تصبحون على خير وكرامة

تصبحون على خير وكرامة، وأي خير ذاك الذي ندعو الله كل ليل أن نستقبل به صباحاتنا، وهل الخير أتى ولم ندركه؟ أم أنه مختبئ خلف أبواب الهمم الكسولة المتخاذلة.

وأي إنجاز حققناه اليوم لننتظر خير ثماره يوم غد؟ إن استيقظت صباحا فذلك خير عظيم، فمعنى ذلك أنك ما زلت على قيد الحياة، وأن الله أمد بعمرك ليوم جديد، وكأن الزمن ينتظر منك بعض الإضافات المفيدة التي تجعل العالم مبتهجا لوجودك.

لا أجد البشر في حياتهم إلا بين حالين: أحدهما ما زال قائما يتنفس يستنشق الهواء يستنزف مخزون الأرض من الأكسجين حتى غداً عالة وحملا ثقيلا على المجتمع، وعلى الكون يستنزف المزيد من مواردها دون تدوير للطاقة التي يستنزفها فلا الخير فيه، ولا في وجوده ما دام قد ابتهج أن مد الله بعمره ليأكل ويشرب أكثر وليتكلم وليضحك أكثر وليرتع في ميادين الأرض يسترخي أكثر.

ثانيهما يتنفس كبقية البشر إلا أن فيه من الإيمان والهمة ما يمكنه من إجراء أروع عمليات التدوير في الأرض إذ جعل من أنفاسه عطاءً وإنجازا يسعد به في دنياه وأخراه، كانت أنفاسه رصيدا يكتنز به صندوق آخرته، وكانت إضافة الأيام على عمره إضافة حقيقية في حسابات الإنجازات البشرية.

كثيرون هم الذين تربوا على أيدي أمهات كان أقصى همهم أن يروا أبناءهم بخير، بمعنى أنهم ما زالوا على قيد الحياة يتنفسون، فأصبحوا جميعا على خير بمفهوم الحياة لكن لم يكونوا أبدا بخير بمفهوم الإنجاز والكرامة البشرية.

حال الأمة جعلنا نستنكر أن نصبح على خير، بل نتمنى من أعماق أنفسنا أن نصحوا على كرامة وعزة.

نصحو على كرامة الوطن، وكرامة الروح البشرية المسلمة، نصحو على أمل طالما حلمنا به أن نحيا أعزاء محترمين في ذواتنا، وعقيدتنا، ومقدساتنا، لندرك حينها قيمة أننا بقينا أحياء نستنشق عبير الانتصار.

لم يعد للحياة طعم ما دامت اللقمة مغموسة بالدماء، وتدنيس المقدسات واغتصاب الأوطان.

حان الوقت لنستبدل دعاءنا في آخر كل ليل، نغرسه في أسماع أبنائنا صغارا وكبارا: تصبحون على كرامة.

نستبدل أمانينا، وأماني أمهاتنا وآبائنا، بأن نصبح على إنجاز وقول حق وشهادة، بأن نصبح وقد أحسنا صنع الكرامة. فما عاد للبكاء متسع في زمن الطغيان لابد من إتقان صنعة الكرامة، وكم من الخنساوات أتقن صنعة الكرامة، وتصبحون على كرامة.