أكد باحثون مغاربة، السبت، أن هناك العديد من المخاطر التي تتربص بالربيع العربي، في أفق الإجهاز عليه، وتتمثل في ثلاثية الاسترداد والاستتباع والتشرذم، مقترحين في الوقت ذاته ثلاثية التوافق والديمقراطية التشاركية والبرامج الاجتماعية والأمنية؛ كفرص نجاة للربيع العربي. جاء ذلك خلال
ندوة نظمها
المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية، بالرباط، وحملت عنوان "أين يتجه العالم العربي".
وعن تلك المخاطر المحدقة بالربيع العربي قال الدبلوماسي والسفير
المغربي السابق بسوريا محمد الأخصاصي، في مداخلة بعنوان "الحراك العربي سراب الثورة وواقع اللاثورة"، إنها تتركز في خطر الاسترداد بأن يتم التراجع عما تم تحصيله من مكتسبات، ثم خطر الاستتباع "بمعنى إعادة أقطار
الربيع العربي للتبعية لأصحاب الثروة والنفوذ الإقليمي والدولي"، متبوعا بخطر التشرذم الترابي والوطني والذي قدم له كنماذج الحالتين السورية والعراقية.
وزير خارجية المغرب السابق سعد الدين العثماني، سجل في مداخلته الدور الإيجابي للحراك العربي في إسقاط بعض رؤوس الاستبداد، مشددا على فرص نحاة الربيع العربي من الارتداد، والتي عددها متفقا مع الأخصاصي، في إعادة الاعتبار لقيم الحوار والتوافق كسبيل أنجع لتجاوز التصارع والإخلال بالاستقرار الأهلي، وأيضاً إعمال الديمقراطية التشاركية خاصة، بدول التمزق العرقي أو الديني...وذك لتحييد المتغير الديني في مجال الصراع السياسي.
وضمن ذات الفرص أكدا الباحثون على أولوية احتواء ومواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وبلورة برامج عاجلة للتخفيف من حدة الاحتقان، وزاد عليها السفير الأسبق دون غيره، ضرورة الانخراط في خطة جماعية إقليمية ومندمجة لمواجهة الإرهاب "لأن البيئة المساعدة على تعمق الإحباط ونسف الاستقرار السياسي" وذلك ـ يتابع الأخصاصي ـ بمداخل فكرية وسياسية وأمنية وبيداغوجية، معتبرا الإرهاب يتهدد الجميع وهو لا عقيدة له ولا رسالة سماوية، داعيا بهذا الصدد إلى ندوة إقليمية حول الموضوع.
الندوة التي غاب عنها المفكر العربي عزمي بشارة معتذرا بنشاط مع أمير قطر، قال فيه العثماني إن المنطقة تواجه استراتيجية عالمية تقوم على الهيمنة من حماية توسعات إسرائيل وتأمين البترول للقوى العظمى، ومنع بروز أنظمة ديمقراطية، وليس منع ظهور زعامات إقليمية كما ذهب لذلك الأخصاصي يقول العثماني.
إلى ذلك قدم الفيلسوف العربي محمد سبيلا، إشكالات وأسئلة أكثر منها إجابات عن واقع الربيع العربي، مسجلا أن الحراك العربي رسم صورة وردية جميلة لكن تراجع البريق وسرعان ما تحول إلى اقتتال وصراع، في سياق قال إن مميزاته، المراوحة بين التمرد والثورة والفوضى والاختلال من جهة أخرى والتفكك بالنسبة لبعض البلدان، وأيضاً تباطؤ التمثل السليم للديمقراطية التي قال بأنه ينظر إليها كآليات أكثر منها ثقافة، فضلا عن سمة التنافر والتعرض بين الوزن الكمي للعالم العربي من حيث حجمه وثرواته وتاريخه وإمكانياته وبين قوته الرمزية والناعمة.
وفي الوقت الذي اتفق المتدخلون الثلاث على واقع موسوم بتزايد حجم الخلافات والاستقطابات وحجم التدخلات الإقليمية والخارجية، رفض العثماني جزء من فكرة الأخصاصي القائلة بأن الحراك العربي له علاقة بتدريب أمريكي لشباب المنطقة على وسائل التغيير السلمي، وعلق بأن الأمر ليس بهذه الميكانيكية وأن اتهام حركة "20فبراير" بالمغرب مثلا بهذا الاتهام يعد من الأوهام.
عن فكرة اليد الطولى للغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بما يعتمل في المنطقة كشف العثماني عن تصريح سابق للرئيس الأمريكي باراك أوباما في لقاء خاص بنيويورك حضره العثماني، قبل ستة أشهر حيث أكد أوباما أن التحولات بالمنطقة ينبغي أن تضمن تزويد أمريكا وحلفائها بالبترول وأيضاً حماية أمن إسرائيل.
وهي عناصر إلى جانب أخرى أكدت لوزير خارجية المغرب سابقا، أن الغرب يريد تابعين له، لا مفاوضين وأنداد، وفي سياق حديثه عن المغرب أشاد العثماني بالحراك الشعبي والسياسي الذي عرفه المغرب وأيضاً بحكمة العاهل المغربي محمد السادس في الاستجابة لمطالب الشارع وتفادي سيناريوهات مجهولة الأفق، لكنه قال بأن المغرب عليه الحذر من القوة التي تجر للوراء وتريد "العودة بنا إلى نقطة الصفر، لكن الفرصة ستفوت عليها بالتأكيد".