قصص من مستشفى الشفاء في غزة.. مآسٍ إنسانية

قدم تقرير لصحيفة "إندبندنت" البريطانية المآسي الإنسانية التي خلفها العدوان الإسرائيلي على غزة. وبدأت بقصة وسام وإبراهيم الشقيقين اللذين نقلا لمستشفى الشفاء، الجمعة الماضي، بعد إصابتهما بجراح خطيرة جراء شظية ضربتهما مع زملاء لهما من صاروخ أطلقته طائرة دون طيار.

وتذكر والدة الصبيين ختام بأسى كيف أنها قالت لهما إن الطعام سيكون جاهزا بعد عدة دقائق، لكن إبراهيم كان يريد الخروج واللعب في الخارج فيما كان وسام يريد انتظار الطعام، وفي النهاية أقنع إبراهيم شقيقه بالخروج للشارع، حيث  أصيبا.

وقالت ختام (39 عاما): "أتمنى لو استمع لشقيقه الأكبر وانتظرا الفطور" وبدلا  من ذلك فها هما في المستشفى، حيث قطعت رجل إبراهيم من تحت الركبة، أما وسام  ففي القسم الجراحي، حيث تم إدخال "حديدة" كي تمسك عظم رجله الذي تهشم.

ويقول كاتب التقرير إن الصبيين شجاعان ولا يصرخان إلا عندما يتم تغيير الشاش عن جراحهما، بسبب الوخز الذي تسببه مادة الأيودين التي تستخدم لتطهير الجرح.

وعندما يشاهد إبراهيم الممرضة، ويقول لها: "من فضلك لا تفعلي"، أما وسام فيقول: "لماذا تحضرين كل يوم؟".

ويريد  وسام تحقيق حلمه، ووضع حبه للكمبيوتر واستخدامه فيما ينفع الناس، خاصة أن وسام هو الأول في صفه دائما.

 ويعتبر مستشفى الشفاء الأكبر في غزة، ولكنه يكافح من أجل استيعاب الحالات، حيث يقول الدكتور غسان أبو ستة إنهم يستقبلون موجة عارمة من المصابين الأطفال، وهناك حوالي 2000 ممن أصيبوا جراء القصف الإسرائيلي على غزة.

وأبو ستة، هو جراح فلسطيني- لبناني من بيروت، أحضرته منظمة الإغاثة الطبية الفلسطينية في بريطانيا.

ويقول أبو ستة، إن 80% من الحالات التي شاهدها ستظل تعاني من "عاهات مستدامة، وبعض الحالات بحاجة لخمس عمليات جراحية قبل  إعادة تأهيل المريض نفسيا، ومعظم الحالات "تحتاج لتنظيف الجراح من الشظايا والحجارة والرمل وقطع الخشب" التي دخلت فيها.

 وفي نفس الوقت، يعاني المستشفى من تراجع في كميات الدواء والمواد العلاجية، ولا يوجد هناك معدات يمكن أن تخفف من أعباء الأطباء المهرة، ولكنهم يتعرضون لضغوط شديدة.

وفي الوقت الذي تحاول فيه إدارة المستشفى إحالة المرضى للمستشفيات في الأردن ومصر والضفة الغربية، تواجه عمليات نقلهم عقبات بيروقراطية، وتأخر بسبب إغلاق الحدود من قبل كل من مصر وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ويشير التقرير لحالة حنين (9 أعوام) وياسمين (11 عاما)، اللتين كانتا تساعدان أمهما في تحضير الخبز بفرن على شرفة بيتهما المكون من 3 طوابق في مخيم الشاطئ المزدحم بالسكان، عندما ضرب البيت بقذيفة أطلقتها طائرة "أف-16"، وقتلت أمهما ابتسام (38 عاما)، وشقيقتيهما  أمة (4 شهور) وأسيل (7 أعوام).

وكلا الشقيقتين الآن في وحدة الحروق بمستشفى الشفاء، وتعانيان من جروح خطيرة، وأصيبت حنين بتهشم في عظم ذراعها.

وقام الدكتور أبو ستة بعملية تركيب وربط بين عضلة ظهرها وما تحت إبطها، وذراعها، لكنه حذر من أنها ستعاني من عاهة دائمة، أي عدم القدرة على استخدام كوع يدها.

وتقول ياسمين إنها كانت تساعد أمها، ولا تتذكر شيئا فيما بعد ذلك. وكان يجلس إلى جانب سريرها والدها المكلوم الذي أصيب بجروح وحرق، وقال باستسلام: "هذه إرادة الله".

وبالنسبة لفارس عودة (11 عاما)، فقد كان يتطلع للذهاب في آخر أيام رمضان مع والده وعمه لبيتهم في حي الزيتون، وقال: "كنت أنا ووالدي وعمي نريد شراء حاجيات للإفطار والعيد، وكنت أريد حلاقة شعري، سمعت صوت إطلاق النار، وبعدها صوت انفجار صاروخ من طائرة دون طيار، ولم أشعر برجلي، وبعدها شاهدت دمي ينزف".

ويتذكر والده جميل (31 عاما)، والذي جرح أيضا وهو يصرخ يطلب الإسعاف: "كان يحضنني ودخلنا بيتا لوحدنا"، وبعدها فقد والده الوعي، وحضرت سيارة الإسعاف بعد نصف ساعة.

ويحب فارس ألعاب الفيديو وكرة القدم، لكن رجله اليمنى تعاني حسب أبو ستة من مشكلتين، الأولى عدم التحام العظم، والأخرى التهاب العظم بسبب جرح غير نظيف، امتلأ بالشظايا، أما رجله اليسرى فلا تزال مغطاة بالجبس، وتحتاج لقطعة حديد كي تربط العظم بالأغشية.

ويقول فارس: "أريد مغادرة غزة حتى أحصل على علاج أفضل في مكان أحسن، كي أستطيع المشي مرة أخرى".

أما شهد البيومي (9 أعوام)، فقد كانت غائبة عن الوعي بعد أن نقلت للمستشفى عندما سقطت قذيفة على البيت الذي كانت تعيش فيه مع عائلتها في مخيم النصيرات.

وقتلت القذيفة 12 شخصا، منهم ثلاثة من أخواتها. ويقول المدير الطبي للشفاء الدكتور حسن خليف، إنها تعرضت لكدمات في الدماغ، واحتاجت لعمليات لتصحيح الثقب في حاجز الدماغ وفتح مسار الدم للسريان من رئتها التي تعرضت للضرر.

ويضيف: "لا نعرف كم من الضرر تسبب به نقص الأوكسجين على دماغها".

وفي قصة أخرى، عندما كان محمد بدران (8 أعوام) الذي أصيب بالعمى وشوه وجهه بسبب قنبلة سقطت على بيته في مخيم النصيرات، ظن الأطباء أن عائلته قتلت بالكامل، في الواقع كانت والدته تغريد (40 عاما) إلى جانبه تساعده في التنفس وتنظيف قصبته الهوائية من المخاط الذي تراكم فيها. ولم يعرف محمد أنه أصيب بالعمى وظل يسأل الممرضين لماذا أطفأتم الأنوار.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه حالة محمد واحدة من الحالات، إلا أن والدته وعمه يريدان نقله لمستشفى في أوروبا، حيث يمكنه تلقي العلاج نظرا لصعوبة حالته. وهو بحاجة لجراحة دقيقة، وعند هذه اللحظة "رفع محمد -الذي لا يرى- يديه، لا يريد شيئا سوى أن تحضنه أمه، والتي ردت وأخذته وربتت بيديها على ظهره، وضغطت خديها على وجنتيه".