"لا وقود لا
كهرباء، غلاء فاحش، وأخيراً لا ماء"، هكذا يعبر سالم، وهو أحد سكان
دمشق، عن حال معظم مناطق العاصمة وريفها، مع تصاعد حدة المواجهات العسكرية حول ينابيع
المياه وحقول الغاز، بالتزامن مع حلول فصل الشتاء ضيفاً ثقيل الظل هذا العام، بينما كان السوريون يستبشرون بالشتاء والخير القادم معه.
وكان الجيش الحر قد قطع مياه عين الفيجة، المصدر الرئيسي لمياه الشرب والخدمات في مدينة دمشق وقسم كبير من ريفها، بعد استهداف قرى وادي بردى بالمدفعية والصواريخ والبراميل المتفجرة من النظام السوري، إضافة إلى انتشار قناصي النظام على الجبال المحيطة بالمنطقة، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الأهالي بين قتيل وجريح، كما لحق حدوث دمار كبير بالممتلكات العامة والخاصة، ومن ضمنها جزء كبير من شبكة أنابيب الضخ المتجهة إلى دمشق.
يقول سالم في حديث خاص لـ"عربي 21" إن سعر عبوة المياة المعدنية سعة ليتر واحد، أصبح دولاراً أمريكياً، فيما اتجه عدد كبير من الأهالي إلى شراء المياه وتعبئة خزاناتهم عبر الصهاريج التي تقوم بنقل المياه من الآبار الجوفية، وهي طريقة غير صحية على الإطلاق بسبب تلوث معظم الآبار الجوفية".
ويبيّن سالم أن "هذه الطريقة تهدد بتزايد انتشار الأمراض كالتهابات الكبد، التي تفشت أصلاً نتيجة التلوث، فيما اتجه بعض الأهالي للاستفادة من مياه الأمطار التي تساقطت في الأيام الماضية، عبر جمعها بأواني الطبخ المنزلية لقضاء بعض الحاجات".
والتقت "عربي 21" بعدد من أهالي مدينة دمشق وريفها لسبر آرائهم والاطلاع على الوضع عن كثب، حيث تحدث السيد "أبو رضوان" عن معاناته حتى في تأمين صهريج مياه لتعبئة خزان منزله، موضحاً أنه "في ظل الانقطاع الكامل للمياه بات تأمين خزان المياه من المهمات الشاقة والمستحيلة أحياناً، ومنذ يومين يقوم بشراء مياه الشرب المعبأة لاستعمالها للشرب والطبخ والتنظيف، وهو ما يكلفه مبالغ طائلة يومياً".
وعبّر "عبد الرحمن"، وهو أحد المحاصرين في غوطة دمشق، عن أمله بـ"إدخال بعض المساعدات الغذائية ووقود التدفئة جزءاً من صفقة إعادة المياه إلى العاصمة، بعدما سمع بأن ثوار وادي بردى أدرجوا بنداً ضمن قائمة مطالبهم حول رفع الحصار عن الغوطة"، مشيراً إلى أهمية المياه كعنصر تفاوض ضد النظام، وتمنى أن يفعل الثوار ما باستطاعتهم لمساعدة "إخوانهم" المحاصرين.
أما "ماجد محمد"، وهو من سكان منطقة ركن الدين، فقال إنه لم ينقطع من مياه الغسيل والاستحمام؛ لأنه قام بوضع كافة الأواني الصالحة للتعبئة لديه على سطح منزله، لتتم تعبئتها بمياه الأمطار الغزيرة التي تساقطت على دمشق خلال الأيام الماضية، لكنه واجه صعوبة كبيرة في تأمين الخبز بعدما أغلقت غالبية الأفران أبوابها بسبب انقطاع المياه، كما اضطره لشراء مياه الشرب المعبئة لتخوفه من تلوث مياه الامطار.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها قطع المياه عن دمشق وريفها، لكنها الأطول والأصعب بسبب تزامنها مع الظروف الحالية التي تعيشها المنطقة. فتقنين الكهرباء وصل في معظم المناطق إلى 20 ساعة يومياً، والوقود المستخدم في التدفئة والطبخ معدوم تماماً في ظل موجة برد شديدة تعيشها المنطقة منذ حوالي الأسبوع، وهو ما دفع معظم الأهالي إلى العودة إلى الطرق البدائية في تأمين المياه والتدفئة وطهي الطعام.
وأسفرت المفاوضات المتواصلة بين قوات الأسد والجيش الحر المتمركز في وادي بردى لإعادة المياه إلى الخدمة، مقابل إطلاق سراح المعتقلات ووقف القصف على قرى الوادي وتراجع قوات النظام السوري إلى منطقة أشرفية الوادي وفك الحصار عن الوادي، عن إعادة فتح مياه النبع يوم الخميس بشكل جزئي، دون ضخها، كبادرة حسن نية من الجيش الحر، وهذا يعني مرور جزء بسيط جداً من حاجة دمشق وريفها من الماء، حيث لم تغذ هذه المياه سوى حوالي 20 في المئة من أحياء العاصمة، ولفترات قصيرة لم تتجاوز الساعة الواحدة، وستقطع مرة أخرى في حال عدم التزام النظام ببنود الاتفاق.