أثار فوز الطالبة الفلسطينية أروى حنين الريس برئاسة
اتحاد طلاب
جامعة أكسفورد موجةً من
الجدل والتفاعل داخل الأوساط الأكاديمية والإعلامية،
وبينما اعتُبر انتخابها محطة تاريخية باعتبارها أول فلسطينية وأول امرأة عربية
تتولى هذا المنصب العريق، حذّرت الريس من وجود تحركات جادة داخل الاتحاد تهدف إلى
عزلها وإقصائها بسبب مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، في مشهد يعكس حجم
الاستقطاب السياسي المتصاعد داخل واحدة من أعرق المؤسسات الطلابية في العالم.
وانتخبت جمعية اتحاد طلاب أوكسفورد، إحدى أعرق وأهم الجمعيات
الطلابية في العالم، الطالبة الفلسطينية أروى حنين الريس رئيسةً لها لفصل "Trinity" (الصيف)
لعام 2026، لتكون أول فلسطينية وأول امرأة عربية تتولى هذا المنصب منذ تأسيس
الجمعية قبل أكثر من قرنين.
وجاء
انتخاب الريس بعد حصولها على 757 صوتاً كخيار أول، متقدمة بفارق
يقارب 150 صوتاً عن أقرب منافسيها، في اقتراع شهد مشاركة واسعة بلغت 1,528 ناخباً،
وهو رقم يفوق معدل الإقبال في الانتخابات السابقة للجمعية، بحسب ما أوردته صحيفة أوكسفورد الطلابية.
وقالت الريس، التي تدرس الفلسفة والسياسة والاقتصاد وتنتمي إلى كلية St Edmund’s Hall بجامعة أكسفورد، تعليقاً على
فوزها:"أنا ممتنة ومتواضعة أمام الثقة التي
منحني إياها أعضاء الاتحاد ولي فريقي. أشكر كل من تجاوز خلافاته واجتمع على رؤية
مشتركة لهذا الاتحاد الذي نحبه جميعاً، وأتطلع لخدمة أعضائه خلال فصل الصيف لعام
2026".
لكن الريس أعربت عن خشيتها من وجود محاولات جدية لطردها من رئاسة
الاتحاد بسبب مواقفها المؤيدة للحق الفلسطيني..
وقالت في تصريحات لقناة الجزيرة: "هناك محاولات جدية لطردي من
رئاسة الاتحاد بسبب مواقفي من فلسطين، وذلك خلال اجتماع مرتقب السبت المقبل".
نشاط داعم للقضية الفلسطينية
وتعرف الريس بمشاركتها في إنتاج فيلم وثائقي بعنوان "Heart of a Protest" (قلب الاحتجاج)، الذي سلّط الضوء على
التظاهرات الشعبية في العاصمة البريطانية لندن تضامناً مع الشعب الفلسطيني في
أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة.
ووفق ما رُوّج للفيلم عبر منشور على منصة "إنستغرام"، فإن
العمل يوثق موجة احتجاجات مؤثرة دعماً لفلسطين، وقد تم إنتاجه بميزانية صفرية من
قبل خمسة أشخاص وصفوا أنفسهم بأنهم "يهتمون بما يجري منذ عام 1947". وقد
أعادت الريس نشر هذه المواد على حسابها الشخصي، في إشارة واضحة إلى انخراطها في
القضايا الإنسانية والسياسية المرتبطة بفلسطين.
فوز في سياق متوتر داخل الاتحاد
ويأتي فوز الريس في ظل أجواء من التوتر داخل اتحاد أكسفورد، بعد أن
شهدت الجمعية مؤخراً تصويتين بحجب الثقة عن قيادات سابقة، كان أبرزها التصويت ضد
الرئيس المنتخب جورج أباراونيا الذي خسر منصبه إثر تعليق ساخر نُشر على حسابه في
"إنستغرام" عقب اغتيال الناشط الأمريكي المحافظ تشارلي كيرك، وهو ما
أثار استياءً واسعاً داخل الجمعية وخارجها.
أما الرئيس الحالي موسى حراج، فقد نجا من تصويت بحجب الثقة في أواخر
شهر أكتوبر الماضي، ما يعكس حجم الانقسامات والتجاذبات السياسية التي باتت تطغى
على أجواء الجمعية، المعروفة تاريخياً باستضافة كبار القادة والسياسيين والمفكرين،
وتنظيم مناظرات ومحاضرات عالمية المستوى.
من جهته، اعتبر جورج أباراونيا أن التصويت الذي أطاح به "شابه
خلل في النزاهة"، مشيراً في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) إلى أن أطرافاً مناوئة لحملته حصلوا على "دخول غير مراقب"
إلى بريد إلكتروني كان مخصصاً لتجميع الأصوات بالوكالة.
رسالة ترهيب
وقال عمر مفيد، الناشط الفلسطيني في المملكة المتحدة، في تصريحات خاصة لـ
"عربي21"، إن ما تتعرض له أروى الريس ليس حالة استثنائية، بل يأتي ضمن سياق ممتد من التضييق على الطلبة الفلسطينيين ومناصري القضية الفلسطينية داخل المؤسسات البريطانية، موضحاً أن الأصوات الداعمة لفلسطين لطالما واجهت محاولات إسكات وإقصاء ممنهجة. واستشهد مفيد بحالة الطالبة الجزائرية المؤيدة لفلسطين ماليا أبو عطية، التي تعرضت لهجوم واسع بعد فوزها برئاسة اتحاد الطلاب البريطانيين، ما أدى إلى انسحاب عدد من كبرى الجامعات من الاتحاد احتجاجاً على انتخابها.
وأضاف أن الطالبة التونسية ـ السودانية شيماء دلالي واجهت المصير ذاته تقريباً، إذ تم سحب فوزها وإلغاء نتيجة انتخابها على خلفية اتهامات مرتبطة بدعمها لفلسطين وآرائها السياسية، مؤكداً أن هذا النمط المتكرر يعكس حالة تضييق ممنهجة على أي حضور طلابي داعم للقضية الفلسطينية في الجامعات البريطانية.
وأشار مفيد إلى أن ظهور وجوه فلسطينية بارزة في المحافل الطلابية الغربية، مثل أروى الريس، ابنة غزة الجزائرية ـ الفلسطينية، يؤكد أن الحضور الفلسطيني لم ولن يغيب، لكنه في الوقت ذاته يكشف حجم الضغوط التي تُمارس بهدف كبح هذا الصوت. واعتبر أن الخطورة في الحالة الراهنة تكمن في توقيتها، الذي يأتي بعد حرب غزة، وفي ظل ما شاهده العالم من محاولات مكثفة لإسكات الصوت الفلسطيني والتضييق على كل من يعبر عن دعمه، مضيفاً أن الهدف الرئيسي من الحملة ضد الريس هو بث الخوف بين الطلبة وردعهم عن الحديث علناً عن فلسطين.
رمزية تتجاوز أسوار الجامعة
ويحمل فوز طالبة فلسطينية ـ وفي هذا التوقيت تحديداً ـ بمنصب رفيع في
واحدة من أكثر المؤسسات الأكاديمية نفوذاً في العالم، دلالة رمزية عميقة تتجاوز
مجرد حدث طلابي، ليعكس حضوراً متزايداً للقضية الفلسطينية داخل الأوساط الأكاديمية
الغربية، ووعياً متنامياً لدى الشباب بقضايا العدالة وحقوق الإنسان.
كما يعد هذا الإنجاز رسالة قوية للطالبات العربيات والمسلمات، بأن
الوصول إلى مواقع القيادة في المؤسسات العالمية الكبرى لم يعد أمراً مستحيلاً، بل
بات واقعاً يصنعه الإصرار والكفاءة والوعي بالقضايا العادلة.
وتأسس اتحاد طلاب أوكسفورد عام 1823، ويعد من أقدم وأشهر الجمعيات
الطلابية في المملكة المتحدة، وقد استضاف على مدار تاريخه شخصيات عالمية بارزة من
رؤساء دول، وقادة، ومفكرين، ونجوم ثقافة وإعلام، ويشتهر بتنظيم مناظرات سياسية
وفكرية تحظى بمتابعة دولية.