مقالات مختارة

المنظمة الحولاء في الدولة العمياء

1300x600
كتب محمود أوفر: كانت هناك دولة (تركيا القديمة) تجاهلت القضية الكردية لسنوات طويلة، وحاولت أن تقمع ظروف الاندماج والأزمة بعنف.

وخلقت حالة التجاهل والعنف هذه معارضة قوية للدولة لا محالة. وظهر مصطلح "المنظمة الحولاء في الدولة العمياء" كما وصفه الأكاديمي الدكتور "علي كمال أوزجان".

كلما كان العنف أكثر فعالية ، كلما خرج عن نطاق السياسة. ولكن كان مشروع عملية السلام الذي قدمه حزب العدالة والتنمية، هو المخرج الذي أدى إلى كسر قالب العنف لأول مرة.

في واقع الأمر، كانت عملية السلام هي المرحلة التي فتحت الطريق لحل القضية بشكل ديموقراطي، وأبعدت الدولة عن نطاق العنف ومهدت للعمل السياسي. ولكن هذا لم يتم فهمه على النحو المطلوب.

لم تكن المحاولات التي عملت على عرقلة عملية السلام وتأخر الحكومة في اتخاذ الإجراءات اللازمة مؤثرة ، بقدر أن الخطر الحقيقي كان يكمن في عدم رغبة الفاعلين من الساسة الأكراد في عملية السلام كحزبي العمال الكردستاني والشعوب الديموقراطية، التعامل المناسب مع متطلبات عملية السلام.

بل والأكثر من ذلك، استخدموا لغة الصراع وليس لغة السلام.

ومن هذا المنظور، كانت هذه اللغة السياسية التي استخدمها الفاعلين السياسيين الأكراد أخطر من إجراءات مثل تأسيس "دولة الظل"، ومن قطع الطرق وعمليات التخريب الأخيرة التي شهدتها المنطقة في الـ 6-8 من الشهر الجاري. هذه اللغة حملت بين طياتها الغضب والكراهية.

هذا الأمر دعاني منذ فترة إلى أن أصب كل اهتماماتي على قراءة مقالات الكُتَاب والفاعلين السياسيين الأكراد الذي سلطوا الضوء على حزبي البي كا كا – العمال الكردستاني والشعوب 
الديموقراطية، بعد الخطاب الذي بعثه  زعيم حزب العمال الكردستاني "عبدالله أوجلان" في عيد النيروز 21 مارس 2013. ولم تتغير لغة الغالبية العظمى منهم حتى الآن.

وبدا أن هناك نظرة أكثر عدوانية على العكس تماماً من المتوقع، وكأنه لم يغير وجهات نظره سواء تجاه حزب العدالة والتنمية أو تجاه الدولة بشكل عام. وأتذكر دعوة "أوجلان" في عيد النيروز التي جاءت على النحو الآتي:

"أود أن أقول في حضور الملايين الذين يستمعون لهذه الدعوة، الآن يبدأ عهد جديد، يخلو من السلاح ويسلط فيه الضوء على السياسة. وصلنا الآن إلى مرحلة انسحاب عناصرنا المسلحة إلى خارج الحدود. إنني على ثقة بأن كل شخص فتح قلبه لي ويؤمن بهذه القضية، سوف يتابع حساسيات عملية السلام حتى النهاية."

حسناً، ولكن هل تم القيام بتنفيذ ذلك على النحو المطلوب؟

لم يستخدم لغة تميل إلى السلمية، ولم يظهر أي محاولة لخلق رأى عام يقف في صفه. وكان من كلمات "عبدالله أوجلان" التي ظلت عالقة بالذهن :

"سوف نتحد ضد كل من يريدون تقسيمنا وبث بذور الفرقة بيننا، كما سنتحد ضد من يريدون تفكيك وحدتنا. فمن لا يستطيعون قراءة روح العصر، سيذهبون إلى مزبلة التاريخ. ومن يقاومون تدفق الماء، سيجرون أنفسهم إلى الهاوية."

وذكر رئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو" في اجتماع لجنة الحكماء رداً على بعض العبارات التي ذكرها "أوجلان" قائلاً : "لو كان البي كا كا – حزب العمال الكردستاني قد سحب ميليشياته المسلحة، كنا قد نظرنا بشكل مختلف إلى كوباني."

والنقطة التي وصلنا إليها الآن، لماذا يُفهم أن المسلحين الأكراد في جبال قنديل يرفضون التمهيد للدخول في السياسة. فهل من قائل أن المسلحين في جبال قنديل لم يرضخوا لإملاءات القوى الدولية في هذا الموقف، وأنهم ليسوا تحت النفوذ الإيراني الذي يتفنن في خلق جو تقوم فيه "الحرب بالوكالة " في المنطقة؟

الهدف واضح وضوح الشمس: هو القضاء على عملية السلام.

يبدو أنهم يلعبون الشوط الأخير في المباراة. ولا أعلم هل الساسة الأكراد على قدر من الوعي تجاه هذا الخطر أم لا. ولكن على أقل تقدير، ينبغي القيام بما يجب نحو التحذير الذي ذكره "عبدالله أوجلان" بعد عمليات التخريب التي شهدتها الدولة بين يومي الـ 6-8 من الشهر الجاري.

"لا غنى عن جلوس جميع الهياكل والمؤسسات التي تؤمن بالسياسة الديموقراطية والسلام وبالحلول السلمية في المنطقة بعد اليوم، لإنهاء القضية من منطلق مسئولية التحقيق الجاد والمواجهة."

وإذا عدنا من حيث بدأنا، نجد أن الوضع أمامنا جدٌ خطير؛ ففي الوقت الذي بدأت فيه الدولة العمياء رؤية الحقائق، نواجه مخاطر أن تصبح المنظمات حولاء. فعلى كل من يرغبون في تحقيق السلام، لابد من رؤية ذلك.

(صباح - 27/10/2014)