سياسة عربية

"نداء مشترك" لوقف تأليب الشعبين في المغرب والجزائر

القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء

يسعى مثقفون جزائريون ومغاربة لمعاكسة الخلافات الجارية بين حكومتي البلدين؛ من خلال "نداء مشترك" يجري توقيعه من قبل هؤلاء المثقفين ويدعو  السلطات في البلدين إلى "الكف عن تأليب الشعبين ضد بعضهما البعض بالمزايدات والشحن الإعلامي".

ويدعو "النداء المشترك" الذي ما زال مفتوحا لمزيد من التوقيعات من الجزائر والمغرب؛ حكومتي البلدين إلى "العمل على تسوية المشكلات القائمة بين البلدين بحكمة ووفق المصالح المشتركة".
    
وتأتي مبادرة المثقفين الموقعين على "النداء" في أعقاب تدهور العلاقات بين البلدين، إثر الاعتداء الذي طال مقر القنصلية الجزائرية بمدينة الدار البيضاء المغربية في عيد الثورة الجزائرية المصادف للأول من تشرين الأول/ نوفمبر، حيث تم إنزال العلم الجزائر والتعدي عليه من قبل محتجين مغاربة.

وتظاهر العشرات من المغاربة أمام مقر القنصلية بشارع "موديبا كايتا" بالدار البيضاء، بعد يوم واحد فقط من الخطاب الذي ألقاه وزير العدل الجزائري الطيب لوح، نيابة عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في أبوجا يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي تحدث فيه عن حق تقرير مصير للصحراء الغربية.

واعتبرت الحكومة المغربية أن الخطاب يحمل نبرة استفزاز ويستهدف الوحدة الترابية المغربية، كما تحرك العشرات من المغاربة إلى مقر القنصلية الجزائرية للتظاهر احتجاجا.

وتصاعدت ردود الفعل، وتقاذفت الحكومتان التهم، حيث اعتبرت الحكومة الجزائرية أن اقتحام قنصليتها وإنزال العلم الوطني في عيد الثورة يعتبر مساسا بالسيادة، بينما قدمت حكومة عبد الإله بن كيران في المغرب اعتذارا رسميا للجزائر، غير أن هذه الأخيرة طالبت إشراكها في التحقيق الجاري مع المتهم بإنزال علم الجزائر، "حميد النعناع".

وصدر الأسبوع الماضي حكم بسجن حميد النعناع مدة شهرين مع وقف التنفيذ، حيث وجهت إليه تهمة "اقتحام مسكن"، وهو ما زاد من غضب الجزائريين الذين اعتبروا أن ما قام به "أخطر" بكثير من أن يصدر في حقه مثل هذا الحكم.

ويأتي التوتر الجديد في العلاقات بين المغرب والجزائر بعد أشهر من الهدوء، حيث توقع المراقبون أن الطرفين في طريق تجاوز الخلافات التي عمّرت طويلا، وشكّل ملف الصحراء الغربية، عائقا أمام تحقيق التقارب، إذ تناصر الجزائر حق تقرير المصير للصحراء.

إلا أن موقعي النداء من الجزائريين والمغارية قالوا إنه "منذ عقود، ما فتئت العلاقات الرسمية بين بلدينا، الجزائر والمغرب، تسير من سيئ إلى أسوأ. ولا شك في أن لهذا المنحى أسبابا، من بينها الآثار التي خلفها الاستعمار، والطابع التسلطي لنظام الحكم المعتمد بعد الاستقلال، إضافة إلى غياب المبادرات المستقلة لدى المثقفين والمجتمع المدني في البلدين".

ويرى الإعلامي الجزائري المتخصص في العلاقات الجزائرية المغربية، عثمان لحياني، أن النداء "جاء على صعيد التوقيت السياسي غير مناسب، حيث تعرف العلاقات توترا متصاعدا". وأضاف لـ"عربي 21": "أعتقد أن النخب الثقافية والإعلامية والفكرية بدأت تدرك مخاطر هذا التوتر، وتحاول أن تنحاز إلى المعطى التاريخي الذي تتقوى فيه العلاقات بين الشعبين، أكثر من المعطى السياسي الذي بات عامل فصل بين البلدين".

وتابع لحياني قائلاً: "ليس مهمّا أن يستمع النظامان في الجزائر والمغرب لهكذا نداءات، لكن النداء خطوة إيجابية على صعيد انه هناك حس ثقافي ونخبوي تجاوز الحدود والأطر السياسية".

ومن بين الجزائريين الموقعين على البيان: الرئيس السابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، مصطفى بوشاشي، والأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية، احمد بطاطاش، والناشط السياسي الأخضر بن سعيد، والأستاذ الجامعي محمد هناد، والإعلامي الشهير عبد العزيز بوباكير وغيرهم.

وجاء في النداء أنه "كلما كانت هناك بوادر للانفراج بين الدولتين إلا ووقع إجهاضها". واعتبر الموقعون أن "العلاقات التاريخية والثقافية والاجتماعية بين الشعبين الجزائري والمغربي؛ أوثق العلاقات التي يمكن أن تجمع بين شعبين"، ورأوا أن "الوضعية التي نعيشها اليوم غير معقولة، وتكتسي طابعا عارضا لا يمكنه أن يسد الآفاق الواعدة، ولا أن يحجب الحاجة الملحة إلى بناء فضاء مغاربي مستقر ينعم فيه الشعبان بالازدهار والحرية".

ودعا موقعو النداء سلطتي البلدين إلى "اعتبار المسار المغاربي مسألة جوهرية، وعدم ربطه بشرط فض الخلافات السياسية" و"التعاطي مع القضية الإقليمية، أي قضية الصحراء، في إطار المؤسسات الأممية المختصة" و" تمكين مؤسسات التشاور والتعاون المغاربية من أداء المهمات المنوطة بها".

كما جاء في النداء أن "الموقعين على هذا النداء يحدوهم الإيمان بأن مواطني البلدين يستحقون العيش، في ظل نظام ديمقراطي وفضاء اقتصادي متكامل، يبوؤهم مكانة مشرِّفة بين شعوب العالم".