ملفات وتقارير

ماذا وراء اتساع خارطة الانتحار في مصر؟

تتسع دائرة الانتحار بمصر بينما يتحدث السيسي ووزراؤه عن اتساع دائرة الإرهاب - أرشيفية
اتسعت خارطة الانتحار المكانية والعمرية في مصر، وتقاربت ساعتها زمنياً في الشهور الأخيرة، لترتفع إلى أكثر من 30 عملية انتحار في 45 يوماً، بحسب تقرير أصدرته "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" الجمعة الماضي.

وقالت "التنسيقية" في تقريرها إن المتتبع لحالات الانتحار الثلاثين؛ يجد أن أسباب الانتحار قد تراوحت ما بين الضوائق المالية، والظروف والاضطرابات النفسية، "وهو ما يعني أن الأوضاع الراهنة التي تعاني منها البلاد منذ 30 يونيو (حزيران)، قد مارست تأثيرها السلبي على أحوال الناس المعيشية والاقتصادية بدرجة كبيرة، وتركت أثراً على الأحوال النفسية، مما أدى إلى مراودة فكرة الانتحار للكثيرين، واعتبارها حلاً نهائياً لما يعانون من أزمات كافة".

وتتنوع الأسباب المؤدية إلى الانتحار بحسب كل حالة، "وقد تكون الدوافع دينية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو حتى سياسية، نوعاً من الاحتجاج والاعتراض"، بحسب رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، الدكتور سعد الدين إبراهيم.

وقال إبراهيم لـ"عربي21" إن ضيق هامش الحريات، والإحساس بانعدام الأثر، يولدان ضغوطاً نفسية لدى الشباب، مشيراً إلى ضرورة إتاحة الفرصة لهم في كل المجالات المنتخبة والتنفيذية، بحيث لا تقل عن 60 بالمئة، بما يتماشى مع نسبتهم في المجتمع، "فهم من غيروا العالم والتاريخ".

صدمة "فشل" الثورة

واتخاذ قرار الانتحار يأتي حين يصل صاحبه إلى لحظة مَرَضيّة في غاية الخطورة، كما تقول مستشارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتورة عزة كريم، التي أضافت أن "تراكمات عديدة لفترة زمنية طويلة، تتعلق بمجموعة أسباب، قد تصل بمن يعاني منها إلى صدمة نفسية تؤدي إلى الانتحار".


وأكدت لـ"عربي21" أن أكبر صدمة تعرض لها الشباب المصري هي "النتائج التي وصلت إليها ثورة 25 يناير التي زرعت الأمل والثقة في نفوسهم"، وتابعت: "شعر الشباب عقب الثورة أن بإمكانهم التغيير، ولكنهم صُدموا بفشل ثورتهم حين سُحب البساط من تحت أقدامهم، وتوالت الصدمات مع القوة المفرطة التي عاملتهم بها الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى موجة الاعتقالات وتوابعها، وانعدام فرص العمل والتوظيف".

وشددت عزة على ضرورة أن "تعي الدولة أن السياسة الأمنية تؤدي إلى مزيد من العنف والإرهاب؛ فالعنف يولد العنف، والرغبة في الانتقام تولد الثأر"، مطالبة بـ"عودة زمام الأمور إلى الشباب؛ لأنهم مستقبل هذا البلد".

وحذرت من تمكّن حالة الخوف في نفوس المواطنين، مشيرة إلى أن "تلك الحالة هي ذاتها التي ظهرت واضحة على أداء الدكتور محمد البرادعي، خلال إلقائه كلمته الأخيرة في جامعة هارفرد الأمريكية".

ضبابية المشهد السياسي

ويتوافق العديد من السياسيين والأكاديميين على أن موجة الإحباط التي تنتاب المصريين، وخصوصاً فئة الشباب، سببها ضبابية المشهد السياسي، وتردي الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي ولّد ضغوطاً عصبية، وتراكمات نفسية كبيرة. 

في هذا الصدد يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة، إنه "إذا ثبت من خلال الدراسة العلمية أن للانتحار دوافع سياسية، فلا شك أن العامل الأهم في ذلك هو شعور الشباب بالإحباط وانسداد القنوات الشرعية، التي يستطيعون من خلالها صنع مستقبل لبلادهم".

وأضاف لـ"عربي21": "أدى الشباب دوراً كبيراً في صنع ثورات الربيع العربي، إلا أنهم فيما بعد وجدوا انسداداً في الأفق السياسي، ولّد عندهم شعوراً باليأس الذي قد يدفع إلى الانتحار".

بدورها، أرجعت أستاذة علم الاجتماع زينب شاهين عملية الانتحار إلى أسباب تتعلق بغياب الوازع الديني، وفقدان الانتماء الأسري، واضطراب ضوابط المجتمع لأسباب اقتصادية، "وهي نفسها الأسباب التي قال بها الفيلسوف الفرنسي درو كايم في القرن التاسع عشر"، كما تقول.

وطالبت شاهين النظام في مصر بـ"إعادة إصلاح كل المنظومات التعليمية والصحية والأمنية والتشريعية والبيئية والإعلامية"؛ لتجنب المزيد من حالات الانتحار، بحسب ما صرحت لـ"عربي21".

انتحار زينب مهدي

وأحدث انتحار الناشطة السياسية زينب مهدي صدمة كبيرة لدى زملائها، الذين قال بعضهم إنها وصلت إلى حالة من اليأس والعجز عن تغيير الأوضاع السياسية التي تعيشها مصر، وكان من آخر كلماتها: "مفيش عدل.. وأنا مدركة ده.. ومفيش أي نصر جاي .. بس بنضحّك ع نفسنا عشان نعرف نعيش".

بيد أن عضو المكتب السياسي لحزب مصر القوية، محمد المهندس، يشدد على أن فكرة الانتحار يجب ألا تراود الناشط السياسي، "لأنه يتمتع برؤية سياسية واضحة، يعيش من أجلها ويعمل لتحقيقها".

وأضاف المهندس لـ"عربي21" أن ترك الناشطة المهدي العمل الجماعي، أضعف من إيمانها وقوتها وعزيمتها، مستدركاً بأن قصة انتحارها ما زال يكتنفها كثير من الغموض".

وأكد أن الحالة السائدة في البلاد من تقييد للحريات، وتراجع عن الديمقراطية، وحصر للعمل السياسي في الوجوه القديمة، لا يوحي بالتغيير الذي يطمح إليه الشباب، الذين تم استبعادهم من المراكز القيادية.

وما بين رفض بعض المراقبين الربط بين حالات الانتحار الأخيرة والمناخ السياسي، وامتناعهم عن توصيفها بـ"الظاهرة" من ناحية، وبين من يرى أن في اتساعها وامتدادها من المدن إلى الأرياف بوقت قياسي، مؤشراً خطيراً على تدهور المشهد السياسي من جهة أخرى.. يبقى السؤال الأهم هو: متى ندرك خطورة هذه المشكلة؟ وما السبيل إلى حلها؟