(1)
يشكل كتاب الدولة اليهودية لتيودور هرتزل 1860: 1904 والذي نُشر في أوخر حياته "1896" ركنا هاما في تشكيل الفكرة الصهيونية بتطرفها وعنصريتها وإجرامها، رغم أنه حتى لم يكن يتقن العبرية، والكتاب يحتاج للمتابعة والتأمل لما فيه من الدأب والإيمان بالقضية -على جُرمها- وكذلك التحضير والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة حتى يخرج التصور في أكمل صورة ممكنة.
(2)
تسربت وثائق عسكرية فرنسية لألمانيا "العدو في ذلك الوقت" فتم اتهام النقيب بالجيش الفرنسي ألفريد دريفوس بالخيانة وهو يهودي الجنسية، ولم يثبت أي دليل على اتهامه، وبعد عامين 1896 اكتشف الكولونيل جورج بيكار الخائن الحقيقي، إلا أن الجيش نفى بيكار وأثبت التهمة على دريفوس وبرّأ من سرب الوثائق.
بعد اثني عشرة عاما تمت تبرئة دريفوس بعد انقسام حاد في المجتمع الفرنسي واقتتال بين مؤيدي دريفوس ومعارضيه ليسدل الستار على واحدة من أهم القضايا السياسية والاجتماعية والعسكرية بتاريخ فرنسا.
قضية دريفوس أثرت كتيرا على هرتزل -الذي حضر المحاكمة بباريس ومات قبل الحكم بالبراءة بعامين- لتجلي معاداة أوروبا لليهود فيها، أو كما يحبون تلقيبها بـ "معاداة السامية".
(3)
يرى هرتزل أن المخطط القائم يشمل قوة دافعة موجودة بالفعل ينبغي توظيفها، تلك القوة هي ما وصفها بـ "مأساة اليهود"؛ ففي البلاد التي عاش فيها مواطنون يهود لقرون مازالوا ينعتون فيها بالغرباء، بالإضافة للحملات في البرلمانات والصحافة والشوارع وكذلك التشريعات ببعض المدن وأحكام الإعدامات التي صدرت ضد بعضهم، وكذلك منعهم من ارتياد بعض الأماكن العامة التي تعرف بـ "نخبة الشرائح الاجتماعية" كالنوادي وأماكن الاستجمام.
هذا الاضطهاد وغيره من الفقر والضيق قد يسبب اليأس إلا أنه كان يرى أن "القليل من اليأس لا غنى عنه في تحقيق المهام الكبرى".
(4)
رأى هرتزل أن الاستيطان يحتاج في البداية لأصحاب الحرف غير المهرة والدرجات الأكثر فقرا؛ فالأولون للقيام بتمهيد الطرق وقص الأشجار والقيام بالحرف الشاقة التي لا تحتاج للمهارة، وكلا الفئتين تحتاجان إلى تحسين المستوى والارتقاء بالدخول، وتلك الأسبقية بالذهاب لأرض اليهود ستكون من أسباب ذلك الترقّي، وبعد ذلك تلحق بهم الجماعات الأكثر مهارة ودخلا وهكذا.
الفكرة التي يقوم عليها الوطن المنشود لهم أنه وطن قومي لليهود، وهذا الاعتبار الديني للدولة جعله يضع في تصوره عن المجموعات المستعمِرة أنها تذهب برئاسة حبر من الأحبار ويكون لهم لقاء دوري معه، وكل رسائل الحشد تصل عبره، وكذلك سيتم اعتبار المجموعات المحلية تحت رئاسة حبر لكل مجموعة منهم لمناقشة الشئون المحلية والفصل فيها، ورغم تلك الوظيفة شدد على أهمية بقاء الأحبار في معابدهم وألا يتجاوزوا دورهم الديني ليسيطروا على إدارة الدولة، وكذلك بقاء الجيش في ثكناته.
تجدر الإشارة أن الجدل بالكيان "الإسرائيلي" عن كونهم دولة دينية أو علمانية يتجدد كل فترة وإن كان الصخب حوله أكثر في السنوات الأخيرة، وربما جدده مشروع قانون يهودية الدولة الذي تمت إثارته في الآونة الأخيرة.
أما العمل فرأى تحديده بسبع ساعات فقط حتى يقدر العامل على الإنتاج، ولا يُسمح بالعمل الإضافي إلا بشهادة من طبيب ولا يزيد ذلك على ثلاث ساعات فقط، وكذا يتم منع النساء الحوامل من العمل، حتى تنشا الأجيال المستقبلية من "رجال ونساء أقوياء".
(5)
ما صاغه هرتزل في كتابه كان دعوة لرفع الظلم عن طائفته ولو على حساب شعب وأمة أخرى، فكانت المجازر التي تعاقبت على كل بقعة وطأتها أرجل مستعمري ومغتصبي الأرض، والدم الذي بيننا وبينهم لا يمحوه وصف بـ "الجيرة" أو "السلام"، بل يبقى الدم دما ويبقى العدو والغاصب عدوا ولو طالت بيننا وبينهم "الهدنة".
يشكل كتاب الدولة اليهودية لتيودور هرتزل 1860: 1904 والذي نُشر في أوخر حياته "1896" ركنا هاما في تشكيل الفكرة الصهيونية بتطرفها وعنصريتها وإجرامها، رغم أنه حتى لم يكن يتقن العبرية، والكتاب يحتاج للمتابعة والتأمل لما فيه من الدأب والإيمان بالقضية -على جُرمها- وكذلك التحضير والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة حتى يخرج التصور في أكمل صورة ممكنة.
(2)
تسربت وثائق عسكرية فرنسية لألمانيا "العدو في ذلك الوقت" فتم اتهام النقيب بالجيش الفرنسي ألفريد دريفوس بالخيانة وهو يهودي الجنسية، ولم يثبت أي دليل على اتهامه، وبعد عامين 1896 اكتشف الكولونيل جورج بيكار الخائن الحقيقي، إلا أن الجيش نفى بيكار وأثبت التهمة على دريفوس وبرّأ من سرب الوثائق.
بعد اثني عشرة عاما تمت تبرئة دريفوس بعد انقسام حاد في المجتمع الفرنسي واقتتال بين مؤيدي دريفوس ومعارضيه ليسدل الستار على واحدة من أهم القضايا السياسية والاجتماعية والعسكرية بتاريخ فرنسا.
قضية دريفوس أثرت كتيرا على هرتزل -الذي حضر المحاكمة بباريس ومات قبل الحكم بالبراءة بعامين- لتجلي معاداة أوروبا لليهود فيها، أو كما يحبون تلقيبها بـ "معاداة السامية".
(3)
يرى هرتزل أن المخطط القائم يشمل قوة دافعة موجودة بالفعل ينبغي توظيفها، تلك القوة هي ما وصفها بـ "مأساة اليهود"؛ ففي البلاد التي عاش فيها مواطنون يهود لقرون مازالوا ينعتون فيها بالغرباء، بالإضافة للحملات في البرلمانات والصحافة والشوارع وكذلك التشريعات ببعض المدن وأحكام الإعدامات التي صدرت ضد بعضهم، وكذلك منعهم من ارتياد بعض الأماكن العامة التي تعرف بـ "نخبة الشرائح الاجتماعية" كالنوادي وأماكن الاستجمام.
هذا الاضطهاد وغيره من الفقر والضيق قد يسبب اليأس إلا أنه كان يرى أن "القليل من اليأس لا غنى عنه في تحقيق المهام الكبرى".
(4)
رأى هرتزل أن الاستيطان يحتاج في البداية لأصحاب الحرف غير المهرة والدرجات الأكثر فقرا؛ فالأولون للقيام بتمهيد الطرق وقص الأشجار والقيام بالحرف الشاقة التي لا تحتاج للمهارة، وكلا الفئتين تحتاجان إلى تحسين المستوى والارتقاء بالدخول، وتلك الأسبقية بالذهاب لأرض اليهود ستكون من أسباب ذلك الترقّي، وبعد ذلك تلحق بهم الجماعات الأكثر مهارة ودخلا وهكذا.
الفكرة التي يقوم عليها الوطن المنشود لهم أنه وطن قومي لليهود، وهذا الاعتبار الديني للدولة جعله يضع في تصوره عن المجموعات المستعمِرة أنها تذهب برئاسة حبر من الأحبار ويكون لهم لقاء دوري معه، وكل رسائل الحشد تصل عبره، وكذلك سيتم اعتبار المجموعات المحلية تحت رئاسة حبر لكل مجموعة منهم لمناقشة الشئون المحلية والفصل فيها، ورغم تلك الوظيفة شدد على أهمية بقاء الأحبار في معابدهم وألا يتجاوزوا دورهم الديني ليسيطروا على إدارة الدولة، وكذلك بقاء الجيش في ثكناته.
تجدر الإشارة أن الجدل بالكيان "الإسرائيلي" عن كونهم دولة دينية أو علمانية يتجدد كل فترة وإن كان الصخب حوله أكثر في السنوات الأخيرة، وربما جدده مشروع قانون يهودية الدولة الذي تمت إثارته في الآونة الأخيرة.
أما العمل فرأى تحديده بسبع ساعات فقط حتى يقدر العامل على الإنتاج، ولا يُسمح بالعمل الإضافي إلا بشهادة من طبيب ولا يزيد ذلك على ثلاث ساعات فقط، وكذا يتم منع النساء الحوامل من العمل، حتى تنشا الأجيال المستقبلية من "رجال ونساء أقوياء".
(5)
ما صاغه هرتزل في كتابه كان دعوة لرفع الظلم عن طائفته ولو على حساب شعب وأمة أخرى، فكانت المجازر التي تعاقبت على كل بقعة وطأتها أرجل مستعمري ومغتصبي الأرض، والدم الذي بيننا وبينهم لا يمحوه وصف بـ "الجيرة" أو "السلام"، بل يبقى الدم دما ويبقى العدو والغاصب عدوا ولو طالت بيننا وبينهم "الهدنة".
شارك
المزيد من هذا الكاتب
