كتاب عربي 21

الربيع يطيح بمجلس التعاون الخليجي!

1300x600
ثورات الربيع العربي التي يصفها البعض بأنها مؤامرة خارجية على الأمة العربية، بدأت تعيد خارطة الوطن العربي، على أسس جديدة، بل لا أتجاوز الحقيقة إن قلت أنها كانت عنصرا مؤثرا في إعادة إنتاج التحالفات والمحاور على مستوى العالم بأسره، مثلما كانت ملهما لانتفاضات شعبية وحركات تحرر في غير مكان من هذا العالم، وهي في ذلك تلعب الدور ذاته الذي لعبه نموذج "الانتفاضة" الفلسطينية الشعبية، التي أصبحت "منتجا" إنسانيا، تعبر فيه الشعوب المقهورة عن رفضها للظلم والاستسلام بوسائل رفض شعبية بسيطة، وتعتمد بشكل رئيس على تحول " جسد الضحية" إلى سلاح مقاوم.

الزلزال الأكبر الذي ضرب منطقتنا منذ انطلاق ثورات الربيع، لم تزل هزاته الارتدادية تترى بالتوالي، بعد أن ظن بعض المحللين أن هذه الثورات إلى زوال، وأن أثرها سيتلاشى بمجرد عزل أول رئيس مصري منتخب بعد هذه الثورات، في انقلاب عسكري سافر، سمي "ثورة" لتحقيق جملة من الأهداف، لعل أهمها "تعهير" الاصطلاح وتمييعه، كي لا يميز الناس بين الثورة والثورة المضادة، والحقيقة أن من يحسب أن هذه الثورات، التي تعد أنبل ظاهرة شهدها العرب في العصر الحديث، يمكن أن تُطوى صفحتها ببساطة يعيش في وهم كبير، والدليل على ذلك، تلك الحركة النشطة التي تشهدها التحالفات الإقليمية والدولية، وإعادة الموضعة للقوى المؤثرة، وترافق هذا مع استهداف غير مسبوق لحركة الإخوان المسلمين في المنطقة بأسرها، لسببين:

الأول/ بدا أنها الحركة الشعبية الأكثر تنظيما والأكثر استفادة من الثورات، والمرشح الأكبر لوراثة أنظمة متهالكة هرمة، فقدت مقومات استمرارها منذ زمن، وتعيش على "المنشطات" والحُقن المسكنة.

الثاني/ انعدام هدف معين لاغتيال ثورات الربيع، وعدم وجود "عنوان" واضح لهذه الثورات، باستثناء مقار الإخوان، فضلا عن كون هذه الجماعة من أقدر الأطر الشعبية على جمع أعداد كبيرة وإنزالها إلى الشارع، والأقدر أيضا على الفوز في صناديق الاقتراع.

لهذين السببين وغيرهما أيضا، جرى استهداف الإخوان، في مصر والخليج، تحديدا، ويبدو أن هذا الموضوع تحديدا هو السبب الذي فاقم الخلافات بين أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج، فجرى سحب سفراء السعودية والبحرين والإمارات من قطر، بعد أن ظلت تجري خلف أبواب مغلقة لعقود خلت، ويبدو أن المجلس برمته سيكون أول "ضحية" من نوعها لثورات الربيع، بعد أن أطاحت الثورات بأربعة رؤوس من عتاة الزعامات "التاريخية" العربية: مبارك، وبن علي، والقذافي، وعلي صالح، الأمر الذي حرّك أصحاب "المصلحة" لإيقاف عجلة الإطاحات بكل السبل، قبل أن يصل الدور لرقابهم، فأججوا نيران الثورات المضادة، ولم تهدأ حتى الآن بيوتات إشعال هذه النيران، ولن تهدأ بالطبع، لأن مشعليها يعرفون قبل غيرهم، أن النيران التي يخشونها لن تنطفىء بعد، وإن بدا أن جمرها توارى تحت الرماد، فالأنظمة المستبدة التي كانت تحكم شعوبها بوحش اسمه "الخوف" لم يعد موجودا، وهي في هذا تحاول استعادة زمام المبادرة ربما في الوقت الضائع، أو "المستقطع" على حد تعبير الرياضيين!