لم تتمكن فريال الزعانين من
الاستحمام منذ أكثر من شهر بسبب نقص
المياه والازدحام في مدارس الأمم المتحدة التي تأوي عشرات آلاف الفلسطينيين الذين نزحوا من منازلهم منذ بدء
العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة، على الرغم من حر الصيف الشديد.
وتقيم فريال حاليا في أحد صفوف مدرسة بيت لاهيا للبنات شمال قطاع غزة، مع أكثر من خمسين شخصا من أبنائها وأحفادها على غرار أكثر من مئتي ألف نازح فلسطيني لجأوا إلى 87 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بحسب أرقام صادرة عن مكتب الأمم المتحدة للتنسيق الإنساني (أوتشا).
وترك هؤلاء منازلهم هربا من القصف الإسرائيلي الكثيف الذي استهدف مناطقهم منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة في الثامن من تموز/ يوليو الماضي.
وتقول فريال: "لم استحم منذ شهر وستة أيام، أشعر بالعفن والقرف".
وتتابع هذه السيدة التي تدمر منزلها في بيت حانون جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي بأن "الوضع مأساوي، فلا يوجد مياه هنا، والحمامات قذرة جدا، هذه ليست حياة".
وفي صف آخر في المدرسة ذاتها، وقفت فاتن المصري (37 عاما) التي دمر منزلها في بيت حانون أيضا، ترش زجاجتين من المياه الباردة على جسد طفلتها ذات العامين.
إلا أن الطفلة تصرخ بألم بعد أن لامست المياه جسدها الذي تغطيه بقع حمراء شديدة.
وتقول الأم: "كل أبنائي مرضوا هنا بسبب التلوث وقلة النظافة، لقد أصابتهم التهابات جلدية وجرب".
كما أنها تشكو قائلة: "لا يوجد مياه في الحمامات، وإن وجدت فالحمامات قذرة جدا، لا نستطيع دخولها، أقوم بتحميم أبنائي كل ثلاثة أيام هنا داخل الصف بزجاجات المياه".
ولم تتمكن هذه الأم من الاستحمام منذ أن لجأت إلى المدرسة قبل أسبوعين، وتقول: "لم استحم منذ أسبوعين، البعض يحضر زجاجات مياه للشرب ويستحم داخل الصف، لكني لم أستطع فعل ذلك، أشعر أني ساستحم في الشارع إذا فعلت، فقد يدفع أحد الباب ويدخل، لا يوجد أي خصوصية".
وتضيف: "شعوري سيء جدا، أشعر أنني مقيدة وعصبية من قلة الاستحمام".
لكن منتهى الكفارنة، الأم لتسعة أطفال، والتي تسكن في خيمة صغيرة أقامتها في ساحة نفس المدرسة بجوار الحمامات، لجأت إلى مستشفى قريب للاستحمام في دورات المياه فيه.
وتقول: "اليوم ذهبت إلى مستشفى كمال عدوان (شمال قطاع غزة) للاستحمام، المياه كانت باردة وشحيحة، لكن لا يوجد أمامي حل آخر".
وأوضحت: "الناس تتقاتل هنا في المدرسة على الدور أمام الحمامات، أبنائي يتبولون على أنفسهم قبل أن يصلهم الدور".
وبينما تشير إلى شعر أطفالها من حولها، وتخرج قملة من شعر ابنها الأشقر ذو العام، تقول بغضب: "أبنائي أصيبوا بالقمل من قلة الاستحمام".
وصرخت بحسرة: "ليت صاروخا يصيبني أنا وأولادي، ونموت أحسن من هذه الحياة".
ويقاطعها زوجها حازم الذي تظهر بقع حمراء على ذقنه: "هذه ليست حياة، بدأت البثور والبقع بالظهور على وجهي قبل عدة أيام بسبب التلوث وقلة الاستحمام".
ويقر المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، بأن وزارته "رصدت العديد من الأمراض في مراكز الإيواء، لاسيما الأمراض الجلدية، كالطفح الجلدي، والحكة، إضافة إلى الإسهال والتهاب السحايا بين الأطفال".
من جانبه، يقر المتحدث باسم "الأونروا" في غزة، عدنان أبو حسنة، بوجود
أزمة مياه في هذه المراكز، لكنه يوضح: "نكافح في الأونروا لتزويد مراكز الإيواء بالمياه العذبة للشرب يوميا، لكن هناك أزمة مياه حقيقية في مختلف أنحاء قطاع غزة، لأن هناك تدميرا في البنى التحتية بسبب العدوان الإسرائيلي، وهذا يؤدي إلى عدم توفر المياه العادية (للاستحمام) في مراكز الإيواء".
ولا تنحصر أزمة عدم توفر المياه على هؤلاء النازحين إلى مراكز الإيواء، بل يشكو غالبية سكان قطاع غزة من هذه الأزمة منذ العدوان الإسرائيلي.
ويؤكد مدير عام مصلحة بلديات الساحل في قطاع غزة، منذر شبلاق، أن هناك عجزا بنسبة 50% في المياه في القطاع الفلسطيني، ويوضح "قبل العدوان الإسرائيلي، كنا ننتج 140 ألف ليتر مكعب يوميا في القطاع، بينما اليوم لا نستطيع إنجاز أكثر من 70 ألف ليتر مكعب، على الرغم من إصلاح بعد أضرار العدوان الإسرائيلي".
وأعلنت هذه المصلحة وسلطة المياه في غزة -في بيان صحافي نشر مؤخرا- أن "قطاع غزة منطقة منكوبة مائيا وبيئيا".
وأوضح البيان أن "انقطاع التيار الكهربائي بشكل تام عن مجمل مناطق قطاع غزة، وعن جميع مرافق المياه والصرف الصحي، أدى إلى عدم قدرة المصلحة على القيام بمسؤولياتها، وسبب شللا شبه تام في توفير مياه الشرب للسكان، وكذلك تزويد المرافق الصحية كالمستشفيات والعيادات ومراكز الإيواء بخدمات المياه".
وتعرضت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة -والتي تزود القطاع بنحو أربعين بالمائة من التيار الكهربائي- للقصف خلال العدوان، ما أدى إلى توقفها تماما عن العمل.
وتقول سمر مصباح (27 عام)، والتي تسكن في مدينة الزهراء جنوب غرب مدينة غزة: "المياه بالكاد تأتينا، انقطعت عنا أكثر من عشرة أيام".