ملفات وتقارير

باحث مصري يرصد مسارات سلفية الإسكندرية وتحولاتها

الداعية والباحث المصري محمد جلال القصاص - عربي21
كان من تداعيات ثورة 25 يناير المصرية، سطوع نجم حركات إسلامية، لم يكن كثير من الناس يسمعون بها من قبل، لكنها في مرحلة ما بعد الثورة غدت مادة رئيسية في التغطيات الإخبارية، والكتابات التحليلية، الراصدة للظاهرة الإسلامية في مصر، محليا وإقليميا وعالميا.



الدعوة السلفية في الإسكندرية، ينطبق عليها ذلك التوصيف تماما بحسب باحثين في الحركات الإسلامية، فقد شاع اسمها، وأضحت حديث الناس، خاصة بعد ولوجها ميدان العمل السياسي، وانتقالها من حالة هجر السياسة والابتعاد عن شؤونها، إلى الانخراط في ساحاتها، ممثلة بوليدها حزب النور.



للاقتراب من عالمها الداخلي، ومعرفة مساراتها منذ النشاة إلى ظهورها كلاعب هام في الساحة السياسية المصرية، كان هذا اللقاء لـ"عربي 21" مع الداعية والباحث المصري، محمد جلال القصاص، عضو اللجنة الرباعية لرئاسة حزب "الفضيلة" سابقا، وأحد الأعضاء المؤسسين للجبهة السلفية، والباحث في الفكر السياسي، المتخصص في دراسة وتتبع مدى "تأثير الممارسة السياسة على الفكر السلفي"، الذي جعله موضوع رسالته لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية. 



استعرض الباحث القصاص في بداية حديثه حيثيات ووقائع مرحلة التأسيس، التي بدأت وفق تصريحات شيوخ سلفية الاسكندرية، وهم طلاب في السنوات الأولى للجامعة في عهد السادات، حينما أعطى مساحة للحركة الإسلامية كي يعادل بها المد الناصري حينذاك.



مما يرصده الباحث القصاص في بدايات تشكل الدعوة السلفية، ملاحظته أن شيوخها المؤسسين وهم في مرحلة الشباب لم يظهر لهم توجه معين سوى مفارقة الموجود على الساحة بالبحث عن جديد، ولم تتبلور الفكرة إلا بعد سنوات طويلة، وكانوا في كل مرحلة يحرصون على مخالفة الموجود والتواجد ضمن إطار خاص بهم. 



وفي تتبعه لمسارات التأسيس لاحظ أن شيوخ سلفية الاسكندرية كانوا منذ البداية يعلنون أنفسهم كمرجعيات دينية مستقلة، لذا لم يشتهر لهم شيوخ، بل صرح غير واحد منهم أنه علم نفسه بنفسه، أو تتلمذ قليلا على أيدي بعض المشايخ، مبديا ملاحظته الناقدة بأن ذلك إن قُبِلَ من غيرهم فإنه يصعب قبوله ممن ينتسبون للسلف ومنهجهم.



يرى القصاص أن نزعة الاستقلالية عن الحركات الإسلامية القائمة ربما تكون المفتاح المناسب لفهم مسارات سلفية الاسكندرية، يضاف إلى ذلك بحسب ما خلص إليه في دراسته وبحوثه حرص شيوخ الدعوة على النأي بأنفسهم عن أية أزمة تخص العمل الإسلامي ككل، فلم يتم التعاطي من قبلهم – ولو بالتعليق – مع حملة التنصير على مصر والتي استمرت من السبعينات إلى الآن.



والتي وفقا للقصاص طفت على السطح بعنف في أكثر من مناسبة، كالزاوية الحمراء، وأحداث إمبابة، وأحداث وفاء قسطنطين، وكامليا شحاته، كما أنهم لم يتعاطوا مع التحديات الخارجية للحركة الإسلامية سواء داخل مصر كالتيارات العلمانية، فما كتبوه قليل ولا يخرج عن إطار الفتوى، وليس المنازلة الحضارية الشاملة لكل وجوه التصدي الفكري والمدني للمخالفين. 



في السياق ذاته يؤكد القصاص أن شيوخ سلفية الإسكندرية لم ينشغلوا بالتحديات الخارجية كالبغي الأمريكي على الأمة الإسلامية، لافتا إلى أن انشغالاتهم كانت داخلية، وفي سياق لا يخرج عن المتاح من قبل الدولة، راصدا أول ظهور لهم عبر شريط مسجل للشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم، الذي يعتبر الشخصية المؤسسة الأولى،  بالطبع كان ذلك الشريط مخصصا للحديث عن الإخوان المسلمين ونقض فكرهم.



يتابع القصاص ايراد أدلته وشواهده على مسلك سلفية الاسكندرية في تصديها للحركات الإسلامية، بقوله: حينما اشتد الأمر بين الجهاديين والدولة أخرج الدكتور إسماعيل المقدم سلسلة تناقش فكر الحركات الجهادية، وحين اشتد الأمر على ما يُعرف بالقطبيين أخرج الشيخ المقدم سلسلة طويلة يناقش فيها كتاب مؤسسهم الشيخ عبد المجيد الشاذلي. 



ويخلص إلى إبراز ذلك التوجه في أحداث ما بعد ثورة 25 يناير، باصطفاف سلفية الاسكندرية مع المجلس العسكري عدة مرات بمعزل عن التوجهات الإسلامية (إخوان وسلفيين ثوريين)، ثم وقوفهم مع جبهة الإنقاذ ضد حكومة الإخوان، ثم مع الانقلاب، لافتا إلى أن اصطفافهم في خندق الانقلاب جاء متسقا مع السياق العام الذي تتحرك فيه الدعوة السلفية بالأسكندرية. 



حول طبيعة العلاقة بين الدعوة السلفية والأمن المصري، أشار القصاص إلى حدوث سوء تفاهم مؤقت بينهما مرتين: مرة في التسعينات على خلفية تلقي أموال من الخارج (الكويت)، لم يُعتقل فيها إلا القائم على الدعوة (الشيخ إدريس)، ومرة في (2002) على خلفية محاولة تكوين تنظيم سلفي، ولم تستمر الحملة عليهم إلا أياما، ولم تطالهم جميعا، وكانت أشبه ما تكون بالاستجواب. 



وعن الدور المركزي الذي يلعبه الشيخ ياسر برهامي في أوساط الدعوة، أوضح القصاص أن برهامي استطاع – بموافقة شيوخ الدعوة وعلم الأمن – أن يقيم تنظيما، أو عملا منظما محدد الأفراد والمسؤوليات بين أفراد الدعوة السلفية في الأسكندرية، والذي كان فيما بعد هو عماد تشكيل الذراع السياسي للدعوة (حزب النور). 



فيما يتعلق بموقف الدعوة السلفية بالاسكندرية من ثورة 25 يناير، أكدّ القصاص بأنها لم تشارك فيها، بل ولم تستطع تقديم رؤية واضحة منها مع سخونة المشهد في مصر، وعلى ضوء أسبقية التجربة التونسية، إلا إنهم حين ظهور نجاح الثورة، بادروا إلى ممارسة أعمال تتناسب مع محدداتهم الرئيسية، كحراسة الكنائس والمقرات الأمنية والمنشآت الحكومية، مع عدم وجود ما يتهدد تلك الأماكن، وكانت – فيما يبدو – رسالة مودة موجهة للنصارى والأمن وفق تحليلات القصاص.



في رصده لتحولات الدعوة السلفية من مقاطعة السياسية، واتخاذ مواقف جذرية متشددة من بعض مشاهدها، إلى الانعماس فيها، أبان الباحث القصاص بأن ذلك كله وقع بلا مقدمات، وبدون مساحة زمنية للتفكير، وصاحبه مخالطة من كان يقال أن مقاطعتهم عبادة، إذ دخلوا أبواب السلاطين، وشاركوا متطرفي العلمانية. 



وفي السياق ذاته أوضح أن الدعوة السلفية لم تدرس السياسة، ولم تؤلف فيها، فهي تمتلك فقط مواقف تأييد أو رفض (فتاوى)، وقد أقبلت تحسب أن الممارسة السياسية فقط أداة تستطيع من خلالها التمكين لفكرتها، وانتهى الأمر بتفعيل الحالة الإسلامية عامة والسلفية خاصة في إطار الالتفاف على الثورة، أو بالأحرى ترسيخ القيادة بأيدي العسكر، فزاحموا القوى المدنية لصالح العسكر ثم التف عليهم العسكر. 

ولفت إلى أن السلفيين ظنوا أنهم بإمكانهم استعمال أدوات الديمقراطية دون فلسفتها (تصوراتها ومفاهيمها الكلية)، فعملت أدوات الديمقراطية على تحقيق مصالح شخصية خاصة ببعض الأفراد الذين مارسوا العمل السياسي، كشهرة إعلامية ومكانة اجتماعية، وخضوع للجماهير كسبا لتأييديهم، مما أوجد فصلا بين الشرعي والسياسي، ومنافسة بين الساسة أنفسهم. 



عن حالة الدعوة السلفية بعد تأييدها للانقلاب، ومدى تماسكها الداخلي، نفى القصاص أن يكون الصف الداخلي للدعوة متماسكا ومتلاحما، ذاكرا أن الشيخ سعيد عبد العظيم (أحد المؤسسين) عارض موقف الدعوة علانية، واعتلى منصة رابعة مرات عديدة، وظهر هجوم واضح وبشكل حاد جدا ممن يعده سلفيو الإسكندرية مرجعية لهم، وهو الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في الكويت.



وأضاف بأن نقدا حادا وجهه مشاهير الدعوة كالشيخ أحمد السيسي، والشيخ أحمد أبو العينين،  مع أن حالة بقية الشيوخ الصمت فهم لا يعلنون تأييدا أو رفضا، وليس بين المؤيدين سوى الشيخ ياسر برهامي، وكثيرون من أبناء الدعوة رافضون وقد تفلتوا بشكل علني، كما ان حزب الوطن انشقاق كبير عن حزب النور. 



يخلص الباحث القصاص في رصده وتقييمه لحالة الدعوة السلفية بالإسكندرية إلى اعتبار أن المحدد الرئيسي لقيامها وتشكلها، والحاكم لمساراتها هو مفارقة الحركات الإسلامية، إخوان وغير إخوان، ومهادنة الأمن وغير المسلمين، مع حرصهم على تكوين كيان دعوي داخل المحيط السلفي، وهذا يفسر حرصهم الشديد على دعوى تمثيل السلفية، ويكشف النقاب في الوقت نفسه عن كثرة معاركهم الداخلية مع الإسلاميين.