من فعاليات تضامن الإخوان في الأردن مع غزة - الأناضول
أكدّ رئيس مجلس علماء جماعة الإخوان المسلمين في الأردن الدكتور شرف القضاة، وجود "التنظيم السري" داخل الجماعة، "الذي يتولى قيادة الجماعة ووضع سياساتها الحقيقة"، وهو تنظيم بكل معنى الكلمة، له اجتماعاته الراتبة، وأمانة سر خاصة به، وأعضاء محددون، ومندوبون في الشعب الإخوانية".
وقال القضاة لـ"عربي 21" : "في مؤتمر الإصلاح الأول الذي عقد في اربد (31 مايو/أيار 2014) قام القيادي المعروف في الجماعة الدكتور أحمد الكوفحي واعترف أمام الجميع أنه كان عضوا في التنظيم السري لمدة عشرة سنوات، وأنه يعلن توبته من ذلك، ويستغفر الله مما كان"، وهو ذات الموقف الذي أعلنه القيادي في الجماعة خليل عسكر الذي قال أنه كان أمين السر للتنظيم لمدة ثماني سنوات، وكان منسقا بين حلقة الشيوخ والشباب بحسب القضاة.
ورفض القضاة إطلاق صفة "كولسات انتخابية" لتوصيف تلك الحالة داخل الجماعة، مصرا على وصفه بالتنظيم السري، الذي يقوم باتخاذ القرارات قبل اجتماع المكتب التنفيذي، والتي تفرض على المكتب، ويتم تمريرها عبر أعضائه فيه، ما يعني أن وجود بقية أعضاء المكتب ممن ليسوا في التنظيم السري لا يعدو أن يكون مكملات ديكورية وفق القضاة.
تصريحات الدكتور شرف القضاة جاءت بعد مشاركته في مؤتمر إصلاح الجماعة الأول، وترؤسه "لمؤتمر إصلاح الجماعة الثاني"، المنعقد في العاصمة الأردنية عمان، يوم السبت 6 سبتمبر/أيلول الجاري، والذي نظمته بحسب الإعلان المتداول اللجنة العليا للإصلاح الداخلي لجماعة الإخوان المسلمين، وقد تضمن البيان الختامي "مطالب ومواقف المؤتمرين تجاه قضايا الإصلاح الداخلي للجماعة".
خلفيات وتحركات وكولسات
تعكس التحركات والفعاليات الأخيرة التي تقودها قيادات إخوانية، كمؤتمري الإصلاح الداخلي للجماعة، ومن قبلهما إشهار المبادرة الوطنية للبناء "زمزم"، التي أسسها القياديان البارزان في الجماعة الدكتور ارحيل غرايبة، ونبيل الكوفحي، حالة حرجة وقلقة تمر بها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، يصفها بعض المراقبين بأنها صراع بين تيارين: أولهما تيار عريض تتزعمه قيادات معروفة، لها ثقلها وتأثيرها في أوساط الجماعة، يسعى للمحافظة على تميز الجماعة والإبقاء على هويتها المعروفة، واتجاه آخر من قيادييها يدعو إلى إصلاح شؤونها الداخلية، وتوسيع دوائر المشاركة في العمل السياسي، والانخراط في حقول العمل العام.
لكن ما يثير القلق بحسب قيادي إخواني فضل عدم الكشف عن هويته، هو الفجور في الخصومة، واللجوء إلى مسلك غريب لم يعهده الإخوان من قبل، تمثل في لجوء بعضهم إلى استعداء السلطات والاستقواء بها، تحت عناوين اتهام مخالفيهم بتكفير النظام، وعدم الاعتراف بشرعيته، وتسويق فكرة التنظيم السري الذي يتحكم في شؤون الجماعة في الخفاء، ومن وراء الكواليس.
ينفي القيادي الإخواني أن تكون الاختلافات بين الإخوان اختلافات فكرية أو عقائدية، فجميع اتجاهات الجماعة لا تتبنى تكفير النظام، ولا تؤمن بذلك أصلا، ومنهجيتها تقوم على مبدأ إصلاح النظام، ولا تؤمن بمنهجية التغيير الجذري الانقلابي ولم تدعو إليه أبدا، مع إقراره بوجود أراء فردية تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر عن رؤية الجماعة ومواقفها أبدا.
وردا على سؤال "عربي 21" بخصوص ما يقال عن التنظيم السري، أكدّ القيادي الإخواني أن كلمة تنظيم كبيرة جدا ولا تنطبق على واقع الحال، وهو بحكم معايشته للحالة واطلاعه عليها، يجد أن وصف "كولسات انتخابية" هو التوصيف الدقيق لذلك، مشيرا إلى أنه وجد في صفوف الجماعة من انخرط في "الكولسات" قبل كل انتخابات، وقد كان مقر تلك "الكولسات" مدينة صويلح، ويتزعمها قيادي إخواني معروف، من خط التميز والمحافظة على هوية الجماعة.
وكشف القيادي الإخواني عن أن تلك الكولسات التي كانت تدار من صويلح، كانت تقابلها اجتماعات وكولسات مضادة، تنعقد جلساتها في مدينة السلط، وهي تمثل خط الانفتاح والدعوة إلى المشاركة السياسية في مؤسسات الدولة، والانخراط في العمل السياسي.
من جانبه أكدّ الدكتور عبد المجيد دية، الناشط الإخواني المقرب من أحد قيادات تيار الصقور، لـ"عربي 21" أنه طوال التزامه الإخواني لم يسمع أبدا بما يقال عن التنظيم السري، ولا يعدو الأمر من وجهة نظره أن يكون جلسات تنسيقية لترتيب شؤون الانتخابات في مؤسسات الجماعة، متحفظا على كثير مما يقال لأن البت في هذه القضايا يكون بالاحتكام إلى النظام الأساسي للجماعة، واللوائح الداخلية المعمول بها.
عِلل الجماعة والحاجة إلى إصلاحها
مع ارتفاع الأصوات الإخوانية المطالبة بإصلاح شؤون الجماعة الداخلية، فإن غالب القيادات سواء "الصقورية" منها أو "الحمائمية" تعلن في تصريحاتها المتتالية إيمانها بذلك ودعوتها إليه بإلحاح، فالمراقب العام السابق للجماعة سالم الفلاحات، يرى من حيث الأصل أن الحركة الإسلامية ليست حالة ملائكية، وغير محصنة ضد النقد، بل يمكن نقدها والاستدراك عليها، وهي تحتاج إلى مراجعة دائمة، وينبغي أن لا تضيق الجماعة بالنقد من داخل الجماعة وخارجها.
وحول ما توصف به الجماعة في مرحلتها الحالية من أنها تقف على مفترق طرق نتيجة أزماتها الداخلية، قال الفلاحات لـ"عربي 21" "لا شك أن الجماعة الآن تعيش حالة حرجة ومتوترة"، مشيرا إلى أن العالم كله يمر بحالة توتر، والجماعة جزء من هذا العالم الكبير، داعيا حكماء الجماعة إلى تدارك الأمر، ومعالجة أزماتها الداخلية بحكمة وروية.
لكن ما هي العلل التي تشيع في أوساط الجماعة ويطالب الإصلاحيون بمعالجتها وإيجاد الحلول الناجعة لها؟ في تحديده لتلك الأمراض والعلل أحالنا الدكتور شرف القضاة على ورقته التي قدمها لمؤتمر الإصلاح الثاني، لافتا إلى أنه قدم توصيفا مباشرا ودقيقا كما يراه من الداخل.
بحسب القضاة فإن "كل أمراض المجتمع والأنظمة تقريبا سرت إلى الجماعة، فأصبح التنظيم الداخلي كالأنظمة يمارس التشكيك والتشويه للمخالفين، والإقصاء والتهميش لهم، وله فتاواه الخاصة التي تبيح له حتى الكذب، وتم شراء الذمم بالمال السياسي من خلال دفع الاشتراكات، والتوظيف في مؤسسات الجماعة والمؤسسات التابعة للتنظيم السري، والشركات التي يديرها، ونشط في الدعاية الانتخابية، وصارت القرارات تتخذ قبل الجلسات، وأصبح القضاء محاصصة...".
قيادة الجماعة ترد وتفند الاتهامات
أين تقف قيادة الجماعة الحالية الممثلة في المكتب التنفيذي من كل ما يقال عن الجماعة من بعض قياداتها وأبنائها؟ بدأ عضو المكتب التنفيذي للجماعة، أحمد الزرقان حديثه بالإشارة إلى وجود تيارات داخل الجماعة، لها وجهات نظر مختلفة حول كثير من القضايا، وكل طرف من تلك الأطراف يحاول بيان رأيه وموقفه من القضايا المطروحة.
يتابع الزرقان حديثه لـ"عربي 21" قائلا: قيادة الجماعة تلتزم في جلساتها (مجلس الشورى والمكتب التنفيذي) بالاقتصار على أعضائها المنتخبين، بعكس تلك الأطراف التي يجلس فيها من هب ودب، وتعقد جلساتها خارج مؤسسات الجماعة وأطرها، وتنظم مؤتمرات تنبثق عنها لجان مختلفة، بدون علم الجماعة وأخذ موافقتها على ذلك.
وحول مطالبة الإصلاحيين تعديل القانون الأساسي للجماعة، أوضح الزرقان أن هذا المطلب سبق طرحه في مؤسسات الجماعة قبل سنتين تقريبا، وهو من خطة الجماعة، وقد شكلت لجنة قامت بتعديل القانون الأساسي، ولم يعجبهم ذلك التعديل، والمكتب التنفيذي الحالي لا يرفض إجراء تعديلات على القانون الأساسي، ولكن لا يمكن أن يتم ذلك إلا بالاتفاق على آليات للتنفيذ يلتزم بها الجميع.
أما بخصوص مطالبة مؤتمر الإصلاح باستقالة المكتب التنفيذي الحالي، وتعيين قيادة توافقية مؤقتة، أبدى الزرقان استياءه من هذا المطلب، متسائلا: من أين جاء أعضاء المكتب التنفيذي الحالي؟ هل هبطوا من السماء؟ ألم ينتخبهم مجلس شورى الجماعة بطريقة حرة ونزيهة؟ فلماذا يعترضون إذا؟ وهل يصح أن يفتح الباب لكل أحد للاعتراض هكذا؟ هل يجري هذا في أي نظام أو مؤسسة في العالم؟
وفيما يتعلق بالدعوة إلى تعيين قيادة توافقية، اعترض الزرقان على هذه الدعوة مشككا في إمكانية تعيين قيادة توافقية يرضى عنها الجميع، مشددا على أنه ليس من حق أي طرف أو مجموعة فرض مثل هذا الخيار، فالمكتب التنفيذي تنتخبه شورى الجماعة، وهي الجهة المخولة وفق نظام الجماعة ولوائحها المقررة.
وعن الإشكالية الكبرى المتعلقة بالتنظيم السري داخل الجماعة، كشف الزرقان عن أن المكتب التنفيذي شكل لجنة مستقلة محايدة برئاسة الأخ عضو المكتب التنفيذي، للتحقيق في هذا الموضوع، وقد بدأت بعملها، ووجهت الدعوة لخليل عسكر حتى يحضر ويقدم ما لدية من بينات وأدلة وحجج، لكنه لم يحضر لأكثر من مرة، والباب مفتوح لكل من يدعي بوجود التنظيم السري أن يقدم ما لديه من شهادة موثقة وأدلة للجنة المشكلة من أجل هذا الغرض.
في نهاية المطاف هل ستتمكن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن من تجاوز الأزمة الخانقة التي تهدد وحدتها وتعصف بتماسكها؟ يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسين الرواشدة أن الفرصة ما زالت سانحة أمام الإخوان عبر اتجاهين: الأول تصالحي مع الدولة بمؤسساتها المختلفة، ببعث رسائل تطمين لها بأن الجماعة تقوم بمراجعات داخلية حقيقية، واعتراف بالأخطاء، وتجاوز الازدواجية، والخروج بمشروع وطني جامع يقنع الدولة، للتعبير عن حسن النوايا باتجاه الدولة والمجتمع.
والاتجاه الثاني بحسب الرواشدة يتعلق بإيجاد حلول توافقية بين التيارات المختلفة داخل الجماعة، أو بين القواعد الشبابية والقيادات الحالية، وهو ما لم تحققه الجماعة لغاية الآن، ويلفت الرواشدة إلى أن الجماعة بدأت بالاشتغال على المراجعات في داخلها ولكن بتردد وخجل.
ويبدي الرواشده لـ"عربي 21" تخوفه على مستقبل الإخوان في الأردن، بقوله: أخشى ما أخشاه أن يسبقهم الزمن، أو تسبقهم قرارات تضيق على الجماعة بحلها، أو بمزيد من الانشقاقات داخلها، وهو ما يقود ربما إلى حالة من الانسداد أو الانتهاء إذا ما قررت الحكومة حل الجماعة، وهو ما بات مطروحا في المطبخ السياسي، عبر صيغتين، الأولى: تصويب أوضاع الجماعة، والثانية: وهي الأشد والمتمثلة بحل الجماعة بحسب الرواشدة.