ملفات وتقارير

هل تطيح "اتفاقية 1968" بين الجزائر وفرنسا بخطط تقارب البلدين؟

قر مجلس النواب الفرنسي مشروع قانون يهدف إلى "إدانة" الاتفاقية الفرنسية الجزائرية الموقعة عام 1968- الأناضول
لا يهدأ التوتر في العلاقات بين فرنسا والجزائر إلا ليعود من جديد بفعل الخلافات الجيوسياسية وتباين الخلافات بين البلدين في العديد من الملفات، فيما تظل قضية المهاجرين واحدة من أكثر ملفات التوتر بينهما.

ففي وقت ترى فيه باريس أن قضية المهاجرين قضية سيادية ترتبط بالأمن الداخلي، ترى الجزائر أنه يتعين على فرنسا الرضوخ للاتفاقيات التي تربط البلدين في هذا المجال.

وبعد سنوات من السجال والتوتر بين البلدين بخصوص ملف المهاجرين، أقر مجلس النواب الفرنسي الخميس مشروع قانون اقترحه حزب التجمع الوطني المصنف يمينيا متطرفا يهدف إلى "إدانة" الاتفاقية الفرنسية الجزائرية الموقعة عام 1968 ليفتح بذلك الجدل من جديد بشأن مستقبل سياسية باريس في إدارة علاقاتها مع الجزائر.

ماهي اتفاقية 1968؟
هي معاهدة لتنظيم الهجرة بين الجزائر وفرنسا وقعت عام 1968 أي بعد 6 سنوات فقط من استقلال الجزائر عن فرنسا، وتُعد استمرارا لاتفاقيات إيفيان التي أسست لاستفتاء استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي عام 1962.

تمنح هذه الاتفاقية المهاجرين الجزائريين مزايا خاصة من ضمنها الأفضلية في العمل والإقامة مقارنة بالمهاجرين من جنسيات أخرى.

وتنص الاتفاقية على أنه يحق لأي جزائي يحمل بطاقة هوية التنقل بين الجزائر وفرنسا ما لم يصدر حكم قضائي يمنعه.

"قوقعة فارغة"
خضعت الاتفاقية إلى 3 تعديلات رئيسية، منها إلغاء سياسة الحصص واستبدالها بنظام التأشيرات، إضافة إلى تقليص مدة الإقامة الممنوحة للجزائريين.

وترى الجزائر أن هذه التعديلات لا تصب في مصلحتها، حيث سبق أن صريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أكثر من مرة أن اتفاقية 1968 "أصبحت قوقعة فارغة".
وقال إن الجزائر مستعدة للنظر مجددا في هذه الاتفاقية بشرط أن تضمن حقوق الجزائريين، لكن مع ذلك ما تزال هذه الاتفاقية تمنح الجزائريين مزايا خاصة، وفق متابعين.

الأثر القانوني
تصويت مجلس النواب الفرنسي على إدانة الاتفاقية لا يحمل صفة إلزامية تفرض على الحكومة إلغاء الاتفاقية، لكن متابعين يرون أنه يمثل "نجاحا لليمين المتطرف" الذي تمكن من تمرير مشروع الإدانة عبر 185 صوتاً، مقابل 184 صوتاً ضده، وذلك بناء على مقترح من حزب "التجمع الوطني"، وبمساندة من نواب حزبي "الجمهوريون" وحزب "آفاق"  في حين عارضته أحزاب اليسار والأغلبية الرئاسية والحكومة.

ويعتبر الرئيس الفرنسي ماكرون هو المخول قانونا لإلغاء الاتفاقية من الجانب الفرنسي، لكن وفق تصريحات رئيس الحكومة سيباستيان لوكورنو، فإن الأمور لا تسير نحو هذا الاتجاه بل ربما نحو إعادة مناقشة هذه الاتفاقية مع الطرف الجزائري.

فقد قال الوزير الأول الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، إنه "يجب إعادة التفاوض حول الاتفاق الفرنسي الجزائري". وأضاف: "رئيس الجمهورية قال ذلك مرارًا، يجب أن تنطلق العلاقة مع الجزائر من جديد على أساس مصالحنا الخاصة قبل كل شيء".

هل تنهار جهود التهدئة؟
اعتبرت وسائل إعلام فرنسية اللائحة التي صوت عليها نواب الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى للبرلمان)، لإلغاء اتفاقية الهجرة لسنة 1968، ما هي إلا "محاولة من اليمين المتطرف لإفشال الجهود الجارية مع الجزائر".

وكانت فرنسا بعثت خلال الأسابيع الأخيرة برسائل تهدئة إلى الجزائر على لسان وزير داخليتها لوران نونييز، رأى متابعون أنها قد تكون محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد بين البلدين، وسط قلق فرنسي من استمرار توقف التنسيق الأمني مع الجزائر.

ومن بين رسائل التهدئة الفرنسية حضور السفير الفرنسي لدى الجزائر، ستيفان روماتي، مراسم إحياء ذكرى أحداث 17 أكتوبر 1961 بمدينة بيزنس بضواحي باريس. وأيضا عبر تصريحات وزير الداخلية الفرنسي الجديد، لوران نونييز، الذي أكد في عدة مناسبات ضرورة استئناف التعاون الأمني مع الجزائر، منتقدا أيضا نهج سلفه، برونو روتايو.

وفي هذا السياق يرى الصحفي الجزائري اكرم خريف، أن تصويت مجلس النواب الفرنسي على إدانة الاتفاقية، لن تكون له تداعيات كبيرة وجوهرية على علاقات البلدين.

وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن الجزائر كانت لوحت سابقا بالخروج من الاتفاقية لأنها لا تخدم مواطنيها. واعتبر أن تصويت نواب حزب الرئيس الفرنسي ماكرون ضد مقترح إدانة الاتفاقية يعتبر تقدما نحو المصالحة بين البلدين.

إشارة سياسية مقلقة
في المقابل اعتبر ممثل الجالية الجزائرية في فرنسا عبد الوهاب يعقوبي، أن التصويت على إدانة الاتفاقية "يشكّل إشارة سياسية مقلقة تضعف الطبيعة التاريخية والإنسانية للعلاقات بين الجزائر وفرنسا، وتوجّه رسالة سلبية إلى ملايين المواطنين المتمسكين بالحوار والعدالة والاحترام المتبادل".

وأضاف في بيان نشره عبر حسابه على فيسبوك: "لقد مثّلت هذه الاتفاقيات، بوصفها ثمرة لتفاهم سياسي وإنساني متوازن، وعلى مدى أكثر من نصف قرن، إطارًا قانونيًا مستقرًا ضامنًا لحقوق العائلات الجزائرية المقيمة في فرنسا، بما يكفل كرامتها واحترامها لقوانين الجمهورية".

ورأى أن "إخضاع الجزائريين للقانون العام الذي يُطبَّق على باقي الأجانب من شأنه أن يُلغي ركيزة أساسية في العلاقة الثنائية، ويقوّض الثقة المتبادلة بين الشعبين".

وعرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية في الفترة الأخيرة توترا وصف بغير المسبوق، وذلك على خلفية جملة من الأحداث، بينها أزمة ترحيل جزائريين من فرنسا واعتقال الكاتب المزدوج الجنسية بوعلام صنصال، والاعتراف الفرنسي بـ"مغربية الصحراء"، والجدل حول ملكيات فرنسا العقارية في الجزائر، وتلويح فرنسا أكثر من مرة بالنظر مجددا في اتفاقيات عام 1968، التي تتيح للجزائريين تسهيلات في الإقامة والتنقل والعمل داخل الأراضي الفرنسية.

ثم تلا ذلك ما بات يعرف بأزمة "الحقائب الدبلوماسية" بعد نشر الجريدة الرسمية في فرنسا إشعارا يخص تعليق الاتفاق الجزائري-الفرنسي لسنة 2013 الخاص بالإعفاء من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر "لمهمة"، حيث أشار الإشعار الفرنسي إلى أن الجزائر توقفت عن تطبيق الاتفاق منذ 11 أيار/ مايو 2025.

علاقات مثقلة بالماضي الاستعماري
ويشكل الجزائريون الجنسية الأجنبية الأولى في فرنسا، إذ بلغ عددهم 649,991 جزائريا عام 2024، والثانية من حيث الحصول على تصريح إقامة.

والعلاقة بين الجزائر وفرنسا مثقلة بالماضي الاستعماري والمجازر التي ارتكبتها فرنسا بحق جزائريين ومن بينها المجزرة التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية بحق متظاهرين جزائريين خرجوا في باريس للمطالبة باستقلال بلادهم عن الاستعمار الفرنسي.

ففي 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1961، هاجمت الشرطة الفرنسية، بأمر من قائد شرطة باريس، موريس بابون، مظاهرة سلمية لآلاف الجزائريين، خرجوا للمطالبة باستقلال البلاد.

وقتلت الشرطة الفرنسية حينها عشرات الجزائريين، بشكل متعمد في الشوارع ومحطات المترو، في حين ألقت بعدد من المصابين من الجسور في نهر السين، وهو ما بات يعرف بمجزرة باريس عام 1961.
وتشير روايات مؤرخين جزائريين عايشوا تلك الأحداث إلى أن الشرطة الفرنسية اعتقلت نحو 12 ألف جزائري، تعرضوا للتعذيب والقتل.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع