أثار التقرير الذي نشره موقع "ميدل أيست آي" مؤخراً، حول عسكرة الحكم في
مصر، تساؤلات كثيرة حول مستقبل "أم الدنيا" التي وصفها التقرير بـ"أرض
الجنرالات" والتي يتربع على عرشها الجنرال السابق في الجيش المصري عبدالفتاح السيسي.
وبحسب التقرير فإن حضور المؤسسة العسكرية في المناصب السياسية المؤثرة قد اتسع أبعد من منصب الرئيس، و"آخر الأمثلة تعيين الجنرال خالد عبدالسلام الصدر في 18 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي؛ أميناً عاماً لمجلس النواب"، وتعد هذه المرة الأولى في تاريخ مصر التي يحتل فيها عسكري هذا المنصب.
ويبدو التأثير العسكري على المؤسسة السياسية بشكل واضح من خلال النظام الإقليمي وحكام المحافظات، فبحسب التقرير؛ هناك 19 محافظاً عسكرياً من بين 27 محافظاً، فيما يشغل عسكريون منصب نائب المحافظ في المحافظات الثماني المتبقية.
ويرى مراقبون أن سيطرة العسكر على الحياة المدنية؛ لم تقتصر على المناصب السياسية، وإنما تعدتها لتصل إلى المصانع، والشركات القابضة، والجامعات الخاصة، والمؤسسات الخيرية، مشيرين إلى الإطاحة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بالداعية المعروف عمرو خالد عن رئاسة جمعية "صناع الحياة"، لصالح اللواء محمد عبدالسلام المحجوب، وزير التنمية المحلية ومحافظ الإسكندرية الأسبق.
خبراء عسكريون: الجيش مؤهل
ساعد تفكك الدولة بعد ثورة 25 يناير، المؤسسة العسكرية في تصدر المشهد، كما يرى الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء محمود زاهر، الذي أشار إلى أن "الدولة المصرية مرت بعدة مراحل ساعدت الجيش المصري على تطوير قدراته السياسية".
وأضاف زاهر لـ"عربي 21" أن الضباط الأحرار الذين نفذوا انقلاباً في يوليو عام 1952 كانوا يفتقدون الخبرات السياسية والعسكرية والاقتصادية، ما أدى إلى توريط البلاد في أزمات شديدة انتهت بنكسة عام 1967.
وتابع: "ثم جاءت مرحلة السادات التي تطلبت جهداً كبيراً لتجاوز الأزمات السابقة، واكتسب فيها رجال الجيش خبرات واسعة، لننتقل إلى حسني مبارك الذي أقصى الجميع لصالح عصابات الحزب الوطني ورجال الأعمال، إلى أن اندلعت ثورة يناير حيث تفككت مؤسسات الدولة باستثناء المؤسسة العسكرية، ما جعلها في صدارة المشهد السياسي في البلاد".
وإلى ذلك يشير رئيس منتدى الحوار الاستراتيجي، اللواء عادل سليمان، حيث أكد أن المرحلة الحالية التي تمر بها مصر تتميز بعدم الاستقرار الذي لا يمكن القياس عليه، مشيراً إلى عدم وجود "نظام سياسي واضح المعالم".
واستدرك في حديثه لـ"عربي 21": "مع ذلك؛ فإن المناصب القيادية في أجهزة الدولة تخضع لمعايير كفاءة عالية، بغض النظر عن الخلفيات العسكرية أو المدنية".
ويؤيد الخبير الاستراتيجي اللواء محيي نوح هذا الرأي بالقول: "المؤسسة العسكرية لا تتغول مطلقاً على المؤسسات المدنية في الدولة، وهي تعمل ضمن منظومة متكاملة ومنضبطة، ما يؤهل رجالها لتولي المناصب القيادية في الأماكن المناسبة".
وأكد نوح لـ"عربي 21" أن خبرة الجيش لا تنحصر بالأمور العسكرية، مشيراً إلى تلقي رجال العسكر "دورات تدريبية في الشؤون الإدارية؛ تؤهلهم للقيام بدور إداري مدني" كما يقول.
توجس واستهجان
وفي الجانب الآخر؛ تنظر كثير من مؤسسات المجتمع المدني بتوجس وحذر تجاه هيمنة رجال المؤسسة العسكرية على المناصب الإدارية للدولة.
واستهجنت أحزاب مصرية ما وصفته بـ"عسكرة الدولة"، كما جاء على لسان عضو الهيئة العليا لحزب التيار المصري محمد القصاص، الذي قال إن تعيينات رجال العسكر تأتي كجزء من الولاء للرئيس عبدالفتاح السيسي، ولا علاقة لها بالقدرات والكفاءات".
وأضاف لـ"عربي 21": "لا بد من اعتماد الانتخابات في تولي المناصب، وخضوعها للرقابة الشعبية، وفتح المجال أمام الخبرات الشبابية، وتأهيلهم للقيادة".
أما المتحدث باسم التيار الشعبي حسام مؤنس؛ فقد عاب طريقة تعيين المناصب السياسية في الدولة المصرية، مشيراً إلى عدم توفر إرادة سياسية لـ"التنوع وقبول الآخر، وتولي الأكفأ، والمغامرة باستدعاء الشباب".
من جانبه؛ شدد رئيس حزب الحياة مايكل منير، على ضرورة تجنب تعيين رجال المؤسسة العسكرية في المناصب المدنية على أساس "مكافأة نهاية الخدمة".
وانتقد منير في حديثه لـ"عربي 21" عدم وجود قيادات ميدانية مدربة لتولي المناصب المتعلقة بالعمل العام.
وقال إن "هناك إهمالا متعمد للموظفين المدنيين الذين يتمتعون بخبرة طويلة، يتمثل في عدم تدريبهم وتأهيلهم لاستلام المناصب القيادية العليا، لصالح من يتم تعيينه من العسكريين"، داعياً إلى ضرورة الأخذ بمبدأ الانتخابات في المناصب التنفيذية ولفترات محددة.
بدوره؛ قال منسق الائتلاف الثوري للحركات المهنية "حراك" الدكتور هاني جابر، إن المؤسسة العسكرية باتت "تعتقد أنها تملك الدولة، وتتعامل مع جموع الشعب المصري على أنهم عبيد عندها".
وقال جابر لـ"عربي 21": "على الجيش أن يعي أنه جزء من الدولة، وأن دوره منوط بحمايتها من الخارج وليس من الداخل".
وأضاف أنه يجب على المؤسسة العسكرية أن تترك للشعب حرية اختيار من يحكمه ويخدمه، مؤكداً أن تغول الجيش على المؤسسات المدنية مرفوض "إلا في حدود ضيقة بداخل المؤسسات التي تخضع لإدارته وحسب".