تتزايد التساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية حول الوضع الصحي للرئيس الأمريكي دونالد
ترامب (79 عاما)، عقب سلسلة من المشاهد والمواقف التي رصدت خلال ظهوره العلني، وأثارت جدلا واسعا بشأن قدرته الجسدية والذهنية على مواصلة أداء مهامه، بحسب تقرير موسع نشرته صحيفة ذا تليجراف البريطانية.
ويعد ترامب أكبر رئيس يؤدي اليمين الدستورية في تاريخ الولايات المتحدة، وهو ما جعل ملفه الصحي محل تدقيق دائم، لا سيما في ظل ظهوره المتكرر في مناسبات رسمية بدا خلالها مرهقا أو فاقدا للتركيز.
إغماض العينين في اجتماعات رسمية
وأشارت "
ذا تليجراف" إلى أن ترامب شوهد في عدة مناسبات وهو يغمض عينيه لثوان طويلة خلال اجتماعات رسمية، من بينها إحاطة لوزير الخارجية ماركو روبيو، واجتماع لمجلس الوزراء الشهر الماضي، إضافة إلى لقاء مع مسؤولي
الصحة في المكتب البيضاوي، حيث لم يستعد انتباهه إلا بعد أن أغمي على أحد الحاضرين.
هذه المشاهد دفعت مراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت مرتبطة بالإرهاق الشديد، أم بمشكلات صحية أعمق لم يكشف عنها رسميا.
ولفتت الصحيفة البريطانية إلى رصد
كدمات داكنة متكررة على يد ترامب اليمنى، حاول البيت الأبيض إخفاءها باستخدام مكياج مطابق للون بشرته. وظهرت هذه الكدمات لأول مرة خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى البيت الأبيض في شباط/فبراير الماضي، ثم تكررت مؤخرا مع ظهور لاصقات طبية على يده.
وتحول المصور تشيب سوموديفيلا، من وكالة غيتي إيماجز، إلى ما يشبه “المراقب الدائم” ليد الرئيس، موثقا هذه العلامات في كل مناسبة، الأمر الذي أثار انزعاجا واضحا داخل أروقة البيت الأبيض، وفق الصحيفة.
البيت الأبيض يبرر.. المصافحة والأسبرين
وسعى البيت الأبيض مجددا إلى تبرير الضمادات والكدمات، إذ قالت المتحدثة باسم الرئاسة كارولين ليفيت، ردا على تساؤلات الصحفيين: “سبق أن قدمنا تفسيرا لذلك.. الرئيس يصافح الناس باستمرار”.
وأضافت أن ترامب “يتناول الأسبرين يوميا كإجراء وقائي لصحة القلب والأوعية الدموية”، مشيرة إلى أن ذلك “قد يسهم في ظهور الكدمات”.
وأكدت ليفيت أن الرئيس “رجل الشعب”، ويصافح أمريكيين يوميا “أكثر من أي رئيس آخر في تاريخ الولايات المتحدة”، معتبرة أن هذا التفسير كاف.
غير أن هذه التبريرات لم تقنع عددا من الأطباء المستقلين. وقال الدكتور بوباك بيروخيم، أخصائي المسالك البولية في نيويورك، لصحيفة ديلي ميل، إن المسؤولين “يحاولون إخفاء شيء ما”، مشيرا إلى احتمالات طبية أخرى مثل سحب الدم، أو لدغة حشرة، أو اصطدام بجسم صلب.
من جانبه، اعتبر الدكتور نيل باتيل، الطبيب المتخصص في كاليفورنيا، أن “كثرة المصافحة تفسير ضعيف”، موضحا أن ترامب سبق أن ظهرت عليه علامات مشابهة، ما يضعف مصداقية التفسير الرسمي.
ملف صحي حساس وتاريخ من الجدل
وتعد صحة ترامب مسألة شديدة الحساسية، لا سيما أنه دأب على مهاجمة سلفه الديمقراطي جو بايدن، متهما إياه بالمعاناة من الخرف وعدم الأهلية لتولي الحكم.
وفي مساء الثلاثاء الماضي، شن ترامب هجوما لاذعا على وسائل الإعلام، واصفا التقارير التي طرحت تساؤلات حول وضعه الصحي بأنها “تحريضية، وربما تنطوي على خيانة”، وذلك في منشور غاضب على منصته “تروث سوشيال”.
وكشفت "ذا تليجراف" أن ترامب خضع لفحص بالرنين المغناطيسي في مركز والتر ريد الطبي العسكري في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ضمن فحوص طبية إضافية. إلا أن التقرير الطبي أوضح أن التصوير شمل القلب والبطن فقط، دون توضيح ما إذا كان قد شمل الدماغ أو الجهاز العصبي، وهي فحوص تجرى عادة لتشخيص السكتات الدماغية أو الحالات التنكسية.
كما استحضرت الصحيفة حادثة أثارت القلق خلال مراسم إحياء ذكرى 11 أيلول/سبتمبر في البنتاغون، حين بدا الجانب الأيمن من وجه ترامب متدليا، ما أثار شكوكا حول احتمال تعرضه لسكتة دماغية، وهو ما نفاه البيت الأبيض حينها.
تراجع ملحوظ في وتيرة العمل
وأشار تحليل أجرته ذا تليجراف إلى تراجع واضح في وتيرة نشاط ترامب الرئاسي. ففي عام 2017، كانت فعالياته تبدأ في المتوسط عند الساعة 10:31 صباحا، بينما تبدأ حاليا عند 12:08 ظهرا، مع انتهاء يوم العمل بعد الخامسة مساء.
كما انخفض عدد الفعاليات الرسمية من 1688 حدثا بين كانون الثاني/يناير٬ وتشرين الثاني/نوفمبر 2017، إلى 1029 حدثا خلال الفترة نفسها من العام الجاري، أي بتراجع نسبته 39%. وتقلصت الرحلات الداخلية، مقابل زيادة الزيارات الخارجية القصيرة رفيعة المستوى.
وأثار تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز حول صحة ترامب غضبه الشديد، إذ نشر ردا مطولا من 500 كلمة أكد فيه أن “لا أحد من أسلافي عمل بجد مثلي”، مشددا على أن ساعات عمله “الأطول ونتائجه من بين الأفضل”.
في المقابل، استغل الديمقراطيون الجدل، إذ نشر حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم رسالة ساخرة زعم فيها أن ترامب “ينام في الاجتماعات ويحتاج للاستلقاء لمشاهدة التلفاز”.
وسخر المذيع الأمريكي جيمي كيميل قائلا: “الرجل الذي يدير البلاد يخضع لفحوص خرف غير معلنة ولديه كدمات غامضة تغطى بالمكياج، ومع ذلك يطلب منا تصديق أنه بقدرات خارقة”.
وعلق المؤرخ السياسي ماثيو دالك، من جامعة جورج واشنطن، لصحيفة نيويورك تايمز، بأن مساعدي ترامب “يتحدثون وكأننا نعيش في عالم خيالي”، معتبرا أنهم صنعوا “سردية مثالية عن صحته لإخفاء حقيقة أنه في التاسعة والسبعين من عمره”.
البيت الأبيض: النتائج طبيعية تماما
في المقابل، أعلن البيت الأبيض مطلع كانون الأول/ديسمبر الماضي أن نتائج الفحوص الطبية المتقدمة التي خضع لها ترامب “طبيعية تماما”. وأوضح طبيبه الشخصي، شون باربابيلا، أن الفحوص أجريت في تشرين الأول/أكتوبر ضمن تقييم وقائي شامل، وركزت على صحة القلب والأعضاء الباطنية.
وأكد الطبيب أن فحوص القلب والأوعية الدموية أظهرت شرايين سليمة دون انسداد أو تضيق، مع عمل طبيعي لحجيرات القلب، وعدم وجود أي علامات التهاب أو جلطات، خلص على إثرها التقرير إلى أن “الجهاز القلبي الوعائي للرئيس يتمتع بصحة ممتازة”.
كما أظهرت فحوص الأعضاء الحيوية سلامتها وعملها ضمن الحدود الطبيعية، دون تسجيل أي أمراض مزمنة أو مشاكل صحية كبيرة، وفق التقرير الطبي الرسمي.