ستيف كوك: الضباط المصريون لا يثقون بالولايات المتحدة وأهدافها في بلدهم - أرشيفية
بلغ عدد قتلى الجيش المصري منذ تصاعد وتيرة العمليات التي أعلنت عنها الجماعة المعروفة باسم أنصار بيت المقدس 190 قتيلا، وهو أعلى رقم يتكبده الجيش المصري منذ انقلاب عام 2013.
وفي آخر عملية لأنصار بيت المقدس، التي سجلها على الفيديو ونفذها في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، وقتل فيها 30 جنديا مصريا، وقد سجل التنظيم، الذي أعلن في تشرين الثاني/ نوفمبر ولاءه للدولة الإسلامية في العراق والشام، تفاصيل العملية والتي أرفقها بأناشيد إسلامية، وسجل الاشتباكات والآثار التي تركتها العملية لاحقا من جثث متفحمة ودبابات محروقة ومدمرة بين أشجار النخيل، حيث كانت تقع نقطة الجيش المصري التي هوجمت.
ويرى ستيف كوك، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"، أن الأزمة الجارية في شبه صحراء سيناء تزيد من خطورتها الأزمة التي تتجمع للغرب منها في ليبيا المتفجرة، ما يعني أن مصر قد تواجه تمردين على جبهتين.
لم ينجحوا
ويقول الكاتب إنه لا يوجد ما يوحي بأن شيئا مما عمله المصريون قد نجح، بما في ذلك سياسة الأرض المحروقة في الرد على الهجمات الإرهابية وتفريغ القرى من أهلها بشكل كامل، وهي سياسات تسير ضد المبادئ الأساسية لحرب مكافحة التمرد.
ويضيف أنه حتى يتم تحقيق انتصار على الجهاديين في مصر فأنها تحتاج من الولايات المتحدة ردا مختلفا عن الرد الذي تنفذه الآن في العراق، الذي قررت الولايات المتحدة أن تنشر فيه ثلاثة آلاف جندي ومستشار عسكري، وتقوم بضرب مقاتلي الدولة الإسلامية من الجو. ويحدد هذا بأمرين المال والثقة.
ويبين كوك الصورة الساخرة/ الكاريكاتيرية عن الجيش المصري بأنه مجموعة من الضباط يركزون جهدهم وتفكيرهم على شراء دبابات "إم1 إي1" ومقاتلات "إف-16" من الولايات المتحدة، وهنا طبعا حقيقة في هذا التصوير، فالولايات المتحدة تحاول، وطوال العقد الماضي، دفع المصريين باتجاه تغيير عقيدتهم القتالية وتكييفها للاستجابة لما تدعوها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) "تهديدات القرن الحادي والعشرين"، مثل الإرهاب وخطر انتشار أسلحة الدمار الشامل. إلا أن المسؤولين الأمريكيين لم ينجحوا كثيرا في إقناع المصريين بتغيير الاتجاه.
ويشير التقرير إلى أن برقيات وزارة الخارجية، التي سربتها ويكيليكس، تكشف كيف وقف المسؤولون العسكريون المصريون في وجه جهود نظرائهم الأمريكيين، وعلى ما يبدو صدقت الكليشية القديمة عن المؤسسة العسكرية المصرية التي تفضل خوض آخر حروبها بالطريقة ذاتها التي خاضتها قبل 41 عاما.
تغيير العقيدة القتالية
ويعتقد الكاتب أنه بعيدا عن عناد القاهرة الظاهر، إلا أن الموقف مرتبط أكثر بالرغبة اللاعقلانية والمتعطشة للحصول على معدات عسكرية جديدة. وقد قال ضابط أثناء نقاش خاص حول العقيدة القتالية المصرية: "أي جيش سيكون لدينا إن لم تكن لدينا طائرات ودبابات؟ لا نريد أن نكون قوة جندرمة/ شرطة".
ويوضح كوك أنه مما لا شك فيه أن الضابط كان يحاول تجنب موضوع يفضل الضباط المصريون عدم مناقشته، ولكنه يكشف عن عدم ثقة الضباط العميقة بالولايات المتحدة وأهدافها في مصر.
ويتابع أنه بعد أكثر من عقد شهد توترا بين واشنطن والقاهرة، ما يحتاجه الضباط هو أن يحصلوا على تأكيدات من الولايات المتحدة بدعمهم، وأفضل ما يعبر عن هذا الدعم هو تزويدهم بطائرات "إف-16" وأباتشي ودبابات متقدمة.
ويجد الكاتب أنه حتى تفعل الولايات المتحدة أمرا يبدد شكوكهم، فلن تحقق أي شيء مع المصريين في القضايا المتعلقة بسيناء وأمن الحدود التي تضر بمصالح البلدين.
ثقة مفقودة
ويقول كوك إنه من الصعب استيعاب حقيقة عدم ثقة الضباط المصريين بواشنطن. فمنذ السبعينيات من القرن الماضي أنفق دافعو الضرائب الأمريكيون 40 مليار دولار أمريكي على وزارة الدفاع المصرية. وعندما نشر المصريون 35 ألف جندي في السعودية عام 1990، للمشاركة في عملية "عاصفة الصحراء"، قامت إدارة الرئيس جورج بوش مع الدائنين العرب لمصر بإلغاء عشرين مليارا من الديون المستحقة على مصر.
وتلفت المجلة إلى أن واشنطن أٌقنعت "نادي باريس" بإعفاء مصر من دفع 10 مليار دولار أخرى أو نصف الديون المستحقة على مصر للدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا واليابان. وعندما خاضت مصر في التسعينيات من القرن الماضي حربا ضد الإرهاب وقفت الولايات المتحدة إلى جانب مصر.
وفي الحالات التي حاولت فيها الولايات المتحدة فرض عقوبات على مصر فإنها فعلتها بطريقة لا تؤثر على أمن المصريين.
ويذكر كوك أنه قد يكون الرئيس باراك أوباما قد علق تسليم مصر عشرين طائرة "إف-16" وعشر مروحيات أباتشي ومئة وخمس وعشرين دبابة "إم1 إي1" وعشرين صاروخا من نوع "هاربون" في الأيام التي أعقبت الانقلاب على حكومة محمد مرسي، ولكن هذا القرار لم يترك إلا أثرا هامشيا على قدرة مصر لمحاربة الجهاديين في سيناء. وفي الوقت الذي سلمت فيه الولايات المتحدة مصر مروحيات الأباتشي، إلا أن "إف-16" والدبابات وصواريخ "هاربون" لا تزال في المخازن.
ويضيف الكاتب أنه "حتى لو كانت هذه المعدات مهمة لعمليات مكافحة التمرد وهو أمر محل نقاش، إلا أن المصريين لديهم الكثير منها. فتعد مصر رابع دولة في العالم تمتلك عدد مروحيات "إف-16"، حيث بحوزتها 220 طائرة، ولديها العشرات من مروحيات أباتشي وأسطول من الدبابات.
ومع ذلك وبناء على الدعم الأمريكي السابق فلدى المؤسسة العسكرية أسباب جيدة لتشك في الولايات المتحدة.
لم تعد تكفي
ويجمل الكاتب هذه الأسباب بالآتي:
أولا، صحيح أن الجميع يحلو لهم وصف الدعم الأمريكي لمصر بالكريم، لكنه بطيء ومكلف للمصريين. فالمبلغ الذي خصصته الولايات المتحدة لمصر، وهو 1.3 مليار منذ عام 1987، إلا أنه لا يمثل إلا نصف قيمته الأصلية بسبب التضخم. وعليه فلا تستطيع مصر شراء ما تريده مثلما كانت تفعل في السابق.
ثانيا: بالمقاييس كلها فإن التعاون الاستراتيجي بين مصر وإسرائيل هو الأفضل منذ عام 1979، أي عند توقيع معاهدة السلام، إلا أن المصريين طالما عبروا عن غضبهم من المعاملة التفضيلية التي تعامل فيها واشنطن إسرائيل، فالأسلحة التي تمنحها لهم، أي المصريين، تظل أقل قيمة مما يستطيع الإسرائيليون شراءه. مثلا قد تبدو طائرات "إف-16" متشابهة، إلا أن الإلكترونيات المتوفرة في الطائرات الإسرائيلية تجعلها أكثر قدرة من تلك المرسلة للمصريين.
ويرى كوك أنه بعيدا عن تفاصيل الدعم العسكري فالمؤسسة العسكرية المصرية لم تفهم سبب لومها على الديكتاتورية التي حكمت من خلالها مصر، حتى قبل انتفاضة عام 2011، التي أطاحت بحكم حسني مبارك.
عندما تغير الأمريكيون
ويبين الكاتب أنه بدءا من جورج دبليو بوش وإدارته توصلت قيادة الجيش المصري والنخبة المصرية بشكل عام لنتيجة أن الولايات المتحدة لم تعد مخلصة للنظام الذي كان سائدا. وتأكدت هذه الشكوك عندما حدثت الثورة وتكيفت الولايات المتحدة مع انتصارات الإخوان المسلمين في صناديق الاقتراع. وجاء قرار باراك أوباما بتعليق تسليم المساعدات العسكرية بعد انقلاب رئيس الجيش عبد الفتاح السيسي، الذي أطاح في تموز/ يوليو 2013 بمرسي، لتتصلب مواقف الضباط المصريين أكثر.
ويمضي الكاتب بالقول: إن الضباط المصريين يرفضون الاعتراف بحقيقة أنهم كانوا المستفيدين والداعمين الرئيسيين للنظام غير الديمقراطي، ولكنهم لم ينسوا رفض واشنطن بأن سياساتها أنتجت تشددا، وجعلت الولايات المتحدة هدفا للإرهابيين، ولكنها، أي واشنطن، تواصل تقديم المحاضرات للمصريين وتقرعهم على نتائج سياساتهم التي جلبت الدمار والموت.
بالطبع، كما يقول الكاتب، هناك قمع ودينامية تصنع تشددا وتسهم في العنف الذي يحاول المسؤولون في القاهرة قصدا تجاهله، ولكن النفاق والإصلاح الذاتي الموجه من الأمريكيين يظهر للمصريين أن واشنطن لم تعد ملتزمة بمصر كما كانت في الماضي. وليس صعبا التوصل لهذه النتيجة، خاصة أن أساس العلاقات إما لم يعد موجودا، والذي كان يقوم على احتواء الاتحاد السوفييتي السابق واستخدام مصر قاعدة في حال نشأت أزمة في الخليج الفارسي، أو أنها لم تعد ملحة ومهمة كما كانت في العقود السابقة، للتأكد من استمرار معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية.
ويذهب التقرير إلى أن العلاقات المتغيرة مع واشنطن تدفع وزارة الدفاع المصرية لتعاون وتنسيق وثيق مع الإسرائيليين والإماراتيين وتتجه كذلك لمغازلة الروس، وهو أمر مثير للقلق.
ويعتقد الكاتب أن العلاقات الأمريكية- المصرية ستستمر بالتغير، فالمنطق الذي قامت عليه خلال العقود الثلاثة الماضية لم يعد قويا كما كان. والطبيعة القمعية التي يحكم من خلالها السيسي أدت إلى توتر العلاقات أكثر مع واشنطن.
أعطوهم المال
ويرى كوك أنه رغم هذا كله، إلا أن هناك قضايا أمنية تهم وتؤثر على مصالح البلدين، وبينها استمرار الملاحة البحرية في قناة السويس وقمع الجماعات الجهادية في سيناء والحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل. وهذا كله يحتاج لدرجة من الثقة بين واشنطن والقاهرة. والطريقة الوحيدة لإقناع المصريين بأن الولايات المتحدة تقف معهم وبقوة ضد الإرهاب هي تزويدهم بالمال.
ويواصل الكاتب بأن هذا قد يكون تفكيرا منحرفا، لأنه منحرف بالفعل. فمن أجل دفع المصريين للتعامل مع مشكلة الإرهاب بطريقة فاعلة، وهذا يصب في مصلحة القاهرة أيضا، فيجب على واشنطن تخصيص أموال أكثر لدعم مصر عسكريا. فرزمة المساعدة العسكرية تأتي ضمن المساعدة التي تبلغ 1.3 مليار دولار، ما يقلل من فاتورة شراء المعدات ذات السعر العالي مثل الدبابات والطائرات. وعليه فواشنطن بحاجة لإظهار التزامها لمساعدة المصريين في معالجة الأزمة الأمنية من خلال زيادة رزمة المساعدات المالية، وإضافة مساعدات مالية جديدة تخصص فقط لمكافحة التمرد؛ أي تزويدهم بالتكنولوجيا والتدريب والاستشارة. وبناء عليه فسيحصل المصريون على الدبابات والطائرات، ولن يخشوا من تحول جيشهم إلى قوة شرطة.
وتذكر المجلة أن هناك تحالفا لمكافحة الإرهاب ومؤيدين لإسرائيل ولوبي الصناعة العسكرية سيكونون سعداء لو عادت العلاقات العسكرية مع مصر كما كانت في الماضي.
ويجد الكاتب أنه رغم هذا كله ففكرة زيادة المساعدة المالية لمصر من الصعب هضمها، ويتساءل "كيف نعطي أموالا إضافية لقيادة سجنت عشرات الآلاف، وقتلت ما بين 1000 – 2500 شخص، وتقيد حرية التعبير، وتجبر المعارضة على منفى اختياري، وهذا كله باسم مكافحة الإرهاب؟".
معضلات
ويظهر التقرير أن النقاد سيقولون إن تقديم دعم للجيش المصري سيكون أسوأ عودة العلاقات الأمريكية - المصرية لما كانت عليه في عهد مبارك. وهي نقطة صحيحة؛ لأن أمريكا ستظهر بمظهر من تكافئ السيسي على قمعه.
وفي الوقت ذاته يبرر الداعمون لفكرة الدعم العسكري بأنها طريقة لدفع النظام كي يغير أسلوبه، ولا يلتفتون كثيرا للدينامية السياسية - شعبية السيسي، وتفكيك قطاع كبير من المجتمع المصري ووقفه عن النشاط والتحرك، والتعاون العسكري القوي بين مصر وإسرائيل، وهو ما سيؤدي لفشل المدخل إن لم يؤد لنتائج سلبية، بحسب المجلة.
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لا توجد إجابات سهلة لهذه المعضلات كلها، ولكن علينا التذكر أن قدرة واشنطن لدفع النظام لتغيير تصرفاته أثبتت مرة بعد مرة أنها محدودة. وبالإضافة لنشر الديمقراطية جعلت الولايات المتحدة التصدي للإرهاب أهم معالم سياستها الخارجية في السنوات الـ 13 الماضية، وفي هذه القضية -الإرهاب- يمكن أن تترك الولايات المتحدة شيئا مفيدا، هذا إن كانت مستعدة لدفع الثمن".