"
السخرية هي الملاذ الأخير لشعب متواضع وبسيط" كلمات قالها الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي لوصف حالة الشعوب التي لا يملك بعضها سوى سلاح السخرية في مواجهة الأعباء السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويرفع السياسيون أسهم الساخرين كلما أخطؤوا أو قرروا ما لا يعجب العامّة لينشروا بضاعتهم في مواقع
التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات.
الكاتب الأردني الساخر أحمد حسن الزعبي اعتبر توالي الإحباطات التي أصابت الشعوب وحلم الربيع العربي والانتكاسات في بعض مناطق المنطقة كمصر على سبيل المثال إلى جانب كسر حواجز الخوف، كلها أسباب ساعدت على انتشار
النقد الساخر.
كما نوه الزعبي في حديثه لـ"عربي 21" أن مواقع التواصل الاجتماعي أشعرت المواطن العربي أنه رئيس تحرير نفسه، لكونها بعيدة عن سيطرة الحكومات الأمر الذي عزز الرسالة الساخرة، غير أنه يرى أن مجرد التنفيس عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يصنع التغيير بل يصنعه الشارع في المقام الأول.
ويقف الساخر بحسب الزعبي في مكان بين الخوف والجرأة، فالساخر بحسب وصفه "أشجع الجبناء وأجبن الشجعان".
وميزة الرسالة الساخرة بحسب الزعبي أنها "أسرع وأوجع"، وأنها ليست أدباً نخبوياً، وكونها تكسر هالة السلطة التي استمرت منذ عشرات السنين، بالإضافة إلى كشف بعض الحقائق.
وتتنوع الرسالة الساخرة بين مقال مكتوب أو رسم كاريكاتوري أو مقطع فيديو توصل جميعها رسالة واحدة مفادها أنه ما يزال في هذه الدنيا من يسخر منها.
رسام
الكاريكاتير الأردني عماد حجاج الذي اشتهر بشخصيته الساخرة "أبو محجوب"، قال إن السخرية حاجة إنسانية ملحة، وإن أكثر المجتمعات التي تحتاجها هي المجتمعات المحكومة بالحديد في ظل السلطة المطلقة، وأن الكاريكاتير على وجه الخصوص هو تجسيد بصري للسخرية.
واعتبر حجاج في حديثه لـ"عربي 21" أن السخرية الحقيقية هي التي تتخطى الخطوط الحمراء وتخترق السقوف وتتحدث في الممنوع، لتجعل المجتمع ينظر في أحشائه، كما يعتقد أن بعض السياسيين يعدون للألف قبل أن يصرحوا خوفاً من أن تصبح تصريحاتهم أو هفواتهم مثاراً للسخرية.
ويرى حجاج أن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت أفقاً جديداً لنشوء جيل جديد ساخر بكل الأشكال، يقول ما يشاء أينما شاء، إلا أنه يرى أيضاً أن بعض من أساؤوا فهم الحرية دخلوا في دائرة الإسفاف وسرقة الأفكار وحقوق الابتكار.
وزير الدولة لشؤون الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة أكد على أن النقد الساخر فنٌ إعلامي مهم وشكل من أشكال التعبير.
وعن رؤية السياسي الذي قد يتعرض للسخرية، قال المعايطة لـ"عربي 21" إن على المسؤول أن يرحب ويؤمن بحرية التعبير والتعامل مع الرسالة الساخرة بإيجابية ليستفيد منها لأنها تلفت نظره إلى ما هو بحاجة إلى تصحيح.
غير أن المعايطة لفت إلى "أننا مجتمعات حساسة تجاه النقد الشخصي وأنه من الأفضل تناول الحدث أو القضية بالسخرية بدلاً من تناول الأشخاص لكونهم جزءا من الحالة السياسية، وأن السخرية تبقى مقبولة ما لم تشوه السمعة أو تستفز المشاعر الشخصية".
ويبقى العمل على الأرض أفضل من السخرية في الفضاء لكي لا تكون مجرد تنفيس عن الغضب؛فعالم النفس النمساوي ألفرد إدلر يعرف السخرية بأنها "خليط من الغضب والاشمئزاز" معتبراً بأننا "ننزع إلى الرضا عن أنفسنا والاسترواح إلى شعورنا، عقب مطاوعة السخرية والانسياق معها".