يبدو أن العقوبات الأمريكية (قيصر) المفروضة على
سوريا ذهبت إلى "غير رجعة"، وذلك على الرغم من توقيع أكثر من 100 عضو في مجلس النواب الأمريكي، على بيان يطالب بوضع آليات لإعادة فرض العقوبات على سوريا، وذلك بعد وقت قليل من مصادقة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب على إلغاء القانون على سوريا.
وكان 134 نائبا جمهوريا في مجلس النواب الأمريكي طالبوا عبر بيان، بفرض رقابة مشددة وضمانات واضحة من الحكومة السورية، بعد إقرار إلغاء عقوبات قانون "قيصر"، وأكدوا على ضرورة الاستعداد لإعادة فرض عقوبات "قيصر" في حال أخفقت الحكومة السورية في الالتزام بالشروط.
وأشار البيان إلى أن الأعضاء يعتزمون إبقاء عين رقابية على الحكومة السورية، للتأكد من توفير الحماية اللازمة للأقليات الدينية والعرقية داخل سوريا،
وأثار البيان المخاوف في سوريا من عودة شبح العقوبات الأمريكية، في الوقت الذي تسعى فيه البلاد إلى التعافي من آثار الحرب المدمرة.
لا عودة لـ"قيصر"
ورغم البيان الذي يطالب بالاستعداد لفرض العقوبات، يؤكد رئيس الشؤون السياسية في المجلس السوري الأمريكي محمد علاء غانم لـ"عربي21" أن
قانون قيصر انتهى، مشددا على أن مادة إلغاء قيصر التي تحولت لقانون بعد توقيعها من الرئيس الأمريكي، لم تأت على ذكر أي شيء يتعلق بإعادة القانون.
وأوضح أن البيان الموقع من النواب استخدم لهجة قاسية تجاه سوريا، ومن الواضح أن ما جرى يعبر عن امتعاض النواب الذين خسروا معركة إبقاء العقوبات على سوريا.
وتابع غانم، بأن البيان أثار مخاوف السوريين، وأحدث تشويشا، وخاصة أن فلول النظام استخدمت البيان للتشويش والقول إن العقوبات لا زالت تهدد مستقبل سوريا.
ولا يلزم البيان إدارة البيت الأبيض بإعادة فرض العقوبات على سوريا، لكنه يعبر في الوقت ذاته عن ضغوط داخل أروقة صنع القرار الأمريكية في الملف السوري.
ملف حقوق الإنسان
وفي هذا الاتجاه، يقول هشام نشواتي، مؤسس منظمة "سوريا طريق الحرية" في
الولايات المتحدة لـ"عربي21": إن "البيان لا يعني أبدا عودة لشبح العقوبات"، مستدركاُ: "لكن الوضع قد يتغير في حال حصلت هناك انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في سوريا".
ويضيف أن جهات قد تقوم بتوريط الحكومة السورية في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة في ظل وجود إيران وروسيا و"إسرائيل"، داعيا الحكومة السورية إلى "الانتباه لهذه المحاولات، حتى نضمن عدم فرض عقوبات على سوريا".
وبخصوص البيان، أشار نشواتي إلى أصابع داعمة لفلول النظام البائد، وراء تحريك بعض النواب الأمريكيين، مشيرا إلى محاولات جهات إقليمية لتقويض استقرار سوريا.
وتابع نشواتي بالإشارة إلى الهجوم الذي حصل في تدمر قبل أيام، والذي أودى بحياة جنود أمريكيين، وقال: "لا شكوك لدينا بأن هناك جهات إقليمية تعمل عبر أجهزة الاستخبارات لتخريب العلاقة بين دمشق وواشنطن".
ما بعد العقوبات؟
وبات بإمكان المصارف السورية أن ترتبط بالنظام المصرفي الدولي، بعد أن كان "قيصر" يمنع ذلك، وبذلك يرى المفتش المراقب المالي منذر محمد أن أهم نتائج إلغاء قانون العقوبات هو اتاحة الربط المالي للمصارف السورية بالنظام الدولي، لأن ذلك شرط تدفق الاستثمارات الخارجية و الانفتاح على التجارة الدولية.
ويوضح لـ"عربي21" أن سوريا تحولت من بيئة طاردة للاستثمارات الأجنبية، إلى بيئة جاذبة، بحيث لم تعد تخشى الشركات العالمية أن تطالها العقوبات في حال استثمرت في سوريا، لافتا إلى أن البلاد بحاجة إلى الكثير من الاستثمارات في الإعمار والطاقة والتكنولوجيا والصناعة.
لكن محمد مع ذلك، يؤكد أن البلاد تمر بمرحلة اقتصادية حساسة للغاية، معتبرا أن من الضروري الموازنة بين مصلحة البلاد ونوعية الاستثمارات الأجنبية.
وبخصوص الاستثمارات الأمريكية في سوريا ما بعد إلغاء قيصر، توقع المراقب المالي أن يكون الانفتاح الاقتصادي الأمريكي على سوريا "في الحد الأدنى"، مرجعا ذلك إلى أن سوريا لا زالت في طور استعادة الاستقرار.
وفي 11 كانون الأول 2019، أقر الكونغرس الأمريكي "قانون قيصر" لمعاقبة نظام بشار الأسد البائد، على "جرائم حرب" ارتكبها بحق المدنيين.
وأواخر الأسبوع الماضي، صوت مجلس النواب لصالح إلغاء هذه العقوبات، ووصفت دمشق ذلك بـ"انتصار الحق وتجسيد نجاح الدبلوماسية السورية".