اختفى الطفل عبد الرزاق ابن الستة أعوام، وبحثت عنه العائلة كثيراً ولم تجده حتى فقدت الأمل بالعثور عليه، ليتفاجأ الأهالي بعد ذلك بأن الطفل قد وصل إلى معسكر لقوات النظام السوري التي اتصلت بالجيش الحر لإعادته إلى أهله. لكن بالتزامن مع إعادة الطفل، قصفت طائرة للنظام السوري منطقة مجاورة وقتلت أربعة
أطفال.
وقعت الحادثة في قرية دير الشرقي، وهي إحدى بلدات ريف
إدلب المحررة، التي تقع بالقرب من معسكر
وادي الضيف التابع لقوات النظام السوري والمحاصر منذ شهور طويلة.
ساعد معظم أهالي القرية أسرة عبد الرزاق ولم يفلحوا في العثور عليه، وكررت حواجز البلدة (التابعة للجيش الحر) والحواجز المحيطة بها المناداة والسؤال عنه كثيراً عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي (القبضة)، بحيث يصل الخبر إلى حواجز المنطقة كلها ليقوم من يجده بإيصاله إلى ذويه دون بارقة أمل، لا سيما أن عبد الرزاق طفل مصاب بمرض التوحد، حيث لا يتكلم ولا يعي ما يوجه إليه من كلمات، ولا يفرق بين الأشخاص أو يتعرف عليهم.
وانتشر خبر اختفاء الطفل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر)، ليصل الخبر إلى قوات النظام المتمركزة في وادي الضيف.
منذ أيام تفاجأ عناصر الحاجز رقم "7" التابع للجيش السوري الحر في المنطقة؛ أن اتصالاً ورد إليهم من أحد ضباط معسكر وادي الضيف، ليخبرهم من خلاله أن الطفل الذي يبحثون عنه موجود في المعسكر، وأنه مشى هائماً على وجهه إلى أن وصل إلى المعسكر منهكاً.
وطلب الضابط التابع لقوات النظام أن يتم إرسال شخصين غير مسلحين لاستلام الطفل في منطقة تقع بالقرب مما يسمى "سوق الغنم". وتطوع لهذه المهمة شخصان يلقبان بــ"أبو شمس" و"أبو حذيفة"، وكلاهما من الحاجز رقم "7". وأكدا أنهما، ورغم خطورة الأمر، على استعداد للتضحية بحياتهما مقابل استعادة الطفل الذي باتوا جميعا يخشون عليه أكثر من ذي قبل، كونه بين أيادي قوات النظام وجنوده الذين قتلوا وتسببوا بمقتل العشرات من أطفال
سورية.
وتم اللقاء بين العنصرين من الجيش الحر وبين الضابط المتصل، الذي التزم بوعده ونفذ ما قاله، إذ سلم الطفل لهما، ثم عادا ومعهما الطفل عبد الرزاق محمد اليوسف وأعاداه إلى أهله.
المفاجأة التي أذهلت الشابين كما أذهلت أسرة الطفل وباقي أهالي القرية، أن عناصر النظام اعتنوا بالطفل وألبسوه وأطعموه وحافظوا عليه، وهو ما لم يتوقعه أحد، فعهد السوريين بالنظام ومنذ ثلاث سنوات أنه لا يمارس سوى القتل، ولم يتورع عناصره عن ذبح الأطفال سابقاً في بانياس وحمص وغيرها من المناطق السورية التي كانوا يقتحمونها.
والمفارقة أنه في نفس توقيت تسليم الطفل، حلقت إحدى مروحيات النظام فوق بلدة "معرشمارين" وألقت براميلها المتفجرة، لتقتل أربعة أطفال وامرأتين وتدمر أربعة منازل وتشرد أصحابها، كل ذلك حدث في دقائق معدودة، كانت تجمع كل تناقض إنساني من الممكن أن يحكى عنه، وإن ذهب البعض إلى الحديث عن فرق بين القيادة العليا التي تعطي أوامر القتل، وبين عناصر بقيت فيهم مسحة إنسانية.
يشار إلى أن الثوار لم يتمكنوا من اقتحام معسكر وادي الضيف والسيطرة عليه، نتيجة القوة المتحصنة داخل المعسكر، والتي يقوم النظام بإمدادها بالعتاد والسلاح والذخيرة والمؤن بواسطة مروحياته، التي تأتي بشكل دائم وتلقي الإمدادات فوق المعسكر بالمظلات. ويجهل مقاتلو الجيش الحر عدد العناصر في المعسكر، إذ يقول البعض إنهم ثلاثمائة عنصر فقط، بينما يتحدث البعض عن أهمية أسطورية لهذا المعسكر، وعن أسباب متعددة تجعل النظام رافضاً التخلي عنه، من بينها معلومات تفيد بأنه مستودع سري للسلاح الكيميائي.