تواصل لجنة صياغة
الدستور عملها من بين ركام تعقيدات المشهد
اليمني، لكن هذه المرة في العاصمة
الإماراتية أبوظبي، وبشكل مؤقت، بينما تثار أسئلة عدة حول جدوى صياغة "مشروع الدستور الاتحادي"، في ظل المتغيرات التي فرضتها جماعة "أنصار الله" (الحوثي) في صنعاء، ومخيمات اعتصام أقامها المطالبون بالانفصال في الجنوب، ولأول مرة في عدن.
ويرى قانونيون أن الحديث عن صياغة دستور جديد للبلاد، "لم يعد له معنى، وإذا جرى الحديث حوله فهو لمجرد الاستهلاك السياسي، بعد الانقلاب الأخير في اليمن"، في إشارة إلى سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة في صنعاء، وانهيار مؤسستي الجيش والأمن أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي.
ويقول الخبير القانوني اليمني، وضاح المودع إنه "يتعذر الحديث عن صياغة دستور جديد في ظل سيطرة ميليشيا مسلحة على الوضع في اليمن تفرض رؤاها، وتمارس الإقصاء بحق خصومها السياسيين، ولذلك فنحن أمام معادلة وبيئة سياسية مختلة "، على حد قوله.
وأضاف المودع لـ"عربي 21" أن "الدستور الجديد لليمن يتم صياغته في جلسات سرية، وهذا مخالف لقواعد إعداد الدساتير في العالم، حيث يتم مناقشة نصوصها في العلن، وهذا يثير شكوكنا إزاء دستور يتم إعداده بطريقة لا تتوافق مع إرادة الشعب اليمني".
وذكر أن "هناك مؤشرات لفشل مشروع الدستور الذي يجري إعداده، منها أن اللجنة التي تقوم بصياغة نصوصه غير منتخبه من الشعب، ولم يُأخذ رأي الشعب في هذا الأمر"، موضحا أن هذا وفقا للفكر الدستوري، "طريق غير ديمقراطي، لأن الرئيس اليمني شكّل لجنة الصياغة عن طريق المنحة، وهذا مؤشر لفشل الدستور قبل طرحه للاستفتاء".
ولفت المودع إلى أن "سفر اللجنة المتكرر إلى دولة الإمارات ومن قبلها ألمانيا، يؤكد جهل أعضاء اللجنة بطرق إعداد الدساتير، وانعدام خبرتهم في هذا المجال، وهذا ما كشفه أحد الخبراء في أحد الاجتماعات معهم، عندما طرحوا له أسئلة عكست عدم فهمهم نهائيا بمفردات وأساسيات دستورية مهمة مثل الفيدرالية، والمالية العامة للدول الفيدرالية".
وتابع بأن سفرهم أيضا "لن يخلو من إملاءات خارجية يفرضها خبراء أجانب، معدين لهذا الغرض، ما يعني أننا أمام مسودة الدستور مكتوبة بأيدي غير يمنية".
وأشار الخبير المودع إلى أن "الواقع في اليمن تغير، وصارت البلاد محاصرة من قبل جماعة مسلحة، لا تقبل بفكرة الدولة الاتحادية. وكذلك برز إلى السطح مجددا حراك جنوبي يرفض وبقوة فكرة الوحدة مع الشمال، بعد انضمام قوى سياسية فاعلة، وهذا يجعل من المتغيرات الواقعية على الأرض جميعها تقريبا بيئة غير مهيأة لتمرير فكرة دستور لدولة اتحادية، باتت فرص تطبيقها محدودة للغاية، إن لم تكن مستحيلة"، على حد وصفه.
من جهته، وافق الكاتب والمحلل السياسي، عبد الملك شمسان، ما ذهب إليه المودع، قائلا إن "هناك تداعيات متسارعة في المحافظات، وكرة نار لا كرة ثلج تتدحرج في محافظة وسط اليمن، ومقدمات صراع مسلح ودوامة عنف من الواضح أنها تسير بوتيرة أسرع من إعداد الدستور".
وأشار شمسان في حديثه لـ"عربي 21" إلى أنّ "كل لحظة تطور في الأحداث في مناطق وسط البلاد، ينتج بالتوازي معها شيء في الجنوب، فضلا عن أن الدعم الأمريكي للحوثي تحت يافطة محاربة القاعدة، وقيام الأخير بهذه المهمة من خارج مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والقضائية والمدنية، سيكون بمثابة الزيت الذي يصب على نار الصراع الذي قد يأخذ طابعا طائفيا"، على حد تعبيره.
وأوضح أن "المعطيات السابقة، تشير أن الدستور الذي تعكف اللجنة على صياغته الآن يتعامل مع واقع قديم غير الواقع الذي يفترض أن ينفذ فيه"، ولكنه يرى أن "اللجنة في النهاية أمام مسؤولية يجب إنجازها على أي حال، ومهمة لا بد من الانتهاء منها كيفما كانت الظروف".
وتابع شمسان بأن "الأوضاع في اليمن تبدو بأنها تسير بوتيرة أسرع من وتيرة الصياغة النظرية لقواعد وأسس الدولة، وفي المقدمة الدستور".
وقال إنّ "اليمن يعيش أمام سلطة أمر واقع فرضه الاجتياح الحوثي المسلح للعاصمة والمحافظات الأخرى، وهذه السلطة لم تكن موجودة في مؤتمر الحوار الوطني، وقد خلقت وضعا تجاوز مخرجات الحوار الوطني".
وحول مغادرة لجنة صياغة الدستور اليمنية صنعاء لـ"أبوظبي "، انتقد شمسان تبرير لجنة الدستور لسفرها المتكرر، وذلك بغرض الاطلاع على تجربة الإمارات في الحكم الفيدرالي، "وهوغير مقنع".
لكنه أكد أن "الاستقرار الفدرالي في الإمارات ليس سببه الدستور بقدر ما هو عائد لاعتبارات أخرى تفتقدها اليمن"، مستبعدا أن تلعب الإمارات دورا سلبيا ينعكس على الدستور، "ذلك أن أدوات هذا الدور السلبي مخفية وغير معلنة، وهي التي تعول عليها الإمارات في تنفيذ أهدافها في اليمن"، على حد قوله.
ولم يتسنى لمراسل "عربي 21" في اليمن التواصل مع أعضاء لجنة صياغة الدستور اليمنية.
ويشار إلى أن لجنة صياغة الدستور صنعاء غادرت، الأربعاء الماضي، نحو العاصمة الإماراتية أبوظبي، لـ"لاطلاع على تجربتها لنظام الحكم الفيدرالي"، بحسب ما أعلنت اللجنة قبيل مغاردتها للعاصمة اليمنية .