قضايا وآراء

رسالة من معتقل أعرفه..

1300x600
هذا المقال لا يحكي عن المعتقل وظلامه كمكان يحبس الالام ويسجن الانفاس ولا يحكي عن المعتقل الذي اعرفه  ولا الذي لا اعرفه.. 

هذا المقال لا يحكي عن قلوب من بداخل السجون ولا ارواح ابعدتها القيود ولا عن ابطال غابوا عنا ولا عن حكايات تزيد الالالم ..

هذا المقال لا يحكي عن شيئا من ذلك ربما لأن الحكايات لن تعبر عن شئ  أو ربما لأنها ستزيد الإحساس بالقهر والعجز والالم ...

هذا المقال هو رسالة من معتقل اعرفه  لا يصف فيها احواله واحوال من معه في الزنزانة  انما يحاول ان يوٌصف  الازمة التي وقعنا فيها أو قاع الازمة التي وقعت فيها الامة بأسرها

هذا المقال يحاول  إعادة توجيه  خطاب عقدي خالي من الموائمات الحزبية والحسابات الايدولوجية  ,يحاول توصيف الازمة للبحث عن حل ويحاول تقديم منافيستو ثوري لربما يقرأه احد الثوار أو احد المخلصين فينتبه ويبحث معنا 

وهذه الرسالة هي نتيجة حوار دار بيني وبين ذلك المعتقل  وما جاء فيها قابل للنقاش بل أرجو من كل من يقرأها ان يكتب تعليقه ويناقش ما جاء بها من أفكار  

فهذه وصيه صاحبي وقد علقت عليها بعض التعليقات سأذكرها  مع الرسالة وقد كُتبت بأسلوب سهل ومبسط  لأنها موجه خصوصا لجموع المسلمين وخاصة منهم الاسلامين  والثوار 

 والله من وراء القصد 

يقول صاحبي في رسالته :

مع توالي الاحداث وتتابع الاخبار تغيب عنا الاسئلة الكلية شيئا فشيئا وتتوه الحقيقة خلف ستار كثيف من الاحتمالات والظنون ويصبح السؤال الاساسي عما يجب فعله هو سؤال محير ,فالحكم على الشئ فرع عن تصوره , والبحث عن إجابة دون فهم السؤال هو محاولة عبثية , وإدراك الحقيقة الكلية يتطلب الخوض في أسئلة عن أصل الكون والحياة التي نعيش فيها , وأصل الصراع والمعركة التي يخوضها المسلم في الدنيا, وتتطلب محاولة الإجابة الاستناد إلى مرجعية ثابته لتجنب الوقوع في الاهواء والاحتمالات والظنون :
ماهو الصراع الاساسي في الدنيا والحياة؟

كيف ينظر الإسلام لذلك الصراع ؟

ماهي الثوابت التي لا يمكن التنازل عنها في عملية البناء في التصور الإسلامي ؟

لماذا وكيف ترتبط الدول الإسلامية إلى الان بحالة التبعية للغرب؟

وكيف احتفظ الغرب بالسيطرة حتى الان ؟

لماذا تقمع الدول كل محاولات الإصلاح؟

لماذا لم تحقق محاولات الإصلاح والمقاومة نتائجها المرجوة؟

ماهي الحلول التي ينبغي البدأ فيها ؟وما الذي يجب عمله ؟

سنحاول البحث عن إجابات تلك الاسئلة من خلال تلك الورقات التي سنحاول أن تنظر لأصل الكون والحياة والصراع الذي يدور فيها, وتطورات ذلك الصراع 

1
بدأت القصة بخلق الله للإنسان في الكون 
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً

فبهذه الآية بدأت قصة استخلاف الانسان في الارض ومن هذه الآية تتضح حقيقتين في غاية الأهمية:

_أن عملية الاستخلاف في الارض تتطلب منهج وطريقة لتنفيذها, فالله لم يخلق الحياة والناس عبثا ,وأن من أعطى الإنسان حق الاستخلاف هو وحده القادر على وضع ذلك المنهج وتحديده وهو الله تعالى. فهذا المنهج الذي وضعه الله هو المركز للكون ومركز وأساس الاستخلاف, ومن أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لتطبيقه وتذكير الناس به كلما بعدوا وانحرفوا عن المنهج , ونعتبر محاولات الإنسان أن يضع منهجا لنفسه هو خروج عن حدود العقل والمنطق , فضلا عن خروجه عن حدود الأدب والعبادة .
_من خلال تلك الآية تتضح ثلاث مستويات متباينة في خصائصها, والخلط بينهما يؤدي إلى خطأ في تصور الكون وبالتالي وبالتالي خطأ في تصور إصلاحه وبنائه 

ربك _خليفة _الارض 

فالله تعالى خالق ومشرع , فهو المهيمن الحكيم, خلق الإنسان واستخلفه ووضع له شرعه ومنهجه الذي يمشي عليه.
والإنسان هو المستخلف من الله, في حالة عجز واحتياج دائم لخالقه ورازقه, ولا يمكن أن يدعي في لحظة امتلاكه لحق التشريع لنفسه خارج شرع الله,فكيف لمن لا يملك رزقه أن يملك حق تشريع لنفسه ؟!

وكل البشر في الاستخلاف سواء ,يتشابهون في الامانة والحق والواجب بلا تمايز أو تفرقه.

والارض هي الحياة المادية وهي كل وسائل الحياة وأدواتها , التي خلقها الله للإنسان وذللها وسخرها له, فلا صراع بين الإنسان والطبيعة وقهر لها ,بل هو تسخير وتذليل ليحقق الإنسان الغاية من خلقه ووجوده.

- وعدم إدراك ذلك التصور والخلط في خصائص كل مستوى والعلاقات بين كل مستوى والأخر يؤدي إلى الأزمات التي يعيشها العالم اليوم.

فمحاولة الإنسان القيام بدور التشريع ونسيانه لعجزه يؤدي إلى الحروب الطاحنة والتنازع المستمر , ويخلق السيطرة والهيمنة التي يقوم بها البشر مع بعضهم, كماأنه يؤدي إلى إزالة الثوابت التي يحتكم إليها البشر ,فتصبح كل الحياة نسبية ولا يوجد أى معيار للحق والفضيلة, بل يدور كل العالم في السيولة والنسبية وهو ما يعرف بالعلمانية والتي تعني في حقيقتها إزالة كل الثوابت من الحياة .

فتختفي الاخلاق وييختفي الحق والفضيلة وتترنح البشرية في ظلمات كالموج المتلاطم بعضها فوق بعض.

_ عدم إدراك المساواة بين البشر المستخلفين يؤدي إلى العبودية والقهر الذي نعيش الذي تعيش فيها بعض المجتمعات من مجتمعات اخرى تزعم أنها أرقى منها ,وما إبادة الهنود الحمر وإستعباد الشعوب الإفريقية إلا تمثيل صارخ لذلك الانحراف .

_الأصل أن المادة مسخرة لخدمة الإنسان, ولكن ما يحدث هو العكس ,أن يصبح الإنسان عبدا للمادة ,وعبدا لأدوات الإنتاج ,وأن تتحول الحضارة المزعومة إلى سحق لإنسانية البشر وتتحول المادة إلى هدف للبشرية تلهث وراءها وتدخل في صراعات تتدمر البشرية فيها من اجل المادة .

2
هذه هي الحقيقة الأولى , وهي نصف الواقع , أنما النصف الأخر فهي أنه منذ خلق الله الإنسان ,أمر الملائكة بالسجود له تكريما, فامتنع إبليس كبرا وغرورا , بل وأعلن الحرب والمعركة الأزلية على ذلك الإنسان المستخلف ومنهجه :

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ 

وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا

ومنذ تلك اللحظة بدأ الصراع الأزلي إلى يوم القيامة بين طرفين 
_المؤمنين يساندهم الله تعالى
_إبليس ومعه أتباعه من الإنس والجن 

وكان لتلك المعركة ميدانين :
_ميدان داخلي بين الإنسان وذاته لينحرف عن منهج الله وشرعه ويقع في الشهوات والاهواء لتنتكس فطرته فيدخل النار ,أويستمسك بالمنهج وشرع الله وعبادته فيدخل الجنة.

_ميدان خارجي للصراع وهو تطبيق منهج الله في المجتمع وبين الناس ,وهو انعكاس للميدان الداخلي ولكن في المجتمع ,والهدف منه منع الإنسان من تطبيق منهج الله وشرعه, ليدور المجتمع حول شهواته وأهوائه أو بعنى أشمل حول الباطل وبهرجته.
وفي هذه المعركة الأزلية والصراع الدائم يملك المؤمنون "المنهج" الذي شرعه الله وهو "الحق" بينما يمتلك إبليس وأتباعه الأهواء والشهوات للبشر ,وهو ما يعرف ب"الباطل"
وللحق والباطل وقفة وتعريف .

3

الحق :
وهو شرع الله تعالى, المنهج الذي وضعه للبشرية لما فيه صلاحهم ومنفعتهم الدنيوية والاخروية . وجُبل على ذلك الحق فطرة الناس السليمة ,ذلك المنهج الذي أتت به الرسل تباعا إلى قومهم ليبنوه لهم ويردوهم إليه ,وأنزل الكتب لتوضيحه ,وختم تلك الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم وتلك الكتب بالقرآن الكريم :

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ? فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ? وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ? لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ? وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَ?كِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ? فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ? إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

وذلك المنهج لم يقتصر على الأخرة ويترك الدنيا ,ولم يخاطب الروح ويترك الجسد , بل جمع الجسد والروح والدنيا والأخرة ,يتحاكم إليه الناس في حياتهم ويلجئون إليه حال اختلافهم 

وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ?وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

ويمكن تمثيل ذلك الحق بأربع مستويات أساسية متداخلية 

_عقيدة وتصور

_عبادات وشعائر

_سلوك ومعاملات

_شريعة ونظام 

فالعقيدة والتصور للكون هو أساس ومركز ذلك المنهج , الاعتقاد بوحدانية الله خلقا وتشريع ,وإفراده بالعبادة وتنزيهه عن كل نقص .
وينتج من تلك العقيدة تصور لكل أمور الحياة ومشكلاتها وطرق التعامل معها وإعمار وبناء الكون, وأي خلل في العقيدة يؤدي إلى حلل أكبر في مجالات الحياة الأخرى.

وليس المنهج فكرا وعقيدة فقط ,بل هو إعتقاد وعمل فكانت العبادات والشعائر تظهر من خلالها أثر العقيدة ويتعبد بها الناس لخالقهم .

وليس في المنهج انفصال بين عبادة الناس وحياتهم , فينتج عن ترسخ العقيدة واستمرار العبادة أثر في السلوك والمعاملة بين أفراد المجتمع 

 (من لن تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له)

حديث ضعيف (*).

وينتج عن كل ذلك شريعة ونظام بنظم علاقات الافراد مع بعضها ويحتكم إليه الناس ويتعبدون إلى الله بتطبيقه, لا ينفصل عن عقيدتها وعبادتها وسلوكها 

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى? يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

ويعتبر النظام والشريعة هو المجال العام الذي تتحرك فيه ومن خلاله السلوكيات والعبادات ويؤخذ من خلاله على يد المخالف ,فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .

والمنهج والتشريع يشمل كل حياة الناس المعيشية من شئون اجتماع وسياسة واقتصاد,ينظمها بثوابته وأحكامه,ويترك متغيراتها بعد الحفاظ على الثوابت للاحكام بين البشر بما يصلح حالهم وزمانهم 

وهذا المنهج متكامل لا يمكن فصله  عن بعضه أو تجزئته ,فكله مبني ومترتب على بعضه ,فلا يمكن فصل العقيدة عن العبادة ,أو السلوك عن التشريع, أو حتى جزئيات وثوابت التشريع عن بعضها 
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً

4

الباطل:
ذكرنا أن الحق منهج متكامل متداخل ,ولكن الباطل في حقيقته ليس منهج متكامل مضاد, بل هو غياب الحق أو غياب بعض جزئياته, فالحق والباطل كالنور والظلام ,فالظلام ليس مادة كالنور ,بل هو فقط غياب النور وعدم وجوده.
فكل ماهو ضد الحق وتطبيقه فهو الباطل ,سواء كان عداء الباطل صريحا وكانت الراية واضحة ,أم متخفيا في أى ثوب من إصلاحات وتعديلات وتوصيات ,النتيجة النهائية واحدة وهي عدم تطبيق الحق.
والباطل في أصله انتكاسة للإنسان والروح التي خلقها الله _وهو أعلم بما يصلحها_ انتكاسة لها في الضلالة والغي واتباع الهوى, فتصبح البشرية تائهة متخبطة كا
 الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ?

5
خصائص المعركة:
الحق يستمد قوته واستمراره من خالقه "الله نور السموات والارض"
أما الباطل فما هو إلا ظنون واتباع للهوى 
"إن يتبعون إلا الظن وما تهوى النفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى"
وكما ذكرنا يتمثل الطرفان في المؤمنين يساندهم الله م التزموا بشرعه ومنهجه, والطرف الأخر يقف معهم الشيطان ما استمروا في ضلالهم وطغيانهم .

والمعركة مستمرة حتى قيام الساعة 
( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) 
وتختلف نتيجة المعركة عبر التاريخ بمدى ألتزام المؤمنين بشرع الله وتطبيقه "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الارض يعبدونني لا يشركون بي شيئا "


قد تتخذ المعركة شكلا صريحا براية دينية واضحة ,أو قد تكون مستترة تحت رايات أخرى ,وقد يحاربونا في عقيدتنا بالشبهات أو سلوكنا بنشر الشهوات أو في تشريعنا بمنع تطبيقه , وفي كل ذلك كل المعارك سواء  , معارك من الباطل ضد الحق .

6
استعراض تاريخي 
والآن لنأخذ إسقاط تاريخي لتلك المعركة بين الحق والباطل ,كيف كان شكلها؟ وإلى أي مدى تطورت؟ وأي الرايات رفعت قديما ؟ وترفع حديثا ؟

كما ذكرنا بدأت المعركة منذ بدء الخليقة , وعصيان إبليس لربه وتكبره على السجود لأدم وإعلانه التمرد ووعده بإغواء ذرية سيدنا أدم حتى قيام الساعة ليضل الناس من عبادة الله تعالى 

وتمثلت أول معركة في إغواء إبليس لأدم لعصيان ربه , فخرج من الجنة 

 فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا

كانت تلك أول معركة , وكانت في الميدان الداخلي للإنسان ,وبعد نزول سيدنا آدم من الجنة , أغوى إبليس قابيل ليقتل أخاه هابيل , لتبدأ سنة القتل في البشرية ,ويبدأ الانحراف عن منهج الله وشرعه .

وكانت الكلمة التي قالها قابيل هي شعار الباطل عبر التاريخ إلى الآن "لأقتلنك" ففي كل معركة لا يصمد الباطل أمام الحق فيلجأ للعنف والبطش 

فهذا فرعون بعد ما أعيته الحجة مع سيدنا موسى يقول له 

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَ?هًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ

وتمثلت تلك القاعدة مع كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ,فهذا نوح 

لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ

وهذا لوط     لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ

وهكذا مع كل الرسل .

حتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ

خلاصة ذلك ما قاله ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم "ماجاء احد بمثل ما جئت به إلا عاداه قومه"

ومن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واستمرار الخلافة الاسلامية استمرت المعركة بين الحق واهله والباطل وحزبه وما توانى الباطل لحظة عن الهجوم على ديار الإسلام براية صليبية مسيحية مرة أو كافرة مرة أخرى , وكانت حركة الجهاد والفتوحات مستمرة لدفع ذلك الباطل ونشر الحق 

وعندما كان اهل الباطل ييأسون من الوسائل الصليبية والهجوم العسكري المباشر لجأوا لمحاولات ناعمة اكثر خبثا من تبشير ونشر للرذائل وتشكيك في العقائد واستغلوا لذلك أناس في قلوبهم مرض يرتدون زي الإسلام زورا وبهتانا 

وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ.

وفي الوقت الذي كان المسلمون بفضل شريعتهم في تقدم نسبي كانت أورزبا تشقو في ازمات عديدة أخلاقية وسياسية واقتصادية ثمنا  لإعراضها عن شرع الله ومنهجه وكانت اخطر تلك الازمات سيطرة الكنيسة بتصوراتها وعقائدها الفاسدة على كل أمور الحياة حتى قتلت العلم وسفكت الدماء بسم الدين , وكانت اوروبا تعيش في حروب إقطاعية ودينية مستمرة فيما بينها لبسط السيطرة على اوروبا وامتصاص اكبر قدر من ثروات الشعوب الفقيرة ليستمتع بها النبلاء والقساوسة وطائفة وملأ الفسدة .

واستمر ذلك الوضع في اوروبا حتى القرن السابع عشر ببداية ظهور ونشأة الدول القومية ذات السيادة على حدود معينة وانفصالها عن سلطة البابا المغلقة الفاسدة وظهرت معاهدة وستفاليا م 1648م  لعزل الدين تماما عن كل أمور السياسة أو بمعنى أدق إزالة كل أثر تشريعي للدين في حياة الناس لذلك كان شعار الثورة الفرنسية " اشنقوا اخر اقطاعي بأمعاء اخر قسيس" 

وبذلك نشأت "الدولة القومية" كرد فعل وانعكاس لفساد الكنيسة وانحراف عقيدتها ورغبة من المجتمع للتحرر من كل القيود التي يفرضها عليها الدين لتدور كما ذكرنا في سيولة تامة بلا ثوابت للحق والفضيلة وبلا ثوابت للحياة كلها  لتنشأ الدولة القومية  من عجة عصبيات تحددها حدود الارض وسلالات النسب وهويات  متخيلة .

7

وقبل أن نكمل يجب أن نتحدث قليلا عن الدولة وتصورها في الإسلام وفي الدولة القومية .
الدولة :

لا شك أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يسعى للعيش في مجتمع يتكافل فيما بينه لتحقيق رغباته وكفايته وتحقيق غاياته واهدافه وبالتالي يقوم أي تجمع بشري بعملية تنظيم فيما بينه لتتحدد حقوق كل فرد وواجباته حتى لا يجور المجتمع على بعضه 
ومن هنا نشأت فكرة النظام المجتمعي الهيكلي لمجموعة من البشر المجتمعين في مكان واحد أو ما نسميه مجازا "الدولة" كضرورة تنظيمية للمجتمع تتماشى مع الشكل الفطري السليم للمجتمع وتركيبه ورسالته 
ولكن يبقى السؤال من يحق له امتلاك قوة ذلك النظام وشرعيته ؟

ومن يفصل بين تلك الدولة وهياكلها والمجتمع في حالة اختلافه ؟

وما الذي يمنع تلك الدولة ويكبح جماح سيطرتها ؟

ومن ذلك التصور يظهر أن الدولة منتج بشري الاصل فيه أن يخدم المجتمع ويحقق غايته

8

الدولة بين الإسلام والقومية 

الدولة في الإسلام 

الإسلام كمنهج تشريعي في الحياة لم يكن بمعزل عن تلك الاسئلة ولم يكن دينا ينكر فطرية الانسان في التجمع والنظام ,بل نظم ذلك النظام والتجمع ووضع لها ثوابتها وأسسها بناء على عقيدة وتصور الإسلام للكون والحياة , وترك الاشكال التنفيذية النهائية لاختلاف العصور والانسان ما تم الالتزام بالثوابت والأسس , وهو ما سنحاول الحديث عنه .

بالاستعانة  بمستويات التصور الذي تكلمنا عنه  من قبل "الله _الانسان _الارض"

فهنا الخليفة بصورته الفردية يشكل لبنة الامة بصورتها الجماعية والارض أو المادة هي الدولة بهياكلها التنفيذية وبغايتها من تسهيل عمل الانسان والامة وليس العكس وعلاقتها بالأمة أنما يجب ان تكون مسخرة لها وليس العكس 

وفي الحالتين الله هو المشرع الوحيد والشرع ومنهج الله هو المركز الذي يدور في فلكه الامة والدولة ومن خلاله يتحدد الحق والباطل والمشروع وغير المشروع والصواب والخطأ ,وامام الشرع تحتكم الحاكم والأمة فيحكم بينهما 

? يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59) ?

وبالشرع فقط يستمد الحاكم شرعيتها ما ألتزمت بتطبيقه وتستمد الأمة استخلافها ما ألتزمت بأتباعه
 فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى? يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ

أما الشكل التنفيذي النهائي للحكم فذلك من المتغيرات التي يتركها الله للمؤمنين ما ألتزموا بشرعه وتمسكوا بثوابهم

9

الدولة القومية 

كما ذكرنا فإن سياق نشأة الدولة القومية كان كرد فعل لسيطرة الكنيسة بدينها الفاسد مع الاخذ في الاعتبار حركة التحديث التي شملت اوروبا بعد ازدياد التجارة في البحرة المتوسط ومع دول اسيا  وظهور البرجوازية الصغيرة والمتوسطة في وجه الإقطاعية 
فكان تصور الدولة بعيدا تماما عن أي دين وأي شئ متجاوز للبعد المادي للحياة .

فلا وجود لله المشرع ولا لمنهجه كشرع ومركز للدولة 

ولكن ما هو المركز إذا ؟وكيف تتحاكم الدولة والمجتمع إذا اختلفا ؟

لسد فراغ المركز اصبحت الدولة ذاتها هي المركز وهي المشرع وهي من تحتكر تعريف الحق والباطل والوطني والخائن وتحديد الصواب والخطأ لتنشأ سيطرة مطلقة بقبضة حديدية على كل أمور ومفاصل الحياة وتملك السلطة ليس فقط على الارض وانما ايضا على الارواح 

ونتيجة شدة قسوة ذلك التصور للدولة كمركز متحكم في كل شئ ظهرت النظريات التي تخفف من وطأة ذلك التصور مع الوصول  لنفس النتيجة النهائية وهي السيطرة الكاملة والهيمنة الشاملة للحياة 

فظهرت الديموقراطية كصورة مقنعة لحكم مركزية الدولة ولكن بمشاركة المجتمع الغافل لتجميل صورة الدولة وظهر الفصل بين السلطات كمسكن من حدة السيطرة وغيرها من المحاولات العبثية لتجميل الوجه القبيح للدولة مع وجود نفس السيطرة المطلقة ونفس القبضة الحديدية 

وبذلك التصور تجولت الارض إالى حلبة صراع ين الدولة وهياكلها وبين المجتمع لمحاولة السيطرة على المجتمع والهيمنة عليه ومنعه من الخروج على نظامه 

وبعدم وجود الله كمشرع ووجود منهجه كمركز تصبح الثلاث مستويات الآنف ذكرها مستويين فقط حيث تم دمج مستوى الله مع مستوى الدولة أى أن الاله حل في الدولة وهذا يشبه لحدا ما الفلسفة الحلولية 

وتصبح الدولة فوق المجتمع لتسيطر عليه وتجبر المجتمع على الايمان بما تعتقد الدولة من حق وباطل وخطأ وصواب وتصبح الدولة ذاتها هي المرجعية النهائية لذاتها وللأمة 

ومما سبق يتبين أن الاختلاف بين الإسلام والدولة القومية هو اختلاف في اصل النصور وليس اختلاف في الوسائل والآليات فقط
وبعد أن اصبح الهدف الاسمى للدولة هو السيطرة على ذلك المجتمع والهيمنة عليه  بالقبضة الحديدية واحتكار أدوات القوة كما سنشرح 
كان لابد أن تظهر طائفة من الناس تمثل تلك الدولة ومصالحها الفاسدة ويرتبط وجودها ببقاء الدولة وبشكلها الفاسد وهيمنتها عالمجتمع 
وتحارب تلك الطائفة كل محاولات الإصلاح والقضاء على الفساد أو بمعنى أدق تحارب تلك الطائفة كل محاولة لتطبيق الحق لأنه بتطبيق الحق تختفي تلك الطائفة وتنتهي 

وهذه الطائفة هي من عبر عنها القرآن بلفظ "الملأ" والذين سارعوا إالى تكذيب كل الرسل ومحاولات الحق , وكيف يصدقون الحق وفي تطبيقه نهايتهم واختفاء فسادهم ؟!!

وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ

وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَ?ذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ

وهي تلك الطائفة  التي فُرض الجهاد لإزالتها لإنها تعيق الحق عن الوصول للمجتمع والأمة وعموم الناس 
ومع التطور التاريخي أصبحت الدولة القومية هي تجمع ذلك الملأ وذلك الفساد فالدولة القومية لا تمتلك شرع ومنهج من الله تتحاكم إليه بل على العكس فإنها تضفي على فساد ذلك الملأ صفة الحق بل صفة القانون وأصبحت الدولة في أصول فكرتها وكل مفاصل هياكلها تتشرب ذلك الفساد حتى أصبح وجودها بوجوده 

أي اصبحت الدولة القومية هي الصورة الحديثة لذلك الملأ ورمز لذلك الباطل 

وفي العصر الحديث ومع تقدم التكنولوجيا انفتحت الدول القومية مع بعضها فلم تصبح جزرا معزولة وانفتح طائفة الملأ في كل دولة مع بعضها للتتجاوز الحدود الضيقة لتشكل ما يعرف بالنظام العالمي والذي يمكن اعتباره تجمع للملأ الفاسد ولكن بصورة عالمية وتجمع لطائفة الباطل بصورة أممية 

10

نعود للاستعراض التاريخي 

يمكن تقسيم محاولات الباطل لتدمير الحق وتقسيم ذلك الصراع بين الحق والباطل إالى مرحلتين اساسيتين :

ما قبل انشاء الدول القومية 

ما بعد إنشاء الدول القومية 

ماقبل إنشاء الدولة القومية :

كانت المعارك  بين الحق والباطل تتم بصورة مباشرة وترفع في أغلبها الراية الدينية الواضحة وكانت إما تأخذ الطابع الحربي العسكري الصلب كالحملات الصليبية وغيرها من المعارك والحروب أو تأخذ صورة المحاولات الناعمة المتخفية كالتبشير والتشكيك في العقيدة وكانت قوة الدولة الإسلامية وقتها تقف حاجزا أمام استفحال تلك المحاولات ونجاحها كما قال سيدنا علي عليه السلام " إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن"

حتى في لحظات ضعف الدولة الإسلامية ولكن قوة الأمة  ووجود الشرع كمركز لتلك الدولة والمجتمع ووجود الرابطة التي تجمع بين المسلمين كان كفيلا في معظم المحاولات لردع الباطل ودحره .

11

ما بعد إنشاء الدولة القومية 

بعد سقوط الخلافة 1924 ونتيجة ضعف معظم المناطق الإسلامية وقتها ثم فرض الشكل الحديث للدولة القومية بما يخالف التصور الإسلامي ويضاده ولكن تم فرضه فرضا 

وتم استغلال خيانات متعددة مع تكالب القوى العالمية لتقسيم الخلافة الإسلامية لدول فومية متناحرة تبعا لأتفاقية سايكس_بيكو
ليبدأ بعد ذلك فصل جديد في المعركة بين الحق والباطل فنتيجة السيطرة الكامنة في الدول القومية أصبح الصراع في اغلبه لا يأخذ الطابع المباشر أو يرفع الراية الدينية الواضحة بل أصبح في اغلبه صراع بالوكالة هو صراع التبعية للخارج والهيمنة والسيطرة على الداخل .

وتم الاستعانة بمجموعة من الخونة من المجتمع ويدعون الإسلام ليصبحوا على رأس تلك الدول لتسهيل السيطرة على المجتمع والتبعية للباطل فبدلا من ان ينخرط الباطل في صراع مباشر يقوم بالصراع بالوكالة عن طريق أولئك العملاء والخونة طائفة "الملأ"
وأصبح التدخل العسكري والقوة الصلبة هي العتبة الاخيرة التي يتم  اللجوء إليها في حالة فشل وسائل السيطرة والهيمنة 
وأصبح الصراع في بعده الإقليمي يتمثل في تللك الدولة القومية بما تمثله من تجمع لطائفة و"ملأ" الباطل ومصالحه 
ويلي ذلك الصراع الإقليمي صراع مع النظام العالمي كتجمع للملأ بصورة دولية 

مع الاخذ بالاعتبار أن ليس فقط الدولة القومية هي حجر الاساس في النظام العالمي فهناك عدة عناصر اخرى مثل  المعرفة والعلم وتوظيفهما والهويات باشكالها والمصالح وخاصة الاقتصادية 

والدولة والنظام العالمي يقوموا بأدارة تلك العناصر وتوجيهها 

وصبحت المهمة الرئيسية للدولة القومية بناء على ذلك هي الحفاظ على استقرار النظام العالمي وضمان  عدم الخروج عليه أو هدمه 

ولكي تقوم الدولة القومية بتلك المهمة كان لابد أن تضمن السيطرة الكاملة على المجتمع أو الهيمنة عليه وضمان استقراره وخضوعه للنظام الباطل وتفكيك الأمة وعقيدتها 

وخضوعه لطائفة "الملأ"  فخروج أمة لها قوة ومعها الحق على النظام سيؤدي إالى انهيار ذلك النظام تباعا كمتلازمة حتمية .
ولتضمن الدولة القومية السيطرة على الأمة فإنها قامت باحتكار لكل أدوات القوة حتى لا يمتلك المجتمع القدرة على الخروج على نظام الباطل أو بمعنى أدق القدرة على التحرر من الخضوع وتطبيق الحق 

واحتكار تلك الأدوات تمثل في أربع مستويات أساسية :

احتكار الاقتصاد

احتكار أدوات صناعة الوعي 

احتمار الشرعية والمشروعية 

احتكار امتلاك السلاح والقوة الصلبة 

12

احتكار الاقتصاد 

فلا تمتلك الأمة  أي منظومة مالية اقتصادية تخرج عن ذلك النظام وتحقق اكتفائها الذاتي 

بل يجب أن يظل المجتمع مرهونا بالنظام الاقتصادي للدولة ومن خلفه النظام العالمي 

وحتى رجال الاعمال و ورؤوس الاموال فإنها تدور في فلك تلك الدولة وذلك الملأ حتى ترتبط مصالحهم ببعضها ويتحولوا  هم أنفسهم  لذلك الملأ ليستغلوا الدولة ويقهروا شعبها لزيادة ثروتهم .

احتكار أدوات صناعة الوعي

حتى تضمن الدولة الافكار في المجتمع ويراقبها وتمنع من الافكار ما يمثل خطرا على بقاءها واستقرارها 

وتسيطر من خلال الاعلام  على العقل الجمعي للمجتمع والرأى العام الشعبي لتحشد الأمة الغافلة ورائها 
"فاستخف قومه فأطاعوه"

ومن خلال التربية تضمن تدجين المجتمع والأجيال الجديدة وضمان عدم خروجها وتحررها وإدراكها للصراع ,فتتحكم في مناهج التعليم ,والبحث في ذلك المجال وما قام به الاستعمار في المناهج يدل على خطورة تلك الأداة وأهميتها 

احتكار الشرعية والمشروعية 

فذلك الملأ وتلك الدولة تحتكر الحديث باسم الشرعية والحق بل تحتكر حتى تحديد الحق والباطل وما هو مشروع وغير مشروع 
وتستغل في ذلك اما الدين لتضفي شرعية دينية على النظام وتنشأ طبقة علماء السلاطين التي لا تخلو منها اي دولة مثل السيطرة على الازهر 

أو تستغل الحديث بسم القانون والمصلحة القومية والحفاظ على الدستور لتضفي الشرعية على فسادها وما تقوم به .

احتكار السلاح والقوة الصلبة 

وهذه من أخطر الادوات فتنشأ الجيوش القومية التي لا تقاتل من أجل الحق بل من أجل مصلحة الدولة التي تمثل في حقيقتها مصلحة طائفة الملأ وأصحاب الفساد والباطل والتي تستغلها الدولة لتحقيق تطلعات زعيمها أو حتى قمع مجتمعاتها وشعوبها المنهوبة المقهورة .
وأي محاولة لإمتلاك تلك الأداة يثير النظام العالمي كله ويتكتل لمحاربتها بسم الحرب على الإرهاب أو غيرها من المسميات الباطلة.
وتجاوز احتكار تلك الوسائل حدود الدولة القومية فقط , لينشأ تعاون بين محتكري تلك الأدوات في العالم وتنسيق بينهم وينشأ تعاون بين محتكري الاقتصاد "صندوق النقد الدولي" ,ومحتكري الشرعية "الأمم المتحدة" وهكذا.

وبالتالي نشأت تكتلات المصالح والاحتكار والسيطرة في ظل النظام العالمي ,وتكررت فكرة الملأ بصورة عالمية بحيث يؤدي أي تهديد لذلك الباطل في أي دولة قومية إلى استثارة بقية النظام العالمي كله للتدخل للحفاظ على ذلك الباطل وتلك الدولة لضمان عدم سقوطها فبسقوطها يسقط النظام 

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوصيف ذلك عندما قال "توشك أن تتداعى عليكم الامم كما تتداعى الكلة على قصعتها "

الخلاصة 

أن المشكلة تركزت وتمثلت في الدولة القومية ذاتها بحيث اصبحت هي الازمة ذاتها وليس الحل وأن أي محاولة للحل أو الإصلاح من داخل تلك الدولة أو في فلكها فإنه محكوم عليه بالقتل والإبادة وأن أي محاولة للإصلاح دون امتلاك أدوات قوة محكوم عليها بالفناء والتاريخ يشهد أن كل محاولات النجاح الجزئي المؤقت من داخل الدولة تم قمعها وما تجربة مصر والاخوان ببعيد !!
إذا ما الحلل .......؟؟!!

انتهى كلام صديقي المعتقل وللحديث بقية عن  افكار ربما تكون حلا لما وقعنا فيه من كرب 

هذه الرسالة عندي وقد ملأتها بالتعليقات لن اذكر منها إلا تعليقين 

أولهما : أن بعض السرديات التي ذُكرت في الرسالة تحتاج لمزيد من الدقة  وتحتاج لمزيد من التفكيك العميق خاصة ما يتعلق بالدولة والمجتمع وعلاقتهما ببعض 
كذلك هناك بعض المصطلحات تحتاج إلى إعادة بحث وتحرير مثل "المجتمع_الأمة" لكن الوقت لم يسعفني في البحث وإعادة الصياغة خاصة أنني اخشى أن تضيع بسبب حادث أي كان فلا تخرج للنور وهي أمانة .

ثانيهما: أن حالة الرفض الكامل للنظام العالمي هي حالة جيدة  لكنها تبدو رومانسية لأننا كأمة منهزمة حاليا على كل المستويات واقعين تحت أسر الحضارة الغربية وما قدمته من منتجات حداثية 

ايضا قضية الحداثة نفسها تحتاج لبحث وتدقيق  كي لا نرفضها بالكامل فنصبح في حالة من العدم أو نقبلها بالكامل فنقع في حالة من السيولة .

اخيرااا

أن أي رؤية لا تنبع من التصديق أننا هُزمنا في تلك الجولة لا يعول عليها ومحاولات أطالة تلك الجولة في كل الاحوال ليس في صالحنا 

فالمطلوب هو الاعتراف أننا هُزمنا وأنن يجب أن نناضل بشكل حقيقي لا في ما يسهل عمله بل فيما يجب عمله 
الحفاظ على صفوفنا بأكبر قدر ممكن لأن الجولات الحقيقية قادمة لا محالة  واستمرار في تلك التكتيكات التي بلا رؤية لن تؤدي إلا إلى انهاكنا اكثر 

لكل من يقرأ تلك الرسالة  لقد اصبحت أمانة في عنقك واجب عليك ان توصلها لمن تعرفه .....
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع