حصلت صحيفة "عربي21"، على استشارة قانونية قدمت من مجموعة محامين دوليين لحركة حماس، بناء على طلب الحركة، شرح فيها المحامون أهمية انضمام فلسطين لميثاق روما وتقديم دعوى للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق بجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في العدوان الأخير على غزة، مؤكدين أن تقديم هذا الطلب سيعرض قادة إسرائيليين للاعتقال، وسيسبب أزمة دبلوماسية لدولة الاحتلال.
وقال
المحامون الدوليون، إنه في حال تراجعت
السلطة الفلسطينية هذه المرة عن تأكيد رغبتها بملاحقة إسرائيل في الجنائية الدولية لمحاكمتها على انتهاكاتها في غزة، فإن ذلك سيعتبر تراجعا من السلطة عما أعلنته سابقا، بدون سبب مقنع.
وأضافت الاستشارة أن موافقة الأمم المتحدة على منح فلسطين وضع دولة مراقب "غير عضو" في الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 غيّر كثيرا من الموقف القانوني للسلطة الفلسطينية، حيث أصبحت السلطة مخولة بتقديم إقرار للمحكمة الجنائية لفتح تحقيق مع إسرائيل.
وأشار المحامون الدوليون إلى أن المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية كان قد رفض في الثالث من نيسان/ إبريل 2012 دعوى فلسطينية للتحقيق مع إسرائيل حول "جرائم" ارتكبتها في العام 2002، وقد برر ذلك بأن فلسطين "ليست دولة" بما يخالف مبادئ اتفاقية روما التي تنص على أن فتح التحقيق يتطلب أن يكون الطرف المتقدم بطلب المحاكمة له صفة "الدولة"، وهو الأمر الذي تغير بعد حصول فلسطين على وضع دولة "غير عضو"، ما يعطي الحق لفلسطين بتقديم طلب للتحقيق ضد إسرائيل في الجرائم التي ارتكبتها في غزة، وفي الأراضي الفلسطينية عموما.
وأضافت الاستشارة أن بإمكان حكومة فلسطين الآن قبول اختصاص
المحكمة الجنائية الدولية عبر طريقين: الأول من خلال الانضمام لإعلان روما، وبذلك يصبح من حق المدعي العام للمحكمة الجنائية أن يفتح تحقيقا في أي أحداث في الأراضي الفلسطينية ابتداء من تاريخ انضمام فلسطين للإعلان. وقال المحامون إن هذا الخيار يعطي الحق للسلطة أيضا أن تقدم إقرارا للمحكمة الجنائية يمنحها صلاحية البت في الأحداث بأثر رجعي يغطي فترة زمنية محددة، بشرط أن لا تكون هذه الأحداث جرت قبل حصول فلسطين على صفة دولة "غير عضو" بتاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، ما يعني أن السلطة تستطيع مثلا أن تطلب التحقيق في جرائم الاحتلال خلال العدوان الأخير على غزة.
أما الخيار الثاني فهو تقديم إقرار للمحكمة بالتحقيق في أحداث جرت بفترة زمنية محددة دون أن تنضم حكومة فلسطين لميثاق روما. وقد نصحت الاستشارة باللجوء إلى الخيار الأول لأنه أكثر فعالية، فيما يعتري الخيار الثاني عدة سلبيات تضعف من فعاليته قانونيا، ما يعطي الحق للمدعي العام برفض فتح تحقيق.
وأشار المحامون الدوليون إلى أن تقديم إقرار من قبل السلطة الفلسطينية للمحكمة الجنائية للتحقيق بالعدوان الأخير على غزة فقط؛ سيقلل من إمكانية تحميل السلطة أو أعضاء "حماس" المسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب، نظرا للعدد القليل من القتلى الإسرائيليين المدنيين خلال هذا العدوان.
وأضافت الاستشارة القانونية التي حصلت "عربي21" على نسخة منها، أن هناك عدة إجراءات دفاعية يمكن اتخاذها لحماية أي مواطن فلسطيني قد يطلب للتحقيق، في حال فتح تحقيق من قبل الجنائية بأحداث العدوان الأخير على غزة، ومن بين هذه الإجراءات القوانين الدولية التي تتحدث عن الضرورة العسكرية وعن التناسبية وعن الدفاع عن النفس.
وقلل المحامون الدوليون من إمكانية تهرب إسرائيل من المحاسبة باعتبارها غير منضمة لميثاق روما، وأشاروا إلى أن الدول المنضمة للميثاق ستكون مطالبة بالقبض على المتهمين الإسرائيليين وتسليمهم للمحكمة، ما يعني وقوع إسرائيل في عزلة دبلوماسية وتقييد حركة مواطنيها وتعرضهم للاعتقال في كل الدول الموقعة على
ميثاق روما.
وعلى الرغم من تأكيد المحامين الدوليين أن على السلطة أن تكون مدركة لإمكانية رفض فتح التحقيق بسبب توجهات السيدة المدعي العام والعاملين معها، إلا أنهم قللوا من احتمالية حصول الرفض نظرا لأن الأحداث الأخيرة في غزة أوجدت زخماً غير مسبوق وغير مشهود على صعيد المطالبة بمحاسبة الإسرائيليين، من قبل مسؤولين أمميين. وتوقع المحامون بناء على ذلك أن توجه السيدة المدعي العام تهما لمواطنين إسرائيليين.
وشدد المحامون على إمكانية إصدار مذكرات اعتقال سرية ضد متهمين إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب، في حال انضمام فلسطين لميثاق روما وطلبها فتح التحقيق في العدوان الأخير على غزة، ما سيسهل القبض عليهم بمجرد وجودهم خارج إسرائيل. ودعوا إلى عدم التقليل من قيمة الأثر البالغ لمذكرات القبض التي يلّوح بها فوق رؤوس قيادات قوات الجيش الإسرائيلي، أو قيادات أي قوات إسرائيلية أخرى يجري التحقيق في ممارساتها.
واختتم المحامون الدوليون استشارتهم التي حصلت "عربي21" على نسخة منها، بتأكيد أهمية انضمام فلسطين لعضوية ميثاق روما، وإقرارها بفتح تحقيق في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، مشيرين إلى أن تلكؤ السلطة عن القيام بهذه الخطوة قد يفتح عليها الانتقاد بأنها قدمت خشيتها من محاسبة أعضائها بتهم ارتكاب جرائم حرب على حق شعبها وحق كل ضحايا الحرب بالإنصاف من قبل القضاء الدولي.
ونوه المحامون الدوليون إلى أن امتناع السلطة عن الانضمام للمحكمة الجنائية قد يخدم إسرائيل سياسيا، وسيمكنها من تأكيد مزاعمها بأن "فلسطين" (الفصائل الفلسطينية) هي التي تتحمل المسؤولية عن الهجمات وارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين، فيما سيؤدي فتح تحقيق من قبل المحكمة الجنائية إلى خسارة إسرائيل لأي تعاطف دولي، وسيعرضها لأزمة دبلوماسية بسبب عدم التزامها بالتعاون مع الجنائية.