وصف مراسل صحيفة "فايننشال تايمز" بورزو دراغي، تظاهر مئة ناشط في الرباط أمام البرلمان
المغربي ساعة الغروب، حيث كانوا يحملون شعارات تدعو لحريات أكثر وحريات مدنية، بأنه مشهد لا يمكن تخيله في أي بلد عربي آخر.
وكتب دراغي عن الأثر الذي تركه صعود تنظيم
الدولة الإسلامية على طبيعة
الحريات في المغرب. ونقل عن محمد رشيد المعويني، الذي يعمل في وزارة الأرصاد الجوية، والذي شارك في التظاهرة الصغيرة، قوله: "نستطيع تنظيم مظاهرات مثل هذه والتعبير عن أنفسنا".
وتستدرك الصحيفة بأن الكثيرين يعبرون عن مخاوفهم من أن هذه الحرية، التي حققها المجتمع المدني والناشطون في مجال
حقوق الإنسان، بدأت بالتراجع، حيث تستخدم السلطات الأمنية في البلاد التهديدات النابعة من خطر الجهاديين، خاصة الدولة الإسلامية لتقييد مساحة التعبير السياسي في البلاد.
وينقل التقرير عن محلل يعمل في مؤسسة دولية قوله: "رغم أن التنظيم لا وجود له هنا، إلا أن الحكومة المغربية استخدمت قضية (داعش) بشكل مستمر، وقامت بعدة اعتقالات لشبكات تقوم بالتجنيد، ولكن لا توجد هناك أي إشارات على الأرض لجماعات مرتبطة بالتنظيم".
ويقول الكاتب إن الناشطين يشعرون بالحزن جراء ازدياد اللامبالاة العامة من غياب الإصلاح الديمقراطي، الناجم في معظمه عن صعود الدولة الإسلامية والنزاعات الإقليمية التي تحصل على نصيب الأسد من نشرات الأخبار التلفازية.
ويشير التقرير إلى أن عدد المغاربة المشاركين في الدولة الإسلامية يقدر بحوالي 2000 شخص، إلى جانب مئات الشبان الأوروبيين من أصول مغربية ممن ولدوا ويعيشون في أوروبا.
وتنقل الصحيفة عن خديجة الريادي من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قولها: "يعد المغرب مثالا جيدا مقارنة مع سوريا أو حتى المنطقة كلها"، مضيفة أن "النظام المغربي يقوم باستخدام ورقة الاستقرار كي لا يحترم تماما حقوق الإنسان أو التطلعات الديمقراطية".
ويجد الكاتب أنه على خلاف الأنظمة في تونس وليبيا وسوريا، قامت الملكية المغربية، التي تمتد جذورها إلى قرون، بالسماح لتظاهرات جماهيرية نظمها تحالف أطلق على نفسه اسم حركة 20 فبراير بعد ثورتي كل من مصر وتونس. وبعد ذلك أعلن الملك محمد السادس عن التزامه بالإصلاحات الدستورية، التي قادت في النهاية لانتخابات برلمانية فاز فيها حزب إسلامي معتدل.
ويلفت التقرير إلى أن الآمال بمضي المغرب على طريق الإصلاحات حد منها تزايد عدم الاستقرار في المنطقة، وصعود الجماعات الجهادية، وبينها تلك المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في منطقة شمال أفريقيا.
ويبين دراغي أن المدافعين عن النظام السياسي في المغرب يقولون إن الدولة قامت منذ عام 2011 بمحاولات صادقة لتحقيق الإصلاح وتطبيق الدستور الجديد، مشيرين إلى أن تقدما حقيقيا قد حصل في مجال الإصلاح. ويجدون أن الرأي العام يفضل الاستقرار على الديمقراطية.
وتعرض الصحيفة لرأي كريم العيناوي، المدير العام لشركة مملوكة من الحكومة "أو بي سي"، الذي يقول: "لديك شرق أوسط الأوضاع لا تسير فيه بشكل حسن، يظهر البرابرة المجانين على السطح، ولا يوجد تقدم على مسار النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ولم تحل مشكلة سوريا، أما ليبيا فهي في حالة فوضى، كل هذا يجعلك ممتنا للاستقرار الذي تعيشه".
ويقارن الكاتب بين الدينامية في المغرب التي تفضل الاستقرار على الديمقراطية بالوضع في الأردن، الذي يقع بين حروب في العراق وسوريا ولبنان وإسرائيل. فالملكية في الأردن حظيت بثناء للسماح بنشوء ثقافة سياسية نشطة نسبيا. إلا أنه الآن يقوم بقمع المعارضة، وسجن نائب المراقب العام للإخوان المسلمين، وأنهى قرارا بتأجيل حكم الإعدام بشنق 11 شخصا بتهم القتل.
وتذكر الصحيفة أن النظام القضائي المغربي تعرض للمراقبة والتدقيق، عندما تم تقديم عدد من الناشطين المدنيين إلى محكمة عسكرية رغم حظر الدستور لهذا الأمر. ولم يتم الوفاء بالوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها وضمان حرية الإعلام.
وأشارت الصحيفة إلى تقرير أعده فريدم هاوس (بيت الحرية)، وجاء فيه: "لم تف الحكومة المغربية بوعدها بتوسيع حرية الصحافة عام 2013، ولم يكتمل قانون الإصلاح خلال العام"، ولاحظ التقرير أن "القيود غير الرسمية لا تزال في مكانها، وتثبط من عزم من يريد تغطية الموضوعات الحساسة سياسيا واجتماعيا، فيما لا تزال الدولة تستخدم القوانين المقيدة لملاحقة الصحافيين ومصادرهم".
ويفيد دراغي أن الناشطين في المغرب يقولون إن المساحة للنقاش السياسي أصبحت مقيدة أكثر. فالنقاش مثلا حول وضع الصحراء الغربية يعد خطا أحمر، رغم كلفته المالية. وترفض الأمم المتحدة الاعتراف بها، وهي أساس الخلافات التي تمتد لعقود مع الجارة الجزائر. ويقول إبراهيم أنصار، الباحث في منظمة هيومان رايتس ووتش: "أصدر الملك إنذارا نهائيا، وقال فيه: إنْ لم تؤمن أن الصحراء الغربية هي أرض مغربية فأنت لست مغربيا". مضيفا "يعتقدون أن بإمكانهم فعل هذا نظرا لعدم وجود معارضة قوية".
وتختم الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لا تزال الهدف الرئيسي لقوات الأمن. ويقول ناشطون إنهم تحدثوا عن مواجهاتهم مع الأمن لصحافيين لهم علاقة "بالمخزن" أو القصر، حيث اتهمهم الأمن باختلاس الأموال التي حصلوا عليها من منظمات غير حكومية، وأنهم حصلوا على دعم من الجزائر وجبهة البوليساريو، بحسب الريادي.