مقالات مختارة

إيران و«جنيف2».. نهاية زمن المراوغة

1300x600
استبعاد إيران من مؤتمر «جنيف2» لحل الأزمة السورية، قطع الشك باليقين بأن طهران لم تزل خارج الترتيبات الإقليمية، وأكد هذا الواقع كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخير في مقابلة مع قناة «العربية»، التي أكد فيها أن الاتفاق مع إيران في جنيف اقتصر على الملف النووي، ولم يتناول أي ترتيبات إقليمية، وأن الدول الكبرى (5+1) تنتظر أن تغير طهران سلوكها وتعزز الثقة بينها وبين المجتمع الدولي.

تفيد المعلومات المسربة من أروقة الأمم المتحدة، بأن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تعرض لضغوط روسية مكثفة عشية «جنيف2» من أجل دعوة إيران، وأن ضغوط موسكو على بان كي مون جاءت استنادا إلى معطيات لديها، رجحت وجود ليونة أميركية في التعاطي مع طهران، ما شجع الأمين العام للأمم المتحدة والخارجية الروسية على دعوة طهران. إلا أن ردة فعل واشنطن المتشددة التي طالبت بسحب دعوة إيران إلى «جنيف2» فورا أربكت موسكو، التي عد رئيس وزرائها ديمتري ميدفيديف رفض الدعوة عملا غير مقبول أبدا، بينما اكتفى وزير خارجيته سيرغي لافروف بالقول إن عدم دعوة طهران خطأ، ولكنه ليس بكارثة، لكن غياب طهران جعل موسكو تقف وحيدة في افتتاح مؤتمر «جنيف2»، تدافع عن نظام بشار الأسد أمام 40 دولة، حملته مسؤولية العنف الذي يتعرض له الشعب السوري، بينما كان بان كي مون واضحا في تبريره دعوة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، بأنه سمع منه كلاما واضحا وصريحا، عن قناعة إيرانية بضرورة اعتبار مبادئ «جنيف1» منطلقا لحل الأزمة السورية، ما يعني أن إيران قد سحبت مبدأ رفضها الحضور تحت أي شرط مسبق، إلا أن ما نقله الأمين العام للأمم المتحدة عن لسان ظريف، لم يمر مرور الكرام في طهران.

فقد سارع رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، إلى إعلان رفض إيران أي شرط مسبق لحضور «جنيف2»، تبعه تصريح لمستشار الشؤون الخارجية والسياسية لمرشد الجمهورية، وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي ولايتي، الذي رفض التدخل الخارجي في الشؤون السورية، فيما كررت وسائل الإعلام القريبة من الحرس الثوري والجناح المحافظ، اتهامها دولا عربية وإقليمية بدعم الإرهاب والتآمر على سوريا.

رغم استياء ظريف من سحب الدعوة، واستخدامه عبارات تصعيدية تتقاطع مع ما أدلى به خصومه المتشددون، فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني كان في «دافوس» أكثر دينامية، حيث عبر عن خيبة أمله حيال سحب دعوة إيران إلى «جنيف2»، محملا بان كي مون مسؤولية ما حدث، ومؤكدا أن بلاده مستعدة للمشاركة في أي تجمع لإنهاء الأزمة في سوريا، وأن الانتخابات الحرة هي أفضل سبيل لحل الأزمة، وعلى الجميع تقبل النتائج.

يبدو أن إيران تلقت صفعة سياسية خارجية لا شك أن لها ارتدادات داخلية، فقد سرب الأمين العام للأمم المتحدة كلاما يحظر تداوله خارج الغرف المغلقة في طهران، كلاما يكشف أن قوى داخلية مركزية تعد السيطرة على سوريا وبقاء الأسد، معركة حياة أو موت بالنسبة لها.

في هذا الوقت يستمر الرئيس حسن روحاني بتمرير رسائله الإيجابية إلى المجتمع الدولي، محرجا خصومه الداخليين، ومؤكدا فشل سياساتهم الخارجية التي بدأت تتسبب بخسارة إيران مكانتها الإقليمية والدولية، وتؤدي إلى إبعادها عن طاولة الترتيبات الإقليمية، وتبرر استمرار سياسة عزلها.

لا شك أن تعنت الأجنحة المتشددة يعرقل الانفتاح الإيراني على العالم، ويطيح بسياسات الاعتدال، لذلك لم تعد المواجهة العلنية بين النقيضين بعيدة، على صعيد الداخل والخارج، ما يظهر أن النظام الإيراني بشقيه المحافظ والمعتدل قد وقع في الفخ الأميركي، الذي أعلن انحيازه العلني إلى جانب فريق ضد آخر، معمقا بذلك الهوة المتسعة بينهما، وممهدا الأرض لمواجهة سياسية تنهك كلا منهما، وتسهل على واشنطن فرض شروطها الخاصة على من يخرج منتصرا من المعركة.

في سياق متصل، سجل الثنائي «روحاني - ظريف» المدعوم من الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، نقطة إضافية في معركته الداخلية ضد الجناح المتشدد. فبفضل سياساته السلبية، كما حققت المملكة العربية السعودية والمعارضة السورية انتصارا دبلوماسيا مجانيا ضد إيران، بعد أن نجحتا في فرض شروطهما في «جنيف2» لجهة استبعاد إيران، وحرمانها فرصة تقديم وجهة نظرها، والدفاع عن نفسها ومصالحها، أمام السيل الكبير من التهم الذي تتعرض له نتيجة دعمها لنظام الأسد.

(الشرق الأوسط)