحي "الجبيلة"، وجاء الشباب السلفي من كل حدب وصوب ينشدون وحدة الصف والعمل على مقاتلة القذافي تحت راية واضحة الانتماء والتوجه.

كان سفيان بن قومو المعروف باسم "أبو فارس" من أشهر الحاضرين في هذا الاجتماع، إلا أنه خيب آمال الحاضرين بعد أن دُعي لإلقاء كلمة تلخص شيئا من أفكاره ورؤيته للمستقبل، إلا أن بن قومو لم تكن لديه أفكار واضحة، والتف حوله مجموعة من الشباب المراهقين وأعدوا معسكرا للتدريب "بغابة كشاف درنة"، وما لم لبث إلا أن تفرق عنه جزء كبير من الشباب، لأنه ليس صاحب مشروع كما جاء على لسان ممن كانوا معه، واكتفى بعدد لا يتجاوز العشرين من المراهقين الذين لم تتجاوز أعمارهم العشرين.

في ذات الوقت، وقبل وصول قوات القذافي إلى بنغازي، كان التنسيق يجري على قدم وساق لإخراج مجموعة من درنة تقاتل قوات القذافي، وكانت هذه المجموعة بتدبير وتنسيق عبد الحكيم الحصادي، وتم تكليف سالم دربي بقيادة المجموعة. الحصادي لاحقا وبعلاقات شخصية مع محمود جبريل رئيس حزب تحالف القوى الوطنية، أصبح دبلوماسيا في سفارة ليبيا بإندونيسيا.

بعد توسع رقعة المعارك وامتدادها إلى أجدابيا والهلال النفطي، تم تسمية هذه المجموعة رسميا باسم كتيبة "شهداء أبو سليم"، واتخذت من عبارة (التوحيد أولا) شعارا لها، وكان صاحب هذا الشعار "إبراهيم عزوز" العائد من "مالي" الذي توفي إثر حادث سير إبان الثورة، ولابد من الإشارة إلى أن عددا من الجهاديين من مدينة درنة كانوا في مالي وعادوا إلى المدينة قبل اندلاع الثورة بأسبوعين، وترجح المصادر، أن هذه المجموعة عادت لبغية تنفيذ عمليات ضد نظام القذافي.

بالعودة إلى كتيبة شهداء أبو سليم، التي ضمت أغلب المنتمين للتيار الجهادي في المدينة، إلا أن سمة الغلو كانت واضحة بين المنتمين لهذه المجموعة، إلا أن هذا الاختلاف لم يعكر مسار الكتيبة التي كانت الأقوى من ناحية العدة والعتاد والمقاتلين من درنة.

شكل قدوم المستشار مصطفي عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي أول نقطة تحول في تاريخ كتيبة شهداء أبو سليم ومسار العمل التيار الجهادي في درنة، حيث قامت عناصر الكتيبة بحراسة المستشار بعد فتوى شرعية بجواز حراسة عبد الحليل، خشية قتله، ومن ثم الدخول في فتنة لا تحمد عقباها، وخرجت أصوات من داخل الكتيبة تكفر من قام بالعمل، ودعت إلى التحاكم إلى شرع الله في الأمر.

خرج العديد من أبناء التيار الجهادي من الكتيبة، وتفرقوا بين مختلف التيارات، وظلت هذه المسألة حاضرة، في المشهد المحلي بمدينة درنة وتاريخ العمل الجهادي، وزاد الأمر تعقيدا بعد أن صدرت فتوى أخرى بتكفير عناصر الكتيبة، بعد أن وقعوا عقودا مع وزارة الداخلية والدخول إلى اللجنة الأمنية العليا المشتركة، ورغم أن الكتيبة قد عدلت ولم تستمر في عمل اللجنة بسبب اعتراضها على آلية العمل، عدم الالتزام بلوائح مخالفة للشريعة، ظل العديد من عناصر التيار الجهادي، يكفرون الكتيبة وعناصرها ممن سلكوا هذا الطريق.

تشكلت العديد من المجموعات الجهادية الصغيرة، التي عملت على اغتيال رجال الأمن والقضاة والإعلاميين والناشطين. ومن أبرز تلك المجموعات كانت (طلائع الخلافة وكتيبة الموت وكتيبة البراء بن مالك)، وكل منها صدرت عنها بيانات تتبنى عمليات قتل واختطاف.

في ذات السياق، كانت جماعة أنصار الشريعة، تعمل وفق نظام معلوم المنهج، ولديها رؤية واضحة وخطط ثابتة، أن تعمل على الدعوة والإعداد الشرعي والبدني، ومن المهم الإشارة إلى أن أنصار الشريعة تمثل بشكل رئيس تنظيم القاعدة، كما وفد إلى المدينة عدد من المشايخ والأمراء من تنظيم القاعدة من بلدان عدة، لبحث تطوير وتوسيع العمل الجهادي، إلا أن وحدة الصف التي كانوا ينشدونها لم تتحقق.

استمرت عمليات القتل والتفجير في مدينة درنة، وبلغت ذروتها في شهر نوفمبر 2013 بشكل غير مسبوق، وقتل العديد من رجال الأمن والقضاة، وإعلاميين وناشطين وحقوقيين.

في وسط هذا الانفلات الأمني، خرج صوت ينادي بوجوب توحيد الصف، لتحقيق الأمن وجمع الكل تحت راية واحدة، فخرج إلى العلن (مجلس شورى شباب الإسلام) الذي ضم بشكل رئيس المجموعات الجهادية الصغيرة والمتفرقة، بالإضافة إلى أنصار الشريعة، وتم استثناء كتيبة شهداء أبو سليم لأسباب شرعية ذكرت أعلاه.

نجح مجلس شورى شباب الإسلام في بادئ الأمر في جمع كل الجهاديين الذين يعملون في مجموعات صغيرة وينفذون عمليات فردية، من شأنها تقويض الأمن بالمدينة، واتفقوا على إنشاء لجنة لرد المظالم واستتابة المرتدين وتفعيل القضاء الشرعي.

ومع الإعلان عن الخلافة الإسلامية في العراق والشام بزعامة البغدادي، تم حل مجلس شورى شباب الإسلام بعد بيعته لتنظيم الدولة، وليكون بذلك ممثلا للدولة في مدينة درنة، واتخذ التنظيم خطوات على أرض الواقع لإثبات قدرته على تولي تصريف شؤون المدينة، فشكل عدة دواوين فرضت سيطرتها على الحياة العامة للمواطن.

بعد إعلان البيعة في مدينة درنة لتنظيم الدولة الإسلامية، أعلنت مجموعات جهادية أخري في بنغازي البيعة للدولة الإسلامية أيضا، بعض هذه المجموعات لم يدخل في أي تنظيم، وإنما كان يعمل بشكل فرق صغيرة، بينما انشقت مجموعات أخري وأعلنت الولاء للدولة الإسلامية، ويطلق على مجموعات درنة وبنغازي الدولة الإسلامية في ولاية برقة.

ما حدث في مدينة درنة طوال سنين الثورة كان يحدث تمام في مدينة سرت الليبية، إلا أن الأخيرة لم تسلط عليها وسائل الإعلام الضوء بخلاف ما كانت درنة مصدر سؤال وبحث واتهام.

وتٌقسم الدولة الإسلامية في ليبيا إلى ثلاث ولايات، "برقة" و"فزان" و"طرابلس"، ويكون على كل ولاية والي (ليبي الجنسية)، ويعد الوالي أعلى رتبة في الولاية، وتندرج أدنى منه رتب أخرى لا يشترط فيمن يترأسها أن يكون ليبياً.

وتعتمد "الدولة" في ليبيا الآن على تغذية صفوفها بأكبر عدد من المهاجرين الأجانب، لإنشاء جيش مقاتل على غرار ما حدث في سوريا والعراق، حيث يصل العديد منهم من اليمن وأفريقيا والمغرب العربي.

تقول الدولة الإسلامية، إن عقيدتها قائمة على التوحيد والخضوع لله تعالى، وترى بوجوب الشورى بين أهل الحل والعقد بديلا عن الديمقراطية التي تكفر من يؤمن بها، وكل ما يخرج وينبثق عنها من برلمان وحكومة، وتحكم بالردة على أفراد الشرطة والمؤسسات الأمنية والجيش، وترى أن الخلافة واجبة إذا تحققت شروطها، وتنصيب إمام على المسلمين، وإعلان حرب بالإطلاق على الكفار.

بنغازي

ساهم إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر في السادس عشر من أيار/ مايو العام الماضي عن عملية الكرامة العسكرية ضد التنظيمات التي وصفها بـ "الإرهابية" إلى إعادة تموضع تنظيم الدولة نفسه داخل الحرب الدائرة في بنغازي.

ورغم أنه لم يشارك كثيرا في المعارك الدائرة مع قوات اللواء المتقاعد حفتر، إلا أخيرا في محور الصابري، أو يدخل ضمن مكونات مجلس شورى ثوار بنغازي المناهض لحفتر، وذلك بشهادة منتسبين لمجلس شورى الثوار، إلا أنه استطاع جمع أسلحة متوسطة وثقيلة وضم أعداد من الشباب المنتمي للتيار الإسلامي الجهادي، واستجلاب أعداد من الأجانب من عدة دول عربية وأفريقية.

طرابلس

نسب تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية طرابلس قيامه بعدة عمليات في موقع إلكتروني لم يتم التحقق من نسبته له، عن قيامه بعملية اقتحام لفندق كورنثيا في السابع والعشرين من يناير الماضي، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص بينهم أجانب.

وأعلن التنظيم أن هذه العملية كانت بهدف الانتقام من وفاة نزيه عبد الحميد الرقيعي المشهور بأبي أنس الليبي في مشفى بالولايات المتحدة الأمريكية في 3 يناير الماضي بعد خطفه من طرابلس في أكتوبر 2013، وهو ما أثار تساؤلات حول علاقة تنظيم القاعدة الذي تتهم أمريكا أبو أنس الليبي بالانتماء له، وتنظيم الدولة الإسلامية الذي له خلافات فكرية وتنظيمية مع القاعدة.

سرت

اقتحمت مجموعة مسلحة مقر إذاعة مكمداس في سرت، وبثت منها خطبا لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي والناطق الرسمي باسمه أبو محمد العدناني، وأناشيد حماسية مؤيدة للتنظيم.

وفي مدينة سرت انتشر في البداية تنظيم أنصار الشريعة، الذي ينتمي أغلب أفراده إلى مناطق غرب ليبيا، حيث لم يستطيعوا الحصول على تعاطف شعبي أو حاضنة اجتماعية لهم، خاصة في مصراتة.

واختار المنتمون للتنظيمات الإسلامية المتشددة مدينة سرت مقرا لهم، نظرا لضعف وهشاشة المدينة، خاصة أنها خرجت من حرب التحرير في أكتوبر 2011 منهكة، ونزح أغلب سكانها بعد الحرب، وتُعد خالية من الأسلحة الثقيلة أو معسكرات بها قوات نظامية، فتحولت سرت إلى ساحة سباق بين تنظيم أنصار الشريعة، وتنظيم الدولة الإسلامية، وكتائب من مصراتة غرب سرت 200كم.