تشير هزيمة
الدولة الإسلامية في
كوباني وانتكاسات أخرى في
سوريا إلى أن التنظيم يتعرض لضغط، لكنه لا يزال بعيداً عن الانهيار في الشق السوري من أرض الخلافة التي أعلنها.
يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتابع الحرب في سوريا، إن معارك عين العرب (كوباني) التي استمرت أربعة أشهر، والتي حقق فيها المقاتلون الأكراد المدعومون بالغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة نصراً كبيراً كبدت التنظيم 2000 مقاتل.
وبعيداً عن الأضواء خسرت الدولة الإسلامية أرضاً أمام القوات الحكومية السورية والقوات الكردية السورية في أماكن أخرى.
ويقول خصوم "الدولة" إن هناك بوادر لم يسبق لها مثيل على اضطراب تنظيمي في صفوفه. وتقول تقارير إن فرض التجنيد الإجباري في المناطق الخاضعة له، ربما كان دليلاً على نقص في الرجال في الوقت الذي يقاتل فيه التنظيم في كل من سوريا والعراق.
لكن الطريق لا يزال طويلاً قبل أن تتحول الدفة بحسم ضد الدولة الإسلامية، التي تواجه في سوريا ضغطاً عسكرياً أقل من الذي تواجهه في
العراق.
ما تزال الدولة الإسلامية تفرض قبضة قوية على محافظة الرقة معقلها في سوريا، وكذلك على الأراضي الممتدة إلى الشطر العراقي من أرض الخلافة المعلنة.
وربما ترد الدولة على هزيمة كوباني بفتح جبهات جديدة في سوريا. وما تزال قدرته كبيرة عل شن حرب نفسية، ويؤكد ذلك الفيديو الذي نشره لحرق الطيار الأردني الذي كان يحتجزه.
ومع ذلك كانت الهزيمة في كوباني أول نكسة كبيرة للدولة الإسلامية في سوريا منذ بسطت قبضتها بسرعة على الأراضي التي سيطرت عليها بعد الاستيلاء على مدينة الموصل العراقية في حزيران/ يونيو العام الماضي.
وقال الليفتنانت كولونيل توماس جيليران وهو ضابط في الجيش الأمريكي ومسؤول إعلامي في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية، إن "التنظيم دفع ثمناً كبيراً جداً في كوباني."
ومضى قائلاً: "خارج كوباني هناك بالفعل مناطق كثيرة في سوريا ليس للدولة الإسلامية في العراق والشام منافس فيها بقوات على الأرض. مع ذلك هناك مناطق كثيرة أيضاً يتعرضون فيها في الحقيقة لضغط من قوات النظام السوري والعناصر الكردية وجماعات معارضة أخرى داخل سوريا."
ويضاف إلى هذا الضغط أن تمويلات الدولة الإسلامية يعتقد أنها تتراجع بسبب الانهيار العالمي لأسعار النفط، ويعتمد التنظيم جزئياً في التمويل على بيع النفط المنتج في المناطق الخاضعة لسيطرته.
* مواقع دفاعية
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الدولة الإسلامية خسرت خارج كوباني في الآونة الأخيرة أرضاً أمام القوات الحكومية السورية قي معركة مهمة قرب قاعدة جوية في محافظة دير الزور.
وقال المرصد ومسؤول كردي إن "الدولة" خسرت أرضا أيضاً، أمام القوات الحكومية والقوات الكردية في محافظة الحسكة الواقعة في شمال شرق البلاد وهي محافظة متاخمة للعراق.
وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) الجمعة إن الجيش السوري بسط سيطرته في أحدث معاركه مع الدولة الإسلامية على 16 قرية، وقتل أعداداً كبيرة من مقاتلي التنظيم.
وقال ناصر حاج منصور المسؤول في هيئة الدفاع الكردية في شمال شرق سوريا، إن المسلحين يولون الأدبار في مواقع دفاعية وإن هجماتهم في المنطقة خلال الشهر الماضي كانت غير منظمة على غير العادة.
وقال "هذا لا يعني أنه فقد قوته كلها، لكنه ليس على مستوى الضراوة التي كان عليها من قبل."
ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إن "التنظيم نشر كل ترسانته في معركة كوباني ومنا مفجرون انتحاريون في عربات مدرعة. وكان دور الدعم الجوي الأمريكي ومقاتلي البشمركة الأكراد حاسماً في مساعدة وحدات حماية الشعب على استعادة المدينة".
ولا توجد لكوباني أهمية استراتيجية تذكر لكن المعركة من أجلها التي غطتها وسائل الإعلام الدولية بكثافة من داخل الحدود التركية الملاصقة للمدينة، صارت نقطة مركزية في الحرب على التنظيم المتشدد في سوريا.
وقال مقاتلان من الدولة الإسلامية عبر سكايب إن انسحاب التنظيم من كوباني تكتيكي.
الدولة الإسلامية واقعة تحت ضغط أكبر في العراق حيث ما تزال تسيطر على الموصل والكثير من محافظة الأنبار، لكن قوات البشمركة كثيفة التسليح استعادت مساحات كبيرة من الأرض في أماكن أخرى.
وقال أحد المقاتلين إن "الهجمات الأخيرة في مصر أظهرت أن التنظيم يوسع نطاق وجوده".
وأضاف المقاتل الذي رفض ذكر اسمه "بعض وحدات جيش الدولة الإسلامية تتحرك من سوريا إلى العراق والعكس."
وضربت الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة مقاتلين للدولة الإسلامية ومعدات لها خلال الانتقال من سوريا إلى العراق، وضربت أهدافاً أخرى في الحسكة وغيرها.
وقال الأردن إنه أرسل عشرات المقاتلات لقصف أهداف للدولة الإسلامية في سوريا أمس الخميس، وقال، إنها مجرد بداية انتقام لمقتل الطيار.
ووصف المرصد السوري لحقوق الإنسان الغارات بأنها الأعنف من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة منذ بداية العام، لكن يعتقد على نطاق واسع أن القوات البرية ضرورية للقضاء على التنظيم.
وقال أحد قادة المعارضة المسلحة الذي عملت قواته في محافظة دير الزور التي تربط الرقة بالعراق قبل أن تطردها الدولة الإسلامية إن "التنظيم شدد قبضته على المحافظة".
لكن ظهرت جيوب مقاومة في شكل مجموعات صغيرة، تشن هجمات على غرار الكمائن ضد مقاتلي الدولة الإسلامية.
وما تزال الحكومة تسيطر على القاعدة الجوية تدعمها ميليشيات متحالفة معها، استولت على أرض من الدولة الإسلامية في الآونة ألأخيرة حول القاعدة.
* تجنيد إجباري
ووصف شخص شارك في المعارك الأخيرة ضد الدولة الإسلامية في دير الزور الهجمات الانتحارية غير المبررة، التي نفذها ستة على الأقل من مقاتلي "الدولة" على تحصينات لا يمكن اختراقها، وقال إنهم يفتقرون إلى هيكل قيادي.
وأضاف المقاتل "كنا مدهوشين ومتفاجئين مما يفعلون؛ إذ إنه لا يمكن أن تفجر نفسك بساتر. ما الهدف؟"
في الوقت نفسه قال القيادي بالمعارضة المسلحة والمرصد السوري لحقوق الإنسان، إن التنظيم شن حملة تجنيد إجباري في دير الزو. وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد "هذا يظهر نقصاً".
سير المعركة في سوريا كما في العراق معلق على قدرة أعداء التنظيم على هزيمته في المناطق العربية السنية التي يتحصن فيها أكثر من غيرها.
ولتحقيق ذلك تعتزم الولايات المتحدة تسليح وتدريب أعضاء المعارضة المعتدلة للرئيس بشار الأسد،لكن ما يزال يتعين عليها أن تبدأ. وهناك الكثير من الأسئلة حول كيف ستمضي قدماً؛ إذ إن جماعات المعارضة غير الجهادية هي الأضعف بين أطراف الصراع كلها.
واستبعدت واشنطن التعاون مع الأسد رغم أن هناك تعاوناً غير مباشر، باعتبار أن الجانبين شريكان في المجال الجوي الذي يستخدم في قصف الدولة الإسلامية.
أظهرت وحدات حماية الشعب الكردية وهي شريكة للولايات المتحدة في مقاتلة الدولة الإسلامية صلابة في القتال ضد التنظيم، لكن يرجح أن تكون قوتها قليلة الأثر خارج المناطق الكردية.
وقال دبلوماسي غربي كبير إنه يجب تجنب المبالغة في الانتكاسات الأخيرة للدولة الإسلامية. لكنه أضاف "لا شك أن أيام طيش الدولة الإسلامية في العراق والشام ولت."
وقال دبلوماسي آخر إن الدولة الإسلامية قادرة على إعادة تجميع قواتها وفق إمكانياتها في المناطق العربية السنية. وأضاف "الدولة الإسلامية في موقف دفاعي.. إنها مفككة مثل قطرات الزئبق التي انفصل بعضها عن بعض. لكن يمكنهم أن يتجمعوا من جديد."